مازال حلم الرئاسة يراود الكثير من القيادات السياسيّة في تونس بالرغم من إفراغ حركة النهضة المتحصّلة على اغلبيّة المقاعد في انتخابات التأسيسي منصب رئاسة الدولة من صلاحياته ومحاولة فرضها لنظام برلماني بصبغة تونسيّة مبتكرة. فقصر قرطاج ظلّ نصب أعين الكثير من السياسيين خاصة بعد إعلان الإئتلاف الثلاثي الحاكم فجر 14 أكتوبر 2012 عن اتفاقها انتخاب رئيس الدولة المقبل عن طريق الاقتراع الشعبي المباشر وذلك بالرغم من ضيق الصلاحيّات الذي تحاول حركة النهضة جعله أمرا واقعا في الدستور الثاني للجمهورية التونسية والذي سينص على اعتماد نظام رئاسي معدّل هو في الأصل غطاء لنظام برلماني نجحت النهضة في تمريره.
يقول متابعون للشأن السياسي إنّ السيناريو المصري لن يتكرّر في معركة الرئاسة التونسيّة فالساحة التونسيّة تتّسع لأكثر من مترَشّحَيْن وبالتالي لن يكون هناك «أحمد شفيق» واحد في تونس. سباق قرطاج سيضم أكثر من إسم. والمتأمّل في التحالفات في الساحة سيتبيّن كم من مترشّح محتمل لتولّي منصب رئيس دولة دون صلاحيات بدءا بتحالف الترويكا الحاكم منذ 22 ديسمبر 2011.
مرشحو السلطة الثلاثة
قبل 6 فيفري الماضي لم يكن لحركة النهضة من مترشّح رسمي يمكن أن تراهن بإسمه في سباق الرئاسة إلاّ أنّ موقف أمينها العام ورئيس الحكومة آنذاك حمّادي الجبالي انقذ الموقف وجعل من إسمه واحدا من الأسماء المترشّحة بقوّة لمعركة الرئاسة.
حمّادي الجبالي الذي ظهر على شاشة القناة الوطنيّة الأولى مساء اغتيال الشهيد شكري بلعيد أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد بوجه شاحب حزين أعلن نيّته إنقاذ البلاد بتشكيل حكومة كفاءات وطنيّة غير متحزّبة وبعيدة عن التجاذبات السياسيّة وهو الذي فشل لأشهر طويلة في إجراء تحوير وزاري.
موقف جعل أغلب أحزاب المعارضة تلتف حول الامين العام للنهضة وجعل الحزب الام يرفض الفكرة والمقترح ويفشله ويجبر الامين العام على الاستقالة ليغادر حمادي الجبالي مكتبه في قصر الحكومة بالقصبة وفي قبضته صفة رجل الدولة المتحوّز على ثقة التونسيين في ظرف حسّاس.
ولأنّ حركة النهضة أصبح لديها إسم من الوزن الثقيل الذي يمكن أن تراهن عليه بجدّية في سباق الرئاسة إرتبك حليفي الحركة المترشحين المفترضين لسباق الرئاسة وجعلهما يجاملان الحركة بشكل علني صريح يخفي تودّد لكسب مستقبل سياسي جعله «القدر» مرتبطا ارتباطا وثيقا بالنهضة.
المنصف المرزوقي الرئيس الحالي والامين العام السابق لحزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة لم يتردّد في الإعلان نهاية الأسبوع الماضي بمناسبة انعقاد المجلس الوطني الثالث لحزب المؤتمر أنّ «الحزب ليس عدوّا للنهضة...وأنه حليف استراتيجي البارحة واليوم وغدا». علما وأنّ المرزوقي كان قد هاجم حركة النهضة في أوت 2012 واتهمها بمحاولة السيطرة على مفاصل الدولة.
ويقول متابعون لحالة الانفلات التي عاشها حزب المؤتمر من انشقاقات وخلافات أنّ المرزوقي هُدِّدَ أكثر من مرّة وهو في قصر الرئاسة بإمكانيّة التخلّي عنه في سباق الرئاسيّة المقبلة من ذلك استبداله باسماء أخرى للترشّح للرئاسة مثل اسم محمد عبّو وغيره. كما يقول متابعون لمواقف الرئيس إنّ الدكتور المرزوقي قد يكون على قناعة بأنّ دعم حركة النهضة لإسمه سيكون الضامن الحقيقي لنجاحه في سباق الرئاسة.
إسم آخر يبدو على قناعة بأنّ دعم حركة النهضة لترشّحه سيكون الضامن لنجاحه وهو الدكتور مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي. بن جعفر أعلن رسميّا الاسبوع الماضي أنّ « حركة النهضة ستحقق نجاحا وفوزا شبيها بالفوز الذي حققته في الانتخابات الماضية».
الطبيبان، بن جعفر والمرزوقي، يبدوان متنافسين حقيقيين لكسب ودّ حزب أكسبته أزمة اغتيال الشهيد شكري بلعيد فرصة الترويج لإسم أمينه العام ك «محمد مرسي» جديد لتونس.
مرشحو المعارضة الأربعة
قبل الإعلان عن ولادة تحالف الإتحاد من أجل تونس الذي يضم 5 أحزاب سياسيّة (الجمهوري والمسار ونداء تونس والعمل الوطني الديمقراطي والاشتراكي) تداول الشارع السياسي خبر معركة في الكواليس بين المتحالفين الجدد حول إسم مرشّح التحالف للرئاسيّة وإن لم يتم الإعلان عن ذلك علنا.
وطُرِحَ آنذاك إسم أحمد نجيب الشابي رئيس الهيأة السياسيّة للجمهوري والأب الروحي للحزب كمرشّح للرئاسيّة. إلاّ أنّ الإتحاد من اجل تونس يضم إسما آخر من الوزن الثقيل، الطيب البكّوش امين عام نداء تونس، والذي يستقبله أنصار حزبه على أنه مرشّحهم القوي لسباق الرئاسة. وبالتالي للإتحاد من أجل تونس ربّما أكثر من خيارين لخوض غمار معركة قصر الرئاسة بقرطاج.
جبهة أخرى، الجبهة الدستوريّة التي لم يتم بعدُ الإعلان عن ولادتها بسبب توعّك صحّي المّ بمحمد جغام أحد قيادييها، ستقدّم مترشّحا آخر من الوزن الثقيل لسباق الرئاسة وهو كمال مرجان أمين عام حزب المبادرة آخر وزراء خارجيّة بن علي.
مرجان رجل بن علي سابقا رشّحته برقيات سرّية صادرة عن السفير الامريكي السابق بتونس، ما يُعرف بوثائق ويكيليكس، لرئاسة تونس ما يعني أنّ رئيس الديبلوماسيّة التونسيّة الاسبق يحظى بدعم أمريكي غربي كما يحظى الرجل حاليّا بمجاملة علنيّة من قبل حزب حركة النهضة بالإضافة الى إفلاته من المحاسبة.
ويظلّ إسم حمّة الهمّامي أشهر قيادات اليسار التونسي الوجه الأبرز الذي سيراهن عليه تحالف الجبهة الشعبيّة لتقديمه كمترشّح لمنصب رئيس الدولة. ويحظى حمّة الهمّامي باحترام أغلب القوى السياسيّة في تونس على اعتباره من شيوخ المعارضة المتمسّكين بالمبدإ والفكرة «بالرغم من تغيّر الأوضاع والزمن» بحسب ما قاله عنه كمال مرجان في تصريح ل«الشروق».
الملاحظ أنّ تحالفات الحكم والمعارضة اتضحت لديها الرؤيا حول أسماء مرشّحيهم للرئاسيّة إلاّ انّ هذه الأسماء تظلّ ذكوريّة بالاساس في بلد ماتزال فيه معركة المساواة بين الجنسين قائمة