يسألونك عن شهيد المحاريب والمنابر في دمشق الشام، فقل هو الفقيه، ابن الفقيه، أبو الفقيه وجدّ الفقيه الفقيد... يسألونك عن عالم الشام، فقل تصوف في القلب ونسك في الجوارح وصلاح وإصلاح باليد واللسان وورع في الوجدان وبياض في الوجه وصدق في القول وتفقه في العقل ورجاحة في الرأي ورسوخ في الموقف وتمسك بالحق.
يسألونك عن العلامة الفهامة، فقل أنه ما خطب يوما في مساجد وجوامع تحوم على ضفافها قواعد عسكرية أمريكية وما صدح في منبر بقربه سفارات إسرائيلية وما أفتى يوما بجواز احتلال أقطار عربية وإسلامية وما افتى يوما بإهدار دم المسلمين وما احل لحظة قصف طائرات الأطلسي للعواصم العربية الإسلامية، وما أشعل يوما نار الفتنة بين أبناء الشعب الواحد وما أوقد نار الاحتراب في صفوف الأمة الإسلامية.
قد تختلف معه في مواقفه من الأزمة السورية وقد تتباين معه في رؤاه ومقارباته حول تمثله لكينونة الصراع الدائر في بلاد الشام ولكن ما نلبث إلا ونسلم بأن كل آرائه بنيت على أساس الولاء لسوريا وعلى مرتكزات الحب والعشق والتيه بالشام ... ولكل طريقته في العشق والتله والهيام طالما أنه لا يثرب على الآخرين طريقة تعبيرهم عن حب المحبوبة الشامية.
لم يتاجر الفقيد الشهيد بمواقفه سواء لدى النظام أو المعارضة ... عرفه كل من زار الشام سواء كان معارضا أو داعما للنظام بالزاهد المستقل المتعفف عن المناصب الوزارية أو الشرعية في الدولة ...
عرفه كل من وطأت قدماه الشام سواء كان داعما أو معارضا للنظام بأنه غني النفس واليد الرافض لكافة عروض الانشقاق والهروب والمعرض عن أوهام «جنات المعارضة» في اسطنبول والدوحة.
وعرفه كل من استنشق رياحين الشام وصلى في مساجدها وسلم على كنائسها، بالناذر نفسه وماله وأهله للدعوة إلى كتاب الله عز وجل وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام وأنه في قلب الحصار الغربي الصهيوني العربي على حماس باع بيته وقدم ثمنه قربانا للمقاومة الإسلامية.
المفارقة أن ذات الدول الخليجية التي كانت تحتفي بالبوطي في عواصمها وفي قنواتها الدينية زمن التقارب مع دمشق لم تخف تشفيها من دم الفقيد ولم تلجم أصوات دعاتها الذين أدلوا بتصريحات «كبرت كلمة تخرج من افواههم»..
قالوا عن شيخنا في حياته أنه شبيح ... وعنه بأنه معزول عن الناس وعن طلبته، عنه بأنه بوق من أبواق النظام ...
لم يرد عليهم البوطي فكان الرد من المشيعين في الجامع الأموي وكان الرد من مساجد سوريا التي كبرت طيلة يوم كامل، وكان الرد من كنائس دمشق التي بكته أجراسها وكان الرد من العلمانيين والمعارضين الوطنيين الذين تقاطروا للصلاة عليه...
يسألونك عن جار صلاح الدين الأيوبي في القبر، فقل هو الحميد الشهيد، هو الفقيد الشهيد ... هو عمامة المشيخة ومسبحة الذكر وسجادة الصلاة ومصحف التلاوة ... هو الفقيه، ابن الفقيه، أبو الفقيه ...