لقد قفزت الى أذهاننا تفاصيل هذه الحادثة التي تعتبر من النقاط السوداء في تاريخ كرتنا بعد ان كادت الحكومة الحالية ان ترتكب الهفوة نفسها عندما أصدرت مؤخرا مذكرة تطالب من خلالها رئيس الافريقي سليم الرياحي ب «الفصل» بين السياسة والرياضة اي عدم الجمع بين انتمائه الحزبي ورئاسته لفريق «باب الجديد» وإلا فإن الأحمر والأبيض قد يتعرض الى التجميد كما حصل تماما مع الترجي في 1971 وهو ما يدل على أن حكوماتنا لم تستوعب الى حد الآن الدرس رغم مرور 42 عاما على حادثة حل الترجي ولم تدرك انها في حاجة الى التعامل بطريقة مختلفة مع بعض الفرق وتحديدا الترجي والافريقي وذلك لعدة اعتبارات موضوعية. لماذا تضع حكوماتنا نفسها في مثل هذه المواقف؟
نكاد نجزم أنه يوجد في كل بيت تونسي قلب ينبض بحب الافريقي او الترجي الرياضي حيث تعدّ جماهيرهما بالملايين بل إن بعض الفرق التونسية والعربية أطلقت على نفسها اسمي الافريقي والترجي تيمنا بهما فهما الأكبر جماهيريا والأكثر شعبية ونظن ان المسؤول السابق في الترجي الرياضي عبد الرحمان الهيلة كان محقا عندما قال: «الترجي لم يكن مجرد فريق لذلك فإن تسييره أصعب من تصريف شؤون احدى الوزارات» ونظن أن الأمر نفسه ينسحب على جاره الافريقي وقد جاءت حادثة 1971 وكذلك ردة فعل جماهير الافريقي خلال الساعات الماضية احتجاجا على منشور الحكومة ليثبت للجميع انه ينبغي التعامل بطريقة خاصة ومدروسة عندما يتعلق الأمر بقطبي الكرة التونسية وأكبر دليل على ذلك ان القرار الصادر عن الحكومة في 1971 والذي يقضي ب «حلّ» فريق «باب سويقة» لم يصمد سوى 42 يوما حيث أعاد الزعيم الحبيب بورقيبة المياه الى مجاريها فور عودته من سويسرا آنذاك وذلك ليس لأن شيخ الأندية التونسية فوق القوانين ولكن لاقتناعه بأنه لا بدّ من تغليب صوت الحكمة والعمل على تطبيق «روح القانون» بعبارة «مونتسكيو» ومن جهة أخرى سارعت الحكومة الحالية بتعليق الاجراءات الخاصة بسليم الرياحي بعد اربعة أيام فحسب من إصدار المذكرة التي تنص على عدم الجمع بين السياسة والرياضة وأنقذت بذلك الحكومة الموقف تماما كما فعل بورقيبة في 1971 ونعتقد ان هذا التحرّك جاء في الوقت المناسب لأنه بكل صراحة لا أحد كان بإمكانه السيطرة على الوضع لأن هذه المذكرة تزامنت مع فترة زاهية في الحديقة «أ» حيث بدأ الفريق يستعيد عافيته وبدأ جمهوره يحلم بحصد الألقاب لذلك فإنه يرفض أن يستيقظ على كابوس جديد كالذي عاشه عندما كان جمال العتروس على رأس الفريق حيث كان الأحمر والأبيض على مشارف الإفلاس.
السياسة متصالحة مع الرياضة في الترجي والافريقي
تاريخيا سبق لعدة رموز سياسية الجمع بين السياسة ورئاسة الترجي الرياضي او الافريقي ويكفي ان نذكر بالمرحوم حسان بلخوجة الذي تولى رئاسة الأصفر والأحمر بالتوازي مع نشاطه السياسي ومن جهته حقق عبد العزيز الأصرم نجاحات كبيرة على رأس الافريقي دون ان يمنعه ذلك من ممارسة نشاطه السياسي ولن نبالغ إذا قلنا إن بلخوجة والأصرم مثلا نموذجا يحتذى على مستوى التوفيق بين السياسة والرياضة لذلك لا يوجد اي مبرر قد يجعلنا نطالب اليوم سليم الرياحي بالفصل بين نشاطه الحزبي ورئاسته للافريقي طالما أنه لم يثبت وجود اي دليل على التداخل بين المهمتين. ويذكر أن الكرة العالمية حفلت بالمسؤولين الذين جمعوا بين السياسة والرياضة أشهرهم «رافايال سانشاز» الذي كان عضوا في أحد الأحزاب الاسبانية وفي الوقت نفسه رئيسا لريال مدريد ولا ننسى أيضا «سيلفيو برلسكوني» الذي جمع بدوره بين رئاسة «جمعية ميلان» ومنصبه في الحكومة الايطالية.