أصبح صندوق الدعم عبءا ثقيلا على ميزانية الدولة إذ بلغ حجمه في 2012 نحو 6 مليارات دينار ومع ذلك فإن نسبة الفئات الفقيرة المستفيدة منه لا تتجاوز 12 ٪ رغم أنه أحدث أساسا لدعم قدرتها الشرائية...مما يعني أن الطبقات الميسورة والتهريب والمطاعم والنزل هي الفئات المستفيدة أساسا من الدعم بنحو 70 ٪. ويتم التفكير حاليا في آليات لتوجيه الدعم إلى مستحقيه خاصة بعد الضغط الذي يمارسه صندوق النقد الدولي على الحكومة واعتباره إلغاء صندوق الدعم شرطا أساسيا لضخ القروض لتونس.
«الشروق» تحدثت إلى الدكتور معز الجودي خبير اقتصادي ومالي ورئيس جمعية الحوكمة عن الأسباب الحقيقية وراء إلغاء الدعم وعن السيناريوهات المحتملة لذلك خاصة أن الفترة الحالية تشهد غلاء كبيرا في المعيشة لا يتحمل المواطن معه الغاء الدعم كما أن ميزانية الدولة ووضعها الاقتصادي لا يتحملان تواصل هذا النزيف. والسؤال المهم هو هل أن الطبقة الوسطى التي تمول هذا الصندوق عبر الأداءات المفروضة عليها ستحرم من «خيرات هذا الصندوق الذي تموله» لتستفيد منه فئات لا تساهم في تمويله؟
نبّهنا قبل مرحلة الخطر
ذكر الدكتور الجودي أن المختصين نبهوا منذ بداية 2012 إلى ضروة مراجعة صندوق الدعم ذلك أن تهريب المواد المدعمة أرهق ميزانية الدولة مما أثر في التضخم المالي باعتبار انتشار عصابات منظمة للتهريب مما تسبب في خسائر فادحة...كما تتمتع الفئة الميسورة بأكبر نسبة من تمويل هذا الصندوق إلى جانب التبذير في الاستهلاك الأسري وقد طالبنا بإصلاحات عميقة لكن لم يتم الأخذ بهذه التحذيرات إلى أن بلغت البلاد مرحلة الأزمة وقد اشترط صندوق النقد الدولي القيام ببرنامج الاصلاحات الهيكلية لصرف القروض بمعنى أن صندوق النقد الدولي يعتمد في السابق على «برنامج التقويم الهيكلي» في الثمانينات أي أنه يمنح القروض ثم ينتظر الاصلاحات أما حاليا فيجب القيام بالاصلاحات قبل صرف القروض.
سيناريو اليونان
لكن هذه الشروط مجحفة منها الخوصصة أو تقليص الرواتب في الوظيفة العمومية (على غرار اليونان التي أقرت تخفيضات ب 22 ٪) أو رفع الدعم وتخشى الأنظمة أن تقرّ هذه الاصلاحات رغم ثقلها على المجتمع ومخاطر ثورته عليها دون أن يصرف صندوق النقد الدولي القروض «الموعودة» مع الملاحظة أنه لو تم اقرار الاصلاحات قبل تدخل الصندوق النقد الدولي لما دخلنا إلى هذا النفق المسدود وإلى الشروط المجحفة كما كان من الممكن إنقاذ نحو 550 مؤسسة صغرى ومتوسطة أفلست بعد الثورة بدل التفكير في تعويض المساجين السابقين...كما أنه كان بالإمكان الاستفادة من الخبراء التونسيين في الادارة بدل تجميدهم وتعويضهم بغير الكفاءات وغير القادرين على إصلاح الوضع الاقتصادي في البلاد.
هيمنة السياسة
وأضاف الدكتور أن السياسة هيمنت على الاقتصاد فرجال الأعمال والمستثمرون الراغبون في التوسع والاستثمار يشتكون من غياب المعلومة وغياب المسؤولين الذين يتحاورون معهم و«البلاد واقفة لأجل مصالح حزبية ضيقة».
حلول
ويقترح المختص أن يتم الغاء الدعم والترفيع في «السميق» والترفيع في رواتب الفئات المستحقة وتقليص الانتدابات العشوائية في الوظيفة العمومية مع تمكين الفئات المحتاجة من بطاقة ذكية تخول لها التسوق من فضاءات بأسعار تفاضلية أو تصرف لها منح لدعم القدرة الشرائية.