عبّر مظهر شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة أمس عن حقيقة ما أضحى يعيشه الشعب التونسي من إنقسام بالرغم من رمزية 14 جانفي بالنسبة إليه، في نفس التاريخ من سنة 2011 احتشد الآلاف من التونسيين في صف واحد وفي طريق واحد حاملين ذات الشعارات والمطالب "حرية، كرامة، عدالة إجتماعية، خبز ماء وطرابلسية لا" .. والشعار الرمز "ديقاج بن علي". لكن اللافت للنظر أن الشارع احتضن الجميع رغم اختلاف الأطياف والألوان السياسية والشعارات الحزبية.. فمن حزب التحرير، والسلفيين، وانصار حركة النهضة، والمؤتمر، والتكتل، إلى انصار الجبهة الشعبية، وأحزاب التحالف الديمقراطي، وحركة نداء تونس.. كلهم تقاسموا الشارع.. لكنهم عبروا عن صورة تونس اليوم، تونس المنقسمة حزبيا وسياسيا.. غلب طابع التظاهر السلمي على جل المظاهرات والمسيرات، ولم تفلح محاولات الاستفزاز إلى افساد مظاهر احياء ذكرى الثورة، وسعى كل طيف سياسي إلى التعبير عن موقفه ورؤيته الخاصة إلى حصيلة عامين من الثورة..والتي غلب على معظمها التشاؤم. ورغم المناوشات البسيطة هنا وهناك.. فقد انتهت المسيرات بسلام.. بالأمس بدا شارع الثورة كئيبا بالرغم من مظاهر الاحتفال كما توافد أنصار حركة النهضة بالمئات أمام المسرح البلدي، فأنشدوا وغنوا وأضحكوا جمهورهم من خلال سلسلة من "السكاتشات" كما رفعوا ورددوا العديد من الشعارات "الشعب يريد تحصين الثورة"..نحمي ثورتنا ..نصنع نهضتنا ..نبني وطننا" .."إنجاح المسار الديمقراطي واجب وطني" .."وحدتنا صنعت ثورتنا ...وثورتنا صنعت وحدتنا" وأبرز الشعارات التي رفعت "الشعب مسلم ولن يستسلم" .. "الشعب يريد النهضة من جديد".. "ديقاج" من الضفتين أنصار الجبهة الشعبية والحزب الجمهوري والمسار الديمقراطي الإجتماعي احتشدوا بدورهم بالمئات تحت شعار "القوى المدنية والديمقراطية تناهض كل أشكال العنف" ..فبالنسبة إليهم الشعب لا يبحث إلا عن الإستقرار الأمني بالجهات وتوحيد الصفوف وتحقيق التنمية فكانت الشعارات حادة ونارية فارتفعت الحناجر بقولهم "رش ..كرطوش التوانسة ما يخافوش" .."ميليشيا نهضوية وزارة الداخلية" .."يا حكومة عار عار الأسعار شعلت نار" .."وكلاء الإستعمار نهضاوي رجعي سمسار" .."يا مواطن يا مسكين ضحكوا عليك باسم الدين".. "أوفياء لدماء الشهداء" وغيرها إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن قيادات المسيرة المشتركة من الجبهة الشعبية والحزب الجمهوري والمسار الديمقراطي رددوا شعارات عن الديمقراطية ومدنية الدولة إلى جانب تأدية النشيد الوطني التونسي من حين إلى آخر. "وطن يشتعل وحكومة تحتفل" شعار ردد العديد من المرات إلى إضافة إلى شعار الثورة "ديقاج" الذي تراشق به كل من أنصار النهضة وأنصار القوى الديمقراطية، فكادت بعض المشاحنات اللفظية أن تتحول إلى مصادمات جسدية إلا أن التنظيم المحكم من الطرفين إلى جانب توفير لجان تنظيم مكنا من السيطرة على الوضع. العبرة المستخلصة من هذا التصادم أن الشعب التونسي يعيش احتقانا واضحا وجليا فكانت صورة شارع الحبيب بورقيبة أمس مغايرة لصورته في ذلك اليوم التاريخي، يوم 14 جانفي 2011، فهذا طبيعي على حد قول مية الجريبي الأمينة العامة للحزب الجمهوري "فالثورة عندما قامت فتحت آمالا كبيرة ولكن للأسف هناك من يريد الفرقة للتونسيين إلا أن الإرادة مازالت قوية والامل بيدنا لتحقيقه ولهذا جئنا في هذه المسيرة كديمقراطيين لكي نقول إن الأمل لابد أن يكون صلبا حتى نتمكن من توحيد التونسيين عبر التوافق، فاليوم تونس متعددة بتعدد أحزابها ونحن نريدها ثرية بهذه التعددية ولكن موحدة في المسائل الأساسية ولهذا لن نسلم أبدا في هذا الحق". انقسام الشارع من جهته قال أحمد ابراهيم رئيس المسار الديمقراطي الإجتماعي إن "الشارع التونسي في مثل هذا اليوم منقسم بما أنه لا يزال ينتظر حلولا للمشاكل الإقتصادية والإجتماعية ولإجابات عن القضايا السياسية الكبرى، كما لايزال ينتظر خريطة طريق، فالحكومة بقيت تراوح مكانها، فآن الأوان اليوم أن تتوحد كل القوى من أجل تحقيق الفترة الثانية من مرحلة الإنتقال الديمقراطي إلا أنه لا وجود لإرادة سياسية استجابة لمطلب التوافق حول هذه الحلول" حمة الهمامي الناطق الرسمي للجبهة الشعبية قال إن "الشارع التونسي مازال مقسما لأن الأهداف لم تتحقق بعد فهناك من في الحكم بصدد الإلتفاف عليها ولكن قوى المعارضة متمسكة بتحقيقها، إلا أن المهم أن الكل يعبر عن رأيه بطريقة سلمية ومدنية" مضيفا أن "هذه المسيرة من أجل تبليغ رسالة مفادها أننا متمسكون بدم الشهداء وبتضحيات الجرحى وأجيال وأجيال ضحت من أجل تحقيق المساواة والعدالة الإجتماعية والكرامة والحرية علما أن نجاح الثورة لن يكون في يوم وليلة ولكن في ذات الوقت يتطلب تضافر الجهود والكثير من الصبر ورباطة الجأش" من خلال جولة "الصباح" في مختلف زوايا شارع الحبيب بورقيبة لا يمكن الإقرار بأن الأجواء كانت إحتفالية بقدر ماهي إحياء للذكرى ورسالات متعددة من هنا وهناك للتذكير بأهداف الثورة التي لم تتحقق على حد قول الكثيرين خاصة فيما يتعلق بحق الشهداء وجرحى الثورة. كثيرون من الجهات ممن حضروا إلى شارع الحبيب بورقيبة خاصة من سيدي بوزيد والقصرين تجمعوا للهتاف بدم الشهداء،مؤكدين أنهم لن يحتفلوا ولن ينعموا بحياة لم تتحقق فيها أهداف الثورة خاصة التنمية والعدالة الإجتماعية. مجموعات أخرى انتشرت من يمين الشارع إلى شماله طغت في حلقاتها النقاشات والتحاليل فكان السؤال الجوهري هو "عن أي إحتفال تتحدثون وعن أي ثورة تتكلمون" فرفعت صور لعدد من الشهداء ورفعت شعارات منادية بحقهم، فاكتسى شارع الحبيب بورقيبة حلي الإنقسام السياسي بتونس.