في بادرة مفاجئة أعلن الأستاذ أبو القاسم محمد كرّو اعتزاله الكتابة بعد أن بلغ الثمانين من العمر وبعد أن أصدر ثمانين كتابا وهذه أول مرّة يعلن فيها كاتب تونسي اعتزاله الكتابة وهو الثاني عربيا بعد محمد حسنين هيكل.. لن أدخل في مساءلة لهذا القرار ولكن توقّف أبو القاسم كرّو عن الكتابة خسارة حقيية للثقافة التونسية فهو باحث من طراز عال لم يترك عالما منسيا إلاّ وبحث عن أخباره وأعماله وأصدر كتابا عنه وعن طريقه اكتشفنا الطاهر الحداد وأبو القاسم الشابي وغيرهما من أعلام الثقافة التونسية في كل عصورها. لم يكن الأستاذ كرّو مجرّد كاتب بلا موقف بل كان دائما منتصرا للتجديد مؤمنا بالأصوات الجديدة منحازا لتونس وحين نعود الى سلسلة كتاب البعث التي أصدرها في الخمسينات حال عودته من المشرق نكتشف حجم الجهد الذي بذله هذا الرجل في خدمة الثقافة التونسية توقّف الأستاذ أبو القاسم محمد كرّو عن الكتابة بعد أن أغنى المكتبة التونسية بأعمال عن أعلام الفكر والسياسة فإلى جانب تجربته الأدبية عايش عددا من رموز الحركة الوطنية من بينهم المرحوم الدكتور الحبيب ثامر الذي خصّه بكتاب عن حياته ومسيرته السياسية يعدّ من بين مراجع الحركة الوطنية. توقّف عن الكتابة وفي بيانه شيء من الألم والمرارة هذه المرارة التي تسكن للأسف الكثير من قلوب الكتّاب الذين قدّموا للثقافة التونسية وواجههم الآخرون بالجحود والنكران. لن نقول للأستاذ أبو القاسم محمد كرو عد إلى الكتابة لأنه اختار الانقطاع عن قناعة لكننا نقول له مدّ اللّه في أنفاسك. لقد قدّمت للثقافة التونسية الكثير وآن للفارس أن يرتاح.. ألم تكن فارسا في المعارك الأدبية ؟ ويكفيك أنك أهديت مكتبتك العظيمة الى كلية الآداب بمنوبة لتستفيد منها أجيال تونسالشابة.