لا أجمل ولا أروع ولا أصدق من قرآن السنّة بالكتاب: القرآن الكريم !! ولا ترتيب أبدع وأرقى من ترتيب المسببات على الأسباب ! وذلك ما يتجلّى بين الترجمة وحديث الكتاب. فإن الإمام البخاري قد وضع سلك هذا الكتاب المكنون بالاعتصام مفردا، ثم سلك فيه خمسة أحاديث تطابقه درّا منظّما !!! والاعتصام افتعال من العصمة . وهي تنبئ عن التأمين من محذور. قال سبحانه وتعالى: «لا عاصم اليوم من أمر الله إلاّ من رحم» (هود: 43). وذلك ردا على بن نوح الذي قال: «سآوي إلى جبل يعصمني من الماء» (هود:43).
وفي ما أشرنا إليه من مفهوم العصمة من التوقي من المحذور مرشدا إلى تغيير التعبير بالاعتصام على التعبير بالاستمساك، لأن الاعتصام بالشيء يؤمن من شيء يراه ويحذره، ويكون شديد التمسّك بما اعتصم به، حيث يراه حافظا لحياته وسبب منجاته !! فليس الماسك لحبل يمتح به الماء كالمستمسك به يحذر الوقوع والسقوط!! فالاعتصام بمادته يرشد إلى شدة الاستمساك بما اعتصم به من الاعتماد في الإنقاذ من الخطر عليه!! فإذا علم متانته وإبلاءه المقصود، كان استمساكه به أقوى، واعتماده عليه أتم !! و لا مفيد لذلك المراد أبين من إضافة الحبل المعتصم به إلى القويّ المتين !!! فمن تمام نعمة الله على عبيده: أن مدّ لهم سببا أمينا، وحبلا متينا، وأضافه إلى نفسه، ليعرفوه منيعا رفيعا: «.. واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا...الآية». (آل عمران: 103).
ولاحظ معي، عزيزي القارئ، أنّ الآية تشتمل على استعارة تصريحية، صرّح فيها باسم المشبّه به، وهو الحبل، ورشّحت [بالاعتصام] انتزاع المصنف منها، وفسّر المشتبه به وهو الحبل بالكتاب والسنّة