بقلم أحمد بوعشرين الأنصاري إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأصلي وأسلم على الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم، وبعد فإني أتقدم إليكم بهذه الكلمات /النفحات من قلب كتاب مدارج السالكين للعلامة الشيخ ابن القيم رحمة الله عليه راجيا من الله أن تنفعنا جميعا هذه الكلمات وان نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. نستكمل بإذن الله حلقاتنا استئناسا بتذكرة "مدارج السالكين" للإمام الشيخ ابن القيم رحمه الله. ومنزلة الاعتصام، هي منزلة التعلق بالله والتمسك بدين الله وطاعته، ذلك أن الاعتصام بالله كما سبق أن ذكرنا في منزلة التوبة جزاؤه تكفل الله بعبده المعتصم، والابتعاد عنه سبحانه، جزاؤه خذلان الله له بأن يكله إلى نفسه، الاعتصام بالله وبحبل الله والاعتصام نوعان كما ذكر بن القيم رحمة الله عليه، اعتصام بالله واعتصام بحبل الله، وأما الاعتصام بالله يوجب السلامة من الهلاك، وأما الاعتصام بحبل الله يوجب السلامة من الضلال، ذلك أن " السائر إلى الله كالسائر على طريق نحو مقصده، فهو محتاج إلى هداية الطريق والسلامة فيها، فلا يصل إلى مقصده إلا بعد حصول هذين الأمرين له، فالدليل كفيل بعصمته من الضلالة، وأن يهديه إلى الطريق، والعدة والقوة والسلاح التي بها تحصل له السلامة من قطاع الطريق وآفاتها" انتهى كلام بن القيم. وإذن الاعتصام بحبل الله اعتصام بدليل الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، والاعتصام بالله هو تزود بعدة التقوى والإيمان حتى يكون من الناجين من الهلاك في طريقه إلى الله سبحانه وتعالى. يقول الطبري لقوله تعالى :( ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) سورة آل عمران الآية 101،: "...ومن يتعلق بأسباب الله , ويتمسك بدينه وطاعته ,( فقد هدي) يقول : فقد وفق لطريق واضح و محجة مستقيمة غير معوجة , فيستقيم به إلى رضا الله وإلى النجاة من عذاب الله والفوز بجنته..." تفسير الطبري. وفي قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) سورة آل عمران آية 16 ، " قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : وتعلقوا بأسباب الله جميعا . يريد بذلك تعالى ذكره : وتمسكوا بدين الله الذي أمركم به ، وعهده الذي عهده إليكم في كتابه إليكم ، من الألفة والاجتماع على كلمة الحق ، والتسليم لأمر الله... وأما "الحبل " فإنه السبب الذي يوصل به إلى البغية والحاجة ، ولذلك سمي الأمان "حبلا " ، لأنه سبب يوصل به إلى زوال الخوف ، والنجاة من الجزع والذعر ... عن عبد الله بن مسعود أنه قال في قوله : " واعتصموا بحبل الله جميعا " ، قال : الجماعة .... عن قتادة ، قوله : " واعتصموا بحبل الله جميعا " ، حبل الله المتين الذي أمر أن يعتصم به : هذا القرآن... وكذلك روي عن قتادة قال : بعهد الله وأمره " تفسير الطبري. فالاعتصام بحبل الله يمنع من البدعة والضلالة ومفسدات الأعمال، والاعتصام بالله هو طلب العبد ربه أن يحميه فيدفع عنه الله تعالى شر نفسه وكيد الشيطان وكل أسباب العصيان. درجات الاعتصام والاعتصام بنوعيه ثلاث درجات: · اعتصام العامة بالخبر وهو اعتصام انقياد إلى أوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه وتصديق بوعده ووعيده؛ · اعتصام الخاصة وهو حسن الخلق وتزكية النفس بصالح الأخلاق "وفي هذا الوصف : يكف الأذى، ويحمل الأذى" انتهى كلام بن القيم، وقطع العلائق الظاهرة والباطنة، فأما قطع علائق الباطن " فمتى قطعها لم تضره علائق الظاهر، فمتى كان المال في يدك وليس في قلبك لم يضرك ولو كثر، ومتى كان في قلبك ضرك ولو لم يكن في يدك منه شيء" انتهى كلام بن القيم، وأما قطع العلائق ظاهرا فغاية ذلك قطع كل ما يمنعه من العبور إلى الصراط المستقيم من الشهوات والملذات والشبهات، " وإنما يحمد قطع العلائق الظاهرة في موضعين: حيث يخاف منها ضررا في دينه، أو حيث لا يكون فيها مصلحة راجحة" انتهى كلام بن القيم؛ · واعتصام المقربين الذي هو قمة الاعتصام، حيث يكون العبد قريب من الله والله قريب من العبد، وفي الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة: " إن الله قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته : كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مساءته" صحيح البخاري جعلنا الله من المعتصمين بالله وبحبله، الذين يتوسلون المنعة من الضلالة ومن الهلكة آمين. وإلى اللقاء بحول الله في الحلقة القادمة مع منزلة الفرار مصدر الخبر : الشروق المصري a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=20843&t=في رحاب كتاب "مدارج السالكين" (ح18) منزلة الاعتصام&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"