نظم فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمنستير بمقره لقاء مع الأستاذ عبد الجليل البدوي والقاضي حمدي عباس للحوار تباعا عن مسألة استقلالية المؤسسة القضائية في التأسيس الدستوري ثم البعد الاقتصادي والاجتماعي في منظومة حقوق الإنسان اللقاء حضره ثلة من الرابطيين وافتتحه رئيس مكتب الرابطة بالمنستير سالم الحداد الذي دعا الجميع إلى الوقوف ترحما على روح الشهيد شكري بلعيد ثم مهّد للمداخلات باعتبار أن هذا النشاط يندرج في سياق جملة من الفعاليات الرابطية لنشر الوعي بحقوق الإنسان والتعريف به في سياق حراك سياسي واجتماعي ملحوظ تشهده البلاد.
القاضي حمدي عباس استهل كلمته بتثمين التواصل الحاصل بين النشاط الحقوقي الرابطي ورجال القضاء واعتبر أن حضوره كائن في هذا الترابط الجديد باعتبار أن القضاة كانوا إلى وقت قريب بعيدين عن المساهمة في الشأن الحقوقي الجمعياتي رغم أنه لا إمكانية للحديث عن حقوق الإنسان بلا مؤسسة قضائية فاعلة ومستقلة.
مبدأ أساسي
دسترة استقلالية السلطة القضائية بنص صريح من حيث هي قائمة بذاتها لا هيمنة للسلطة التنفيذية أو التشريعية عليها مبدأ أساسي لا غنى عنه إذا أراد التونسيون تأسيس الدولة الديمقراطية... هذا ما أكده القاضي حمدي عباس أكثر من مرة في مداخلته التي عدد فيها كذلك مجموعة من الآليات الإجرائية القانونية لإدراك هذه الغاية ومنها الالتزام في تشريع هذه الاستقلالية بالمعايير الدولية التي أصبحت اليوم كونية ولا يمكن التعامل معها بمنهج انتقائي تأخذ منها السلطة ما يناسبها وتترك غير ذلك. وفي هذا السياق أكد المتدخل ضرورة فصل جهاز النيابة العمومية عن وزارة العدل إذ ليس من المنطق أصلا الحديث عن عدالة محايدة مستقلة والنيابة العامة بسلطاتها الواسعة تأتمر بأوامر وزير العدل... وفي هذا المجال لا شك أن استقلالية القضاء لا كيان لها دون مجلس قضائي أعلى يضمن خلاص القاضي من التبعية إلى السلطة التنفيذية.
أمّا عبد الجليل البدوي فتعرض في مداخلته إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية باعتبارها بعدا أساسيا في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان ولا ينظر إليها باعتبارها من باب صدقة الأغنياء على الفقراء فهي حق مواطني إنساني وواجب على كل دولة تحترم مواطنيها... البدوي قدم عرضا تاريخيا لتطور منظومة حقوق الإنسان العالمية من الفصل بين الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى مرحلة الربط العضوي بين هذه الحقوق ثم إلى إلحاق الحق البيئي بها.
عرض نقدي
كما قدم عرضا نقديا لمقولات العولمة الاقتصادية الراهنة التي زادت من فقر الفقراء وثراء الأثرياء أفرادا وفئات ودولا مشيرا إلى ضرورة مراجعة منوال التنمية التونسي الذي أدى إلى نتائج كارثية كرست الهشاشة الاقتصادية والشغلية وأدت إلى مصائب الواقع الذي نعيشه مؤكدا ضرورة أن يتأسس منوال تنمية جديد يتعظ بأخطاء الخيارات السابقة ويعطي للبعد الاجتماعي أهميته بعيدا عن إملاءات الرأسمالية العالمية المتوحشة. وقد كان المجلس التأسيسي عرضة لوابل من نقد الحاضرين من الحقوقيين إذ اعتبره البعض بأدائه الحالي كارثة وتساءل البعض الآخر عن مدى تمثيلية الكادحين والفئات الاجتماعية الضعيفة فيه.
اللقاء الذي نظمه فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمنستير بما ورد فيه من مداخلات وحوارات قد يمثل بداية غير رسمية لفعاليات المنتدى الاجتماعي العالمي بتونس كيف لا والحاضرون يؤكدون أن المنستير كانت مرشحة بارزة لاحتضان هذا المنتدى قبل أن تتحول وجهته إلى العاصمة؟ ويشار أيضا إلى أنّ اللقاء شهد غيابا لافتا للفئات الشبابية ولوجوه جديدة تنخرط في العمل الحقوقي الرابطي في الجهة... غياب قد يخشى معه على النشاط الرابطي من التهرّم والانحصار في مربع «الأرتودكسية» السياسية يسارا ويمينا!