عشرات المساجد خرجت عن سيطرة وزارة الشؤون الدينية وبعض الأئمة طردوا وتم تعويضهم بآخرين تميزت خطبهم بالتحريض على العنف وبث الفتنة، ورغم تعدد الدعوات الى تحييد المساجد فإن المسألة بقيت قائمة. ملفّ تحييد المساجد مازال مفتوحا ومازالت الآراء متباينةحوله، فهناك من ينادي بضرورة تحييد هذه الفضاءات الدينية وذلك قصد تعديل الخطاب الوارد فيها وتجنّب التحريض والدعوة الى العنف والتكفير والقتل والجهاد... وأصوات أخرى ترى أن تحييد المساجد عن المجال السياسي غير ممكن باعتبار أن الخطاب الديني الاسلامي يعنى بالشأن العام للمواطن وهو خطاب واقعي يلتصق بمشاغل المسلم ومعاشه اليومي مع الدعوة الى تجنّب الخطاب الحزبي. لكن ألا يختلط السياسي بالحزبي في مساجدنا وجوامعنا وهل هناك رقابة علىهذا الخلط؟
غياب الرؤية
يعتبر المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن ملف تحييد المساجد سيبقى مفتوحا وسيتواصل الجدل حوله لفترة قد تطول ويعود ذلك الى أسباب عديدة منها اختلاف مفهوم تحييد المساجد فهناك من يرى أن الأمر يقتضي تغييرا في الخطاب وبالتالي منع الخطباء في المساجد من التطرّق الى القضايا ذات الصلة بالشأن السياسي... في حين يرى آخرون أن الاسلام لا يميّز بين الديني والسياسي ومن حق إمام المسجد أن يتطرّق الى الجوانب السياسية ذات الصلة بالشأن العام.
وينضاف الى هذا الاختلاف والتباين في الرأيين عامل آخر يتمثل في أن ساحة الاسلام الحركي تعدّ ساحة متنوّعة وتضم أطرافا عديدة داخلها وتعتبر أن المسجد هو عنصر أساسي من عناصر التوجيه لذلك ترى هذه الجماعات تتنافس في ما بينها حول السيطرة على الفضاء المسجدي ومن هنا تظهر محاولات الاستقطاب ووضع أئمة وعزل آخرين موالين لهذه الجماعة أو تلك.
كل هذا والبلاد تعيش مرحلة انتقالية تتميز بضعف الدولة ومحدودية فعالية الحكومة فوزارة الشؤون الدينية غير قادرة على التحكم في المساجد بشكل مطلق. ويتعقد المشكل عندما نلاحظ غياب استراتيجيا وطنية تتعلق بتنظيم الفضاء الديني ككل وغياب رؤية متكاملة حول أهمية ربط الخطاب الديني بالانتقال الديمقراطي.
ويضيف القول «في رأيي مسألة الفضاء الديني بما يعني ذلك المساجد والزوايا وتدريس الاسلام داخل المدارس وجامعة الزيتونة والنظام الزيتوني كلها مترابطة وتحتاج الى وقفة ونقاش لأن هذا الفضاء كان يؤدي دورا سياسيا متجانسا زمن الاستبداد لاضفاء الشرعية على النظام السابق وبعد الثورة انفجر وأصبح مجالا للتنازع والاختلاف ولا توجد حلقة تربط بين هذا الفضاء ومتطلبات النظام الديمقراطي.
لا للتحييد الكنسي
من جهة أخرى يرى مستشار وزير الشؤون الدينية الصادق العرفاوي أن موقف الوزارة من التحييد واضح لا يتفق مع هذا المفهوم وفق المقارنة التي يطرحها الفكر الاوروبي الكنيسي بمعنى الفصل بين الدين والحياة العامة فالمساجد تتناول كل القضايا التي يعيشها المسلم من ذلك السياسة لكن المطلوب هو تجنب التجاذبات الحزبية والتوظيف الحزبي فالمساجد للّه.
أي أن الحديث في السياسة مباح والحديث عن الأحزاب غير مباح.
لكن كيف تصرفت الوزارة مع المساجد التي انفلتت عن سيطرتها والتي لا يمكن مراقبة خطابها او حتى نوايا أصحابها؟ عن هذا السؤال أجاب المستشار بأنه تم رفع قضايا عبر المكلف العام بنزاعات الدولة في خصوص ما لا يقل عن 70 الى 75 مسجدا خارجا عن سلطة وزارة الاشراف... وهناك استجابة لعدد كبير ممن افتكوا هذه المساجد..
وفي خصوص رصد التجاوزات من الخطباء في المساجد سواء على مستوى الخطاب او السلوك هناك قوانين وعقوبات تصل الى حدّ الطرد وتبدأ بالتنبيه والمساءلة.
المساجد لله
من جهته ذكر كاتب عام المجلس الاسلامي الأعلى سابقا ابراهيم الهادفي أن المساجد لله لذلك يجب أن لا يتم استغلالها في الأغراض الحزبية ولا بأس من التطرق للحديث في الشأن السياسي عموما وذكّر بأن دور المساجد فقهي وديني وعلمي أساسا وأوصى بضرورة الابتعاد عن العنف والدعوة الى القتل والتكفير..
واستغرب المتحدث من غضّ طرف وزارة الاشراف وعجزها الكامل أمام ما يحدث في بعض المساجد التي أصبحت بعض الأطراف تقيم فيها طيلة الوقت كما استغرب من تسوية وضعية بعض الذين استولوا على المساجد اثر تقديمهم لمطالب في الغرض؟! وتساءل كيف يمكن التعامل معهم في ما بعد.
ويتفق عادل العلمي رئيس الجمعية الوسطية أو ما يعرف بالنهي عن المنكر والأمر بالمعروف مع الرأي المطالب بضرورة ان يتطرق الخطاب في المسجد الى كل مجالات الحياة بما في ذلك السياسة وفقا لما كان سائدا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلّم لكن بعيدا عن الأغراض الحزبية والدعوة اليها..
واعتبر نور الكيلاني رئيس جمعة القصبة 2 ان تحييد المساجد ضروري وأضاف ان المجتمع المدني كان ينتظر اجراء ثوريا في التحوير الوزاري الأخير بتحييد وزارة الشؤون الدينية لكن هذا لم يحدث وتواصل الخطاب العنيف في بعض المساجد دون رادع او متابعة من النيابة العمومية... وطالب بحياد المساجد والإدارة التونسية.