معاناة سكان قرى السلسلة الجبلية بمعتمدية مطماطة من ولاية قابس لا تختلف عن بعضها كثيرا بحكم تشابه ظروف الحياة ونمط العيش القائم على الفلاحة البعلية وتربية الماشية والعمل في الحضائر. قرية الزريبة التابعة لعمادة تشين من معتمدية مطماطة تعدّ أكثر من 300 عائلة تعيش معظمها على إنتاج الزيتون وتربية الماشية باعتبارها خالية من كلّ المؤسسات العمومية ما عدا المدرسة الابتدائية التي بعثت سنة 1983 وبقيت القرية منسية إلى غاية 91 حين تمّ تعبيد الطريق ولكن هذه الطريق لم تساهم في فك عزلة القرية حيث أنها تعبر واد بين جبلين شاهقين يعتبر كابوسا حقيقيا لكل وسائل النقل ومانعا أمام الشاحنات والحافلات الكبيرة من عبوره لصعوبته الشديدة فالمنحدر ضيّق وخطير جدا وبه منعرجات حادّة. وصلت إلى القرية بشقّ الأنفس فهي مغامرة لا تخلو من مخاطرة لألتقي بالشيخ بلقاسم بن سالم إمام الجامع ومدرّس الكتّاب بصدد تحفيظ الصّبية القرآن الكريم ، فحدّثني عن معاناة الأهالي في ظلّ غياب وسائل النقل طوال اليوم حيث تأتي حافلة صغيرة صباحا وتعود مساء لتنقل التلاميذ من إعدادية مطماطة ، كما تفتقر القرية إلى مكتب بريد ولتسديد الفواتير لابدّ من التنقل إلى قرية تشين المجاورة على بعد 8 كم. أما مركز الرّعاية الصحية الأساسية فقد انتهت أشغال بنائه منذ جوان 2011 ولم يفتح أبوابه بعد. كما لفت انتباهي إلى أن ّ سكان الزريبة هم القلائل في المنطقة الذين لم ينزحوا من قريتهم ومازالوا يتبعون عمادة تشين إداريا في حين أن عدد سكانها حاليا أقل بكثير من الزريبة وبالتالي هم أحقّ القرى الجبلية بعمادة مستقلّة. الطيّب الزمزمي الذي التقيته بصدد جني الزيتون على مقربة من الطريق حدّثني عن ظروف أهل القرية القاسية في ظلّ الجفاف وانحباس المطر ليخبرني أن 60 شخصا فقط يعملون في الحضيرة بينما هناك قرابة 10 شبّان منهم من هو متزوّج وبدون مورد رزق لذا يدعو السّلط المحلية إلى إضافتهم للحضيرة حتى لا يضطرّوا للنزوح. ثمّ التقيت بحارس المدرسة سامي الزمزمي وتبادلنا الحديث عن صعوبة الطريق فعلمت منه أن هناك دراسة تم إنجازها لتغيير مسار الطريق انطلاقا من الوادي وصولا للقرية ممّا سيسمح لكلّ وسائل النقل بمختلف أنواعها دخول الزريبة بما في ذلك الحافلة الكبيرة وفي نفس السّياق أفادت المعلمة فتحية عيّادي أنها تسكن في مطماطةالجديدة أي على بعد 30 كم ، تغادر منزلها على الساعة السادسة صباحا لتعود إلى بيتها السابعة مساء بسبب غياب وسائل النقل ما عدا حافلة التلاميذ والتي تتوقف في نهاية شهر ماي كما أن توقيتها يتغير عند بداية الأسبوع المغلق مما يسبب لها إرهاقا متواصلا ، لذا تدعو إلى التعجيل بانجاز هذه الطريق في أسرع وقت ممكن مع ضرورة منح بعض الشبان رخصة نقل ريفي بين الزريبة ومطماطة. أما مدير المدرسة السيد زهيّر فقد أرشدني إلى منزل غير بعيد يقع وسط حيّ سكني على ملك المواطن صالح الستوتي لا يتمتع بالتيار الكهربائي لأن المنزل مقام على أرض اشتراكية ورثها عن والده ،في حين أن الأعمدة على بعد أمتار قليلة ومقامة على أرضه ومثله 8 عائلات أخرى لها أبناء بالمدرسة ولا تعرف الإنارة إلى بيوتها سبيلا. فاتصلت بفرع مطماطة لشركة الكهرباء والغاز ووضحوا لي أنه عليه الاتصال بالمعتمدية وإثبات ملكيته للمنزل حتى يتسنى لهم ربطه بالتيار الكهربائي. كما حدّثني عن حاجة القرية الماسّة إلى ناد للشباب الريفي يقضّي فيه الشباب أوقات فراغه ويمارس فيه هواياته حتى يشعر بانتمائه الحقيقي لتونس بعد الثورة بعيدا عن الاقصاء والتهميش.