ما أنصف الناس رئيس الحكومة المؤقّت السيّد علي العريّض. ولو أنصفوا لترجموا تصريحاته في تلفزيون فرنسا 24 إلى عبارة أوضح وأنفذ. منطوق العريّض أنّ الدولة لا يمكن قانونا أن تمنع الشباب التونسيّ من الخروج للجهاد في سوريّة أو غيرها، ولا يمكنها باسم القانون أيضا أن تلاحق العائدين منهم بخبرات جهاديّة ولا المستعدّين للذهاب منهم. وفي نبرة قدريّة ترقى إلى مآسي الإغريق، قال العريّض إنّ الحكومة التونسيّة تدرك جيّدا خطورة هذا الملفّ وتبعاته بعد انتهاء محنة السوريين، وعودة هؤلاء المجاهدين بعد أن تضع الحرب أوزارها هناك. يعرف جميعَ ذلك تماما كما يعرف الرئيس المؤقّت الدكتور المرزوقي هذه النتائج الوخيمة. نعم. ما أنصف الناس. ولو أنصفوا ما أساؤوا الظنّ بموقف وزارة العدل في شخص أحد مستشاريها (السيد الفاضل السايحي) حين صرّح للوطنيّة الأولى بأنّ قانون مكافحة الإرهاب للعام 2003 الساري المفعول لحدّ الساعة لا يشمل موضوع الجهاد في سوريّة !! أغلب المطالبات ذهبت في اتّجاه واحد، وهو استنهاض «همّة» النيابة العموميّة ووزارة العدل ووزارة الداخليّة من أجل وضع حدّ لهذه المأساة الخطيرة التي تجري تحت سمع الجميع وبصره. نداءات عاجلة من هنا وهناك، صدرت عن العارفين بالقانون وعن المغفّلين تنبّه أصحاب السيادة والمعالي وزراء الداخلية و العدل والدفاع بأنّ «إرهابيّا» تونسيّا معلوم الهويّة والعنوان والانتماء قد عاد لتوّه من سوريا برصيد من المغازي يشمل القتل والسبي والغنيمة، حيث قاتل شقّا من السوريّين لحساب شقّ، واعترف بنفسه وببسمة أقرب إلى البلاهة على الهواء مباشرة بأنّه قام بدوره الجهادي كأتمّ ما يكون، فركب، وغزا، وقاتل، وسبى، وغنم والحمد للّه. ثمّ، تفضّل – مشكورا - فوضع خبرته «الإرهابيّة» على ذمّة من يحتاجها أو يطلبها بدليل أنّ مجرّد فتوى تطلع من كُمّ هذا الشيخ أو ذاك يُؤْذَنُ فيها بقتال العلمانيّين من أهل وطنه ستكون كافية لتتزحزح تونس من دار دعوة إلى دار جهاد !!
أزعم أنّكم تحرجون السيّد عليّ العريّض بنداءاتكم حين تذكّرونه بموقف المملكة العربيّة السعوديّة وهي تقول على لسان المتحدّث الرسميّ باسم وزارة داخليّتها «إنّ كلّ من شارك من السعوديّين في القتال الدائر حاليا في سورية بين قوّات النظام والمعارضة سيعتقل فور عودته..». أجل إنّكم تحرجونه حين تحاجّونه بقانون الإرهاب الساري، فالرجل يدرك أنّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يضمن للمواطنين كلّهم الحقّ في التنقّل والسفر تماما كما يضمن لهم الحقّ في العمل والصحة والتعلّم والمعرفة والحقّ في الاعتقاد والضمير والرأي والتعبير.. والأكيد أنّه يحتفظ معه في الحلّ والترحال بنسخة من هذا الإعلان !
لو حاججتم وزير الشؤون الدينيّة الذي يشرف ضمنيّا على المساجد باعتبارها أحد المراكز الرئيسيّة لتعبئة الشباب التونسيّ وتجنيدهم للقتال في سوريّة وغيرها، لحقّ له أن يصدر زفرة حرّى على تفكير المعطّلة من التغريبيّين وعلى إعلام العار الذي يمتدح القعود عن الجهاد مثلما امتدح المخلوع وزبانية المخلوع. لو أنصفتم ما اتّهمتم العريض والبحيري والخادمي بالتراخي وغضّ البصر. ولو صدقوا لما تعلّلوا مرّة بحقوق التنقّل والسفر ومرّة بالغفلة والزلل عن مراقبة المغادرين إلى الثغور والمرابطين في أرض الدعوة. لو علموا أنّ الحرب كالسلم سواء. تبدأ في العقول أولا، ثمّ تترجم إلى سلوك وأفعال، لاهتدوا إلى أنّ المعوّل، دوما، هو على فهم هذا «العقل» الجهادي وتفكيك آليّات اشتغاله والشروع في مراجعات عليه. لو اطّرحوا التعلّل بالظروف وحقوق الإنسان وجَرُؤوا لرفعوا في وجوهكم سورة التوبة، وأحاديث الجهاد من الصحيحيْن، وفتاوى الجلّة من فقهاء الأمّة.. وبُهِت الذي كفر !