تراجع ملحوظ في الحركية السياحية بالجريد.. وتأثر كبير لموارد الرزق وتوفر امكانيات طبيعية هائلة للنهوض بالجهة لو توفرت الارادة لذلك.. تلك أهم الملاحظات التي استخلصها مؤخرا المشاركون في الدورة الأولى لمنتدى جمعية أصدقاء الجريد. طيلة السنوات الماضية، مثلت جهة الجريد، وتحديدا توزرونفطة والمناطق المحيطة بها، الوجهة الاولى للسياحة الصحراوية في تونس نظرا لما تتميز به من خصائص طبيعية فريدة من نوعها في العالم تدعمت بعديد الاستثمارات السياحية من نزل ومسالك طبيعية ومحطات ترفيهية ومطار دولي..
غير أن جانبا كبيرا من هذه المكتسبات فقد بريقه بصورة كبيرة ابان الثورة بسبب عدة عوامل، فأُغلقت عديد النزل والمؤسسات السياحية (حوالي 15 وحدة سياحية فندقية) وتراجع عدد الوافدين الأجانب وتقلصت الحركية التجارية المرتبطة بالسياحة التي تعد المتنفس الوحيد لأبناء الجهة وأحيل عدد كبير منهم على البطالة القسرية .
الامل
رغم كل ما حصل لم يفقد ابناء الجريد الامل في اعادة البريق الى جهتهم، فواصلوا العمل بنفس العزيمة والطيبة التي تميزهم .. غير أن تراجع الحركية السياحية أثر عليهم بشكل ملحوظ مما جعلهم يسأمون العمل في هذا المجال .
ثم جاءت المبادرة منذ حوالي سنة من شق آخر من الجريدية بتكوين جمعية «أصدقاء الجريد» هدفها الاول لمّ شمل الجريدية المنتشرين بأغلب مناطق الجمهورية وكذلك بالخارج، قصد الاستفادة من اقتراحاتهم ومن قدرات بعضهم على بعث وتمويل المشاريع السياحية والفلاحية والترفيهية (وهي الركائز الثلاثة للاقتصاد في الجريد).
ونجحت الجمعية التي يرأسها السيد الهاشمي بلوزة في استقطاب عديد الوجوه من عالم المال والاعمال والسياسة والثقافة والادب والفن. كما نجحت في اعادة بعض رجال الاعمال وكبار المستثمرين الذين أغلقوا مشاريعهم ابان الثورة وغادروا الجريد بسبب المشاكل التي تعرضوا لها، على غرار المستثمر السياحي المعروف عبد الرزاق شريط الذي يُعد «أب السياحة» بالجهة والذي اوكلت له مهمة الرئاسة الشرفية للجمعية، اضافة الى وجوه اخرى كان لها الفضل في أن تُكوّن قاطرة السياحة في الجهة وفي التغلب على الصعاب وتحويل جزء من صحراء البلاد لا سيما توزرونفطة ودقاش والشبيكة وتمغزة الى قطب سياحي عالمي .
الجريد أرض المستقبل
بعد بعض الملتقيات والندوات في العاصمة وفي توزر، نظمت الجمعية منتدى دوليا احتضنته مدينة توزر نهاية الاسبوع الفارط، وحمل شعارا «الجريد أرض المستقبل». وقد حضر المنتدى وفد أجنبي يضم 35 شخصية بين مستثمرين ورجال أعمال وصحفيين، الى جانب وفد وطني يضم شخصيات تونسية معروفة في عالم المال والأعمال وخبراء في المجال السياحي والفلاحي والترفيهي وأصحاب أفكار استثمارية وعدد من المسؤولين وممثلي الشركات السياحية والبنكية من تونس والخارج . كما حضرت وجوه من عالم الثقافة والفكر والفن وكذلك عديد الاعلاميين . فكانت فرصة مناسبة جدا ليطلع الجميع على مزايا الجريد وعلى فرص الاستثمار المتوفرة به وليعبر كل طرف عن تصوراته للسبل الكفيلة باعادة البريق للجريد في مرحلة اولى ثم في مرحلة ثانية قصد التوسع أكثر نحو مزيد من المشاريع الاستثمارية القادرة على تحويل الجهة الى قطب عالمي ومنطقة جذب سياحي لا تقل قيمة عن وجهات سياحية عالمية معروفة في ظل توفر كل المقومات لذلك .
اجمع المشاركون في المنتدى أن أرض الجريد غنية جدا بالثروات الطبيعية والفرص الاستثمارية التي يجب استغلالها على أحسن وجه، شريطة توفر الرغبة لذلك لدى المستثمرين وخاصة لدى الدولة. فتوزر مازالت رغم ما حصل تُعد وجهة متميزة للسياحة في تونس يمكن استغلالها كأحسن ما يكون خاصة في ظل تراجع الاصناف التقليدية من السياحة (سياحة الشواطئ) .
وتطرق المشاركون بالخصوص الى مميزات الجهة وما توفره من منتوج فلاحي (خاصة التمور) ومن منتوج سياحي (المسالك والمحطات الترفيهية داخل الواحة).
مشاريع وأفكار
عديدة هي أفكار المشاريع الاستثمارية التي تم تداولها خلال المنتدى، والتي اعرب بعض المستثمرين عن استعدادهم لتحويلها الى مشاريع على أرض الواقع لو توفرت التشجيعات اللازمة والارادة السياسية والتسهيلات الادارية الضرورية .
والى جانب التوسع في الاستثمارات السياحية لدعم ما هو موجود حاليا (نزل ومسالك سياحية ومحطات ترفيهية) وفي الاستثمارات الفلاحية الحالية (انتاج وتحويل التمور وغيرها من المنتوجات الفلاحية الخاصة بالواحات)، وُضعت على طاولة النقاش خلال المنتدى عديد أفكار المشاريع الاخرى المتميزة والفريدة من نوعها .
من ذلك مثلا أن أحد المستثمرين عبر عن استعداده لبعث مشروع «جامعة طبية» خاصة بغير المقيمين ( offshore) بها عديد الكليات ذات العلاقة بالمهنة الطبية وتكون خاصة بغير التونسيين وتدرس بأحدث الأنماط والطرق البيدواغوجية والعلمية وتقدم شهائد جامعية دولية متطابقة مع شهائد الدول المعنية . وهذا المشروع قادر في رأي الخبراء على أن يكون في الآن نفسه قوة جذب سياحي لان آلاف الطلبة الاجانب (من افريقيا وأوروبا والدول الشقيقة) الذين سيدرسون بهذه الجامعة سيكونون سببا في جلب أفراد عائلاتهم وأصدقائهم ومعارفهم الى الجريد وهو ما سيوفر دخلا هاما للجهة والبلاد من العملة الصعبة، وتنشيط حركة مطار توزرنفطة والفنادق والنقل المحلي وقطاع الخدمات هناك .
وتبلغ قيمة هذا المشروع 40 مليون دينار ويوفر أكثر من 900 موطن شغل مباشر علاوة على تقديم 300 ألف ليلة اضافية في الفنادق السياحة بالمنطقة والزيادة ب 55% من قيمة موسم الذروة السياحية .
كما طُرح أيضا مشاريع معامل لتعليب التمور، ولاستغلال سعف النخيل في توفير الخشب بأنواع جيدة، واستغلال المساحات القادرة على انتاج مزيد من المواد العلفية والخضر البيولوجية التي توفر لها البيئة الدافئة والمياه العذبة كل سبل النجاح.
ومن المشاريع المقترحة أيضا مركز معالجة بالمياه المعدنية و»كازينو» ونزل وهو مشروع ريادي ضخم يضم عدة مطاعم ومسرح روماني علاوة على عدة اقامات ومنتجعات سياحية (على غرار مشروع الرياض في مراكش) بقيمة 60 مليون دينار يوفر 750 موطن شغل . كل ذلك الى جانب مشاريع استغلال الشمس المتوفرة طيلة 365 يوما لتوفير الطاقة الشمسية في الجهة وفي جهات اخرى قريبة . وقد عبر بعض ممثلي البنوك على غرار أحمد الكرم رم ع بنك الأمان عن استعداد مؤسسته لتمويل جانب من المشاريع المبرمجة.
تعطيلات ادارية أجمع عديد المتدخلين في المنتدى أن عديد العراقيل ما زالت تمثل عائقا امام تطوير الاستثمارات السياحية والفلاحية والخدماتية بالجهة . حيث تستوفي كل المشاريع المقدمة الشروط المطلوبة (الدراسات والتمويل وغيرها) لكنها تصطدم في النهاية بالتعطيلات الادارية . ومن بين الصعوبات الاخرى المطروحة تلك المتعلقة بالنقل الجوي حيث ان الحركية في مطار توزرنفطة مازالت دون المأمول لعدة اعتبارات . فضلا عن عائق غياب طريق سريعة تربط توزر بالساحل الشرقي للبلاد . ويقول عبد الرزاق شريط أنه آن الأوان لتتخلص الدولة من الاجراءات الادارية البيروقراطية وأن يتخلص المسؤولون من الخوف من اتخاذ القرارات وأن يكون لديهم الحماس والاحساس بالمسؤولية والكفاءة والجرأة لحسم الملفات الهامة .