شهدت العاصمة يوم امس تظاهرات ومسيرات احتفالا بالذكرى 75 لعيد الشهداء، فسيفساء من الألوان والشعارات وانقسام واضح بين مختلف التيارات والأطراف السياسية، ولئن غابت مظاهر العنف المادي نتيجة الصرامة الأمنية والخطة المحكمة التي وضعت للفصل بين المتظاهرين فقد شهدت المسيرات طغيانا لعنف لفظي فيه أهواء السباب والقدح والتجريح والرغبة في الإقصاء وهو ما كان بحسب العديد من المتابعين غير متلائم مع روح الذكرى التاريخية التي شرّعت لشرارة مكافحة المستعمر الفرنسي والمطالبة بالاستقلال والبرلمان التونسي. تغطية: عبد الرؤوف بالي - سرحان الشيخاوي - شافية ابراهمي - محمد بن عبد الله صور: طارق سلتان
عبد اللطيف المكي في الاحتفال بذكرى الشهداء: لا بد من معرفة الحقيقة كاملة وإعادة الاعتبار للشهداء
احتفالات حركة النهضة بذكرى الشهداء كانت عادية وهادئة سواء من حيث الحضور الشعبي او حضور قيادات بارزة من الحركة. أمام بعض المئات من انصارها الذين تمركزوا كالعادة امام المسرح البلدي احتفلت حركة النهضة بذكرى عيد الشهداء وسط طوق أمني مشدد فصل بينها وبين بقية المحتفلين من انصار الاتحاد من اجل تونس وانصار الجبهة الشعبية.
غياب بارز للقياديين
الاحتفالات غابت عنها ابرز قيادت الحركة باستثناء حضور السيد عبد اللطيف المكي وزير الصحة الذي قلل في حديث قصير للاعلاميين من هذا الغياب واعتبر المناسبة فرصة للاحتفال الشعبي بعيدا عن الخطابات والتحاليل السياسية والحزبية . المكي اعتبر كذلك ان التركيز على الخلافات الحزبية من خلال تعدد المسيرات والتظاهرات لا يخدم روح الذكرى قائلا: « للقضايا الخلافية مكانها وزمانها واليوم يجب ان نحيي ذكرى شهداء الوطن».
الثورة أكملت الاستقلال
المكي تدخل قبل ذلك وخطب في الجماهير الحاضرة حول البعد الرمزي والتاريخي لهذه الذكرى وامتدادها في الحاضر والمستقبل معتبرا ان ذكرى الشهداء تبين عمق وعي التونسيين من المجاهدين والمناضلين الذين طالبوا ببرلمان تونسي والذين قاموا بثورة 14 جانفي مطالبين بالحرية بعد ان جاء الاستقلال سنة 1956 بدون حرية . المكي طالب كذلك باعادة الاعتبار للشهداء ومعرفة الحقيقة كاملة سواء حول اليوسفيين وشهداء الخبز والاتحاد العام التونسي للشغل والطلبة كما بين ان النهضة مصرة على تكريس روح ومعاني التضحية واكرام الشهداء والتشبث بكل ما يوحد الشعب ويحيي المشترك بينه مثمنا في نفس الوقت الروح الوطنية العالية التي تمت فيها الاحتفالات لتنفي كل ما يسوؤها وحسب قوله تحصين الثورة بالقانون والنضال.
السيد محمد العكروت عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة اعتبر هو الآخر ان هذه الذكرى تجمع ولا تفرق وتجمع شهداء التحرير والدستور والثورة وقال «هذا اليوم يوحد كل شهداء الوطن وهو يوم الشهداء والمناضلين نافيا ان يكون الوطن» دخل في حيط « وهو افتراء ينم عن شعور غير وطني حسب قوله قائلا «ان كان الحائط موجودا فهو حائط الشهداء والمناضلين والمدافعين عن الوطن» كما دعا الى تحصين الثورة بالقانون اولا وبالنضال والعمل من اجل المصلحة الوطنية قراءة جديدة للتاريخ.
السيد بلقاسم حسن امين عام حزب الثقافة والعمل الذي كان من ضيوف التظاهرة قدم قراءة تاريخية للحركة الوطنية التي ابتدت حسب رأيه بعلي بن خليفة الذي تصدي للتدخل الفرنسي الاول ثم البشير بن سديرة وعلي بن غذاهم وصولا الى لزهر الشرايطي ومصباح الجربوع وشهداء الثورة المسلحة ومن بعدهم شهداء نظام الحزب الواحد والنظام الدستوري بعهديه من 1955 الى 2011 ووصولا الى المتربصين بالهوية العربية الاسلامية والحرية والكرامة والعدالة والتنمية . كما دافع هو الآخر عن ضرورة تحصين الثورة على غرار كل ثورات العالم .
الشهداء والثورة والاعلام
تنوعت الشعارات المرفوعة من طرف انصار النهضة ومست الدستوريين واليساريين والاعلاميين على غرار «لارجوع لا حرية للعصابة الدستورية» ويا شهيد ارتاح ارتاح سنواصل الكفاح وما «تحصين الثورة وطرد النداء واجب» اضافة الى اتهام الاعلام والاعلاميين بالكذب والتواطؤ مع اليسار الاستئصالي وذلك رغم التغطية المكثفة لوسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية. في مسيرة أعلن فيها التحاق حركة الشعب بالجبهة: مطالبة بالكشف عن قتلة بلعيد وحل «رابطات حماية الثورة» أعلن رئيس حركة الشعب امس التحاقها بالجبهة الشعبية في مسيرة ضمت انصار الطرفين وطالبت بالكشف عن قتلة الشهيد شكري بلعيد وبحل «رابطات حماية الثورة». توافد انصار الجبهة الشعبية وقياداتها ومنظمات وجمعيات المجتمع المدني امس على بطحاء محمد علي ليخرجوا بعدها في مسيرة حاشدة جابت كامل شارع الحبيب بورقيبة احياء للذكرى 75 لاحداث 9 افريل 1938 وكان الشعار الابرز «الشعب يريد اشكون قتل بلعيد». سياسيون وحقوقيون ونقابيون التحقوا بساحة محمد علي منذ الساعة التاسعة صباحا حاملين الاعلام والبيانات واللافتات والشعارات التي رددتها الحناجر بأعلى الاصوات الى حين انطلاق المسيرة في حدود الساعة الحادية عشر في اتجاه شارع الحبيب بورقيبة الذي طوقه الامن من كل الجوانب خوفا من حصول مناوشات بين المسيرات التي ضمها الشارع.
الشعب يريد وحمل المتظاهرون العلم التونسي والعديد من لافتات الاحزاب السياسية التي اختارت ان تنطلق المسيرة من ساحة محمد علي لرمزيتها النضالية منها حزب الطليعة العربي وحزب البعث وحركة الشعب وحزب الوطنيون الديمقراطيون الموحد وحزب العمال واحزاب اخرى. وردد المتظاهرون العديد من الشعارات للتنديد بالعنف وللمطالبة بحق الشهداء وفي مقدمتهم الشهيد شكري بلعيد ومنها «يا بلعيد يا حشاد النهضة باعت البلاد» و«وينو حقك يا شهيد» و«ثوار ثوار الجبهة حتكمل المشوار» و«قسما لن نحيد ثورة ثورة من جديد» و«اوفياء اوفياء لدماء الشهداء». ولدى وصول المسيرة امام المسرح البلدي حصلت بعض المناوشات الكلامية بين انصار حركة النهضة ورابطات حماية الثورة من جهة وانصار الجبهة من جهة اخرى وقد رفع انصار الجبهة شعارات من قبيل «سحقا سحقا للرجعية دساترة وخوانجية» و«وكلاء الاستعمار نهضاوي رجعي سمسار» و«الجهاد في فلسطين يا تجار الدين» و«الشعب يعاني في الارياف يا حكومة الالتفاف» و«يسقط حزب الاخوان يسقط جلاد الشعب». واعتبر المتظاهرون ان تقدم المسار الانتقالي نحو تحقيق الحرية والكرامة للوطن وللشعب بات يقتضي ضرورة احباط مخططات تعميم العنف والفوضى واحكام قبضة المليشيات والاجهزة الامنية الموازية على مفاصل الدولة ومؤسسات الادارة التي تحول راهنا دون امكانية تنظيم انتخابات ديمقراطية شفافة طبقا للمعايير الدولية تغادر بواسطتها تونس واقع الاستبداد الذي كرسه الاستعمار.
حركة الشعب تلتحق بالجبهة
واكدوا ان تحقيق هذه المهمة يقتضي من كافة القوى السياسية الثورية والتقدمية والديمقراطية وقوى المجتمع المدني مواصلة النضال من اجل كشف الحقيقة واماطة اللثام عن مدبري ومنفذي جريمة اغتيال شكري بلعيد وتفكيك الاجهزة الامنية الحزبية الواقفة وراءها وقطع الطريق عن ما هي بصدد التدبير له من «جرائم جديدة» ودعم حق المنظمات المدنية في التصدي لمحاولات الغاء مقومات المجتمع المدني وتهميش قواه الحية بهدف الالتفاف على المكاسب السياسية التي حققها المسار الانتقالي واطلاق مسار جدي للحوار الوطني حول سبل انجاز مهمات الانتقال الديمقراطي . واشار المتظاهرون الى ان الذكرى 75 للجريمة البشعة التي ارتكبها الاستعمار المباشر في حق التونسيين يومي 8 و 9 افريل 1938 جاءت في مناخ تصاعدت فيه وتيرة الالتفاف على المسار الانتقالي وان الوفاء لدماء الشهداء التي سالت من اجل تحرير الوطن والشعب يفرض على كل القوى الوطنية والتقدمية مزيدا من رص الصفوف في هذه المرحلة الدقيقة من نضال شعبنا المتواصل. ورفع المتظاهرون مطلب حل رابطات حماية الثورة ومحاسبة كل المتورطين من المنتسبين اليها في جرائم العنف كما ابدوا رفضهم لكل اشكال العنف المسلط على الشعب التونسي وقواه السياسية والمدنية مطالبين بضرورة الكشف عن المتورطين في الجرائم المرتكبة في حق المتظاهرين السلميين خلال احياء ذكرى عيد الشهداء في افريل الماضي ومحاسبة المتسببين فيها والمتسترين عنهم. وقبل نهاية المسيرة بقليل اعطيت الكلمة لرئيس حركة الشعب محمد ابراهمي الذي اعلن عن التحاق حزبه بالجبهة الشعبية مؤكدا ان حركة الشعب لا يمكن ان تكون الا في الجبهة.