مرت أمس الذكرى السابعة والخمسون لاستقلال تونس من الاستعمار الفرنسي البغيض ، دون استحضار الحدث والترحم على صنّاعه والدعوة الى دعم مكاسبه وتعميق السيادة الوطنية. وفي الحقيقة فان احتفالات تونس ، ومنذ قيام الثورة المجيدة، غدت مخففة أو غائبة تماما ، وهو ما بدا جليا في أعياد الجلاء والشهداء والاستقلال، وهو ما يعطي انطباعا وكأن المسؤولين السياسيين حاقدون على الدولة الوطنية أو يختصرونها في الرئيسين السابقين.
ورغم أن الحكم على المنجز خلال العقود الستة الماضية يبقى قابلا للاختلاف، فان لا أحد يقدر أن يمحي التاريخ بحسناته وسيئاته، وهو ما لم تدركه الحكومة، التي تخطط للمستقبل بعيدا عن التاريخ.
فحتى خطاب رئيس الجمهورية المؤقت خلال الموكب الذي أشرف عليه أمس خلا من الحديث عن الاستقلال ودلالاته ومكاسبه ، لينهمك في تشخيص الوضع الراهن بكلام منمق، لا يختلف عما يقوله المحللون السياسيون الجدد، ومفتقرا لآليات الإصلاح وبرامج رفع التحديات المطروحة ومنها العنف والاغتيال والإرهاب والفقر والحوار الوطني ...
وبدت أفكار الرئيس غير قاطعة رغم أهمية القضايا التي آثارها والتي يطرحها التونسيون اليوم ، وجاءت كمن يخلع بابا مفتوحا أو يتلو مسلمات وبديهيات، ومن ذلك انه ربط حل روابط حماية الثورة بثبوت أنها ميليشيات مخفية، أو قوله «ليس من حق أي طرف التنظم العسكري أو شبه العسكري أو نشر السلاح لفرض القانون».
ورغم انه كان يتحدث كالماسك بالجمر أو القافز فوق البيض عندما تعرض لروابط حماية الثورة وللجماعات الإرهابية ، فان رئيس الجمهورية تحدث بوضوح أكبر عن الحوار الوطني، متبنيا أفكار الحزب الأغلبي الداعية الى حصر الحوار في الأحزاب الممثلة في التأسيسي واقصاء غيرها والقفز ثانية على مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل التي تتمسك بها غالبية مكونات المجتمع المدني لإنقاذ البلاد مما تردت فيه و الخروج بوفاق وطني يدعم الشرعية الانتخابية وينهي الفترة الانتقالية المتمططة عبر انتخابات ديمقراطية شفافة تؤسس لدولة مدنية تقوم على التعدد والاختلاف والتعايش السلمي والحضاري.