بدا شارع جمال عبد الناصر بالعاصمة عصر أمس، مزهوّا بالمناضل الناصري، صاحب المشروع العروبي التقدّمي، حمدين الصبّاحي، الذي حلّ على الساعة الخامسة، بمقر حركة الشعب (الناصرية)... اسم المكان، وجولة الزمن البعيد والقريب، جعلت جزءا من أبناء الأمة العربية، من المناضلين القوميين بهذه الربوع، يحتفون بالضيف صاحب الدار: حمدين الصباحي.. بالورود من أشبال وشباب القوميين، وبالشعارات القومية التي تدعو الى وحدة الأمّة من مراكش للبحرين، ووسط صور وشعارات الزعيم جمال عبد الناصر، شقّ الصباحي صفوف أبناء الحركة الذين توافدوا الى المقرّ بالعاصمة لسماع ومحاورة هذا المناضل، الذي كم تمنّى أبناء تونس أن يسدوا له أصواتهم عندما تقدم الى الانتخابات الرئاسية المصرية فكان ترتيبه الثالث، وكانت شعبيته لا تضاهيها شعبية في القاهرة وحدها..
على كتفيه «شاش» فلسطين وعلى شفتيه عبارات لتحرير فلسطين وفي قلبه يسكن الوطن المترامي بهمومه.. وآماله وانكساراته.. لكنه بدا منتصب القامة، مبتسما كما عهدناه.. إذ لازالت مسحة الأمل لا تفارق أمثال حمدين الصباحي..
بكل تقدير وشكر، أتقدّم الى قيادات حزب حركة الشعب، على سعة صدر مناضليها لأن «الشروق» اقتطعت من لقائهم بحمدين الصباحي، نزرا من الوقت هو بكل الأحوال ثمين.. حمدين الصباحي صاحب المراسلات والكتابات الصحفية لصحيفتي «الأنوار» و«الشروق» وصديق العميد وشقيقنا، يتحدث في هذا الحوار وهو بيننا في تونس ليقول عن القمة العربية: «أنا ما شفتهاش!؟» البداية كانت مع السؤال عن مصر الآن.. مصر اللحظة، لأننا مقتنعون بأن من يلتفّ على ثورة مصر يلتفّ على ثورة تونس... وأن انتصار ثورة مصر هي انتصار لثورة تونس والعكس بالعكس..
الوضع الآن في مصر، كيف ينقله لنا المناضل والمعارض حمدين الصبّاحي... فهل هناك إلتفاف على الثورة هناك؟
مصر فيها ثورة لم تكتمل بعد... والمشهد الآن كما نعيشه يواجه فيه الشعب سلطة يهيمن عليها الإخوان، سلطة لا تستطيع تحقيق أهداف الثورة... فلا هي ديمقراطية حيث تغلب عليها شهوة للسلطة وأخونة الدولة، ولا هي منتصرة لمطلب العدالة الاجتماعية الذي هو أهم أهداف الثورة المصرية، لهذا فإن نضال القوى الوطنية والديمقراطية في مصر يستهدف في هذه المرحلة استكمال الثورة إمّا عبر مقاومة مدنية سلمية تسقط هذا النظام أو عبر انتخابات ديمقراطية على أساس أنها ستنتصر للثورة.
في تونس ومصر، تتلازم الثورتان منذ البداية... ولقد بدت تداعيات الانتخابات، وعامل الالتفاف، في كلا البلدين، هل تعتقد أن هذا التشابه من شأنه أن يشجع التنسيق الشعبي بين البلدين؟
سياق الثورة في تونس وفي مصر هو سياق واحد... كان لتونس فضل البشارة وكان لمصر دور التأكيد على أن هذه الثورة ليست احتياجا قطريّا بل عربيا قوميا... وكلا التجربتين الآن، أفضت فيهما فلسفة الاحتكام للصندوق الى تمكّن أقلية جيّدة التنظيم من الحصول على السلطة في مواجهة أغلبية مشتتة سيئة التنظيم... ما نؤكده هنا أن الديمقراطية، وهي الخيار الصحيح الذي نناضل من أجل تأكيده وارسائه، يتضمّن الاحتكام للصندوق ولكن لا يقتصر عليه... بمعنى أن الديمقراطية ليست طريقة للوصول الى السلطة بل هي نمط للوصول الى السلطة... وما جربناه هنا في تونس وفي مصر، هو أن الحاكمين هنا وهناك لم يتمسّكوا بالطريق الديمقراطي بعد أن وصلوا الى السلطة.
هناك عدوان أصيل على الديمقراطية وعلى الشعب صاحب القرار في مصر وهي التجربة التي أوصلت الاخوان الى الرئاسة، نشهد عدوانا منهجيا متّصلا على الحقوق الأساسية للمصريين أدى الى استشهاد 70 مصريا في ظلّ حكم مرسي. وأدى والى عودة ظواهر الاحتجاز غير القانوني لمئات النشطاء السلميين والى التعذيب الذي أودىبحياة الشهيد محمد الجندي وكلّها ممارسات لا يمكن أن يربط بينها وبين الديمقراطية شيء. لا شك أن الذين ذهبوا الى الصندوق لم تكن أهدافهم من التصويت هذا المشهد الذي آل إليه الوضع في مصر الآن.
الفقراء المصريون هم أكثرية وعامل رئيسي في الثورة واليهم ينتسب الاغلبية من الشهداء لم يحصلوا على غاياتهم في الثورة. ومن المؤكد أن أراءهم في الصندوق كانت لتحقيق العدالة الاجتماعية التي لم ينالوها... هذه الانتخابات التي أعطت الشرعية لرئيس منتخب لا يمكن أن تدوم، لأنها أدّت الى سقوط شرعيته الانتخابية بمجرّد سقوط الشهداء.
ألا تعتقد أن الهبّة الشعبية في مصر كما تونس غلبت فيها العاطفة، بحيث نشهد مفارقة في بلدان أمريكا اللاتينية التي عرفت أحزابها ومنظماتها كيف تطرح برامج جماهيرية، جعلت من الصندوق أمينا، في حين نجد عندنا نتائج عكسية؟
لم تكن الثورة في مصر ولا في تونس نتاج هذه الأحزاب السياسية، بل كانت تعبيرا عن إرادة شعبية ومبادرات شبابية، بالتأكد أسهمت فيها أحزاب وتيارات سياسية لكنها لم تكن صاحبة الريادة ولا القيادة فيها. وهذه الثورة، حتى تكتمل تحتاج الى أن تطوّر الأحزاب السياسية وعيها وأن تنتقل الى الثورة بحزمة من المهام الخدمية والاقتصادية والثقافية والسياسية وسط الجماهير، كما تفرض عليها عدم الاكتفاء ببنية وإمكانية حزب منفرد يحكم البلاد وذلك عبر تشكيل جبهات منفتحة على المجتمع المدني وأشكال التنظيم الجديدة التي اقترحتها الجماهير من خلال ثورتها. وهي نفس الملامح التي بدأت هذه الثورة التي أودت بالطغاة الفاسدين بن علي ومبارك.
هناك سؤال حيره، ينتاب الملاحظين، ويتمثل في أنه في تونس كما في مصر، لم تركز الأحزاب التقدمية برامج ومناويل تنمية بديلة، بحيث صحونا بعد الانتخابات، على نفس المنوال الذي يقوده ذراعا الامبريالية وأعني صندوق النقد الدولي والبنك العالمي؟ ما ابتكرته الأحزاب يمكن أن تعاوده.. ثم نحن نتعلم الدرس الآن وعلينا أن نطبق ما تعلمناه..
ما هي الأخطاء التي أمكن الوقوف عليها، هل تحددها لنا عبر تسلسل معيّن؟
في إطار تجربة الثورة المصرية، لعل أهم الأخطاء التي اقترفتها قوى الثورة وهي أنها ظنت بسقوط مبارك أنها وصلت إلى السلطة وقبلت بحكم المجلس العسكري. أولا: كان الخطأ في أن الثورة التي أنجزها الشعب وحده هو تسليمها إلى الجيش.
ثانيا: ان هذه القوى اثناء الحكم العسكري سمحت وعن حسن نية وبغباء تكتيكي بأن أفضى إلى تفاهمات بين الجيش والاخوان. ثالثا: هذه القوى مارست في ما بينها التنافس بديلا عن الوحدة، في لحظة لم تأت فيها فترة التنافس بعد..
أوضح اثار هذا الخطأ في الرئاسية وأغلبية الأصوات أعطاهم فرصة متفرقة وأعطى فرصة لممثل الاخوان إلى أن يصل إلى السلطة. أريد أيضا أن أشير وأنا في تونس إلى نقطة ضعف أن هذه الثورات رغم انتسابها إلى أمة واحدة لكنها تمارس بلا تنسيقية بين هذه الأقطار بينما الطرف الاخواني مارس التنسيقية بين الأقطار في ما بينهم.. وهذه نقطة ضعف كما قلت على قوى الثورة أن تعي بخطورتها.
ما بدا لافتا في هذه الثورات، هو أن فلسطين القضية تباعدت عن ساحات النضال، وهذا أمر يتحمّله القوميون العرب بكل ألوانهم؟
ما يهم في الثورة هو الموقف الشعبي في ميدان التحرير، في مصر، لم يرفع علم غير العلم المصري إلا فلسطين، ولم ترفع صورة في الميدان إلا صورة جمال عبد الناصر وهذا تعبير عن اختيار قومي في اختيار الأمة وقبلها فلسطين، هذا هو الأهم في الادراك الجمعي في الثورة المصرية. أما مواقف الأحزاب فقد كانت متخلفة عن الموقف الشعبي ومواقف السلطة.
سؤال أخير: ما تقول عن القمة العربية الملتئمة بالدوحة؟