كلّما أتحسّس خطواته تدنو من منزلنا اسرع الى الشرفة لرؤيته... ليس من عادتي أن أتصرّف هكذا ولكنني لا أعرف لماذا اصبحت اتصرّف كالفتيات المستهترات الصغيرات العاشقات ترى ما الذي شدّني اليه؟ ترى أبسبب مسحة الحزن التي تعتليه ام صمته الدائم؟ هو شاب في مقتبل العمر، أسمر اللون، قصير القامة، كان يلبس «كسوة الحاكم»، ربما يكون هذا ما شدّني إليه... أو بالاحرى ما جعلني أشفق عليه وهو شعور يعتريني كلّما رأيت شخص يلبس «كسوة الحاكم»... ربّما لأنني أحمل في طيّاتي ذكريات مؤلمة مع كسوة الحاكم... إنها قصّة طويلة ولا داعي أن أغوص في تفاصيلها فهذا لا يهمّنا... سؤال كان يراودني دائما ترى ما سرّ تلك النظرة الحزينة؟ كنت أتمنى أن أراه ولو للحظة ضاحكا أو مبتسما سأرضى بذلك ولكن مع مرور الايام أيقنت أنه حلم يستحيل تطبيقه على أرض الواقع. فكلّما مرّ بالقرب من منزلنا احس بأنه جسد بلا روح... أحسه بأنه مجرّد انسان متشبّث بالحياة ولكن تنقصه نظرة التفاؤل... احساس غريب يتملّكني كلما رأيته: يخيّل لي بأنه يحمل على ظهره كيسا ثقيلا، ربما يكون ذلك بسبب مشيته المثقلة وكأنه يحمل في جرابه هموم الدنيا ولكنه لا يريد الصراخ او الافصاح عنها والاعلان للجميع بأنه يتألّم ويقولها بصوت مرتفع «آه»، فما أن أحس بخطواته تدنو من منزلنا حتى أسرع الى الشرفة وأراقبه حتى يصل الى بيته الصغير الكئيب الحزين مثله تماما... هذا الرجل أصبح بمثابة اللغز الذي يحيّرني ولم أجد له تفسيرا مقنعا يُشفي غليلي... وظل الحال على حاله... وتوالت الايام حتى جاء ذلك اليوم الذي أبلغني فيه أحدهم، لا يهمّ من يكون ولكنه من الاصدقاء المقربين لهذا الرجل الكئيب وأنا أثق به... المهم أنه أبلغني أنه عاش مأساة... نعم مأساة مؤلمة جدا، فالرجل الكئيب ينحدر من عائلة فقيرة تتكون من والدين وخمسة أبناء: فتاتان وثلاثة فتيان فبرغم الفقر والخصاصة إلا أنهم كانوا سعداء، يجمعهم الحب والدفء والحنان وبمرور الاعوام كبُر هؤلاء الاطفال وكثرت طلباتهم ولم يعد الاب قادرا على تلبية طلبات ابناءه ومن هنا بدأت الخلافات بين الزوجين وتطوّرت الخلافات الى حد الضرب والاهانة والشتم. فكان الحل الوحيد هو الطلاق، وما هي الا سنوات قلائل حتى تزوّج كلاهما ولم يعد يجمع بينهما الا فلذات أكبادهم الخمس وظلّوا يعيشون مع زوجة أبيهم الطيبة التي عاملتهم كأبناء لها ورغم ذلك ظلّوا يزورون أمهم التي مهما حصل ستظل منبع الحب والعطف لهم. ورغم الضائقة المالية فإنهم ظلّوا في صراع مع الحياة بين انهزام وانتصار ولكن لا مُحال في محاربة الحياة، فالنصر دائما لها فبرغم من النقص والحاجة الا أنهم تلقوا مستوى تعليمي لا بأس به فقرّر كل من الاخت الكبرى والاخ الاكبر الرجل الكئيب الخروج الى سوق الشغل حتى يؤمنوا لأخواتهم الظروف المناسبة لمواصلة دراستهم وبمساعدة احد الاقرباء تمكنت الاخت الكبرى من الحصول على شغل في احد المصانع. وكأن القدر يرفض ان تدخل السعادة قلوب أفراد هذه العائلة وبعد مرور سنة، أصيبت الاخت الكبري بمرض فتاك خبيث، في الاثناء تقدم ابن عمّهم لخطبة أختها الصغرى التي كانت تبلغ آنذاك ثمانية عشر سنة كانت فاتنة فبرغم كثرة المعجبين الا انها كانت دائما تصدّهم لأنها كانت تحتقر نفسها... نعم كانت تحتقر نفسها فالظروف القاسية التي عاشتها جعلتها كتومة، مترددة، خائفة من المجهول ولكنّها رضيت بإبن عمّها لأنه يعرف جيدا الظروف التي عاشتها ولكنها كانت اجمل فتاة في قريتهم فكانت تتميّز بصبابة الوجه وضواءة البشرة ورشاقة القد وبداعة المحاسن وليانة الشمائل وعندما علمت الاخت الكبرى بهذا النبأ السعيد تقدّم ابن عمّها لخطبة اختها، سعُدت جدا بهذا الخبر ولكنها طلبت منها أن تعجّل في زفافها وكأنها كانت تعلم بمصير ا فراد عائلتها مدعية أن الطبيب سمح لها ببعض الايام للنقاهة خارج المستشفى ولكن الحقيقة أنها كانت تشعر بأن مصيبة ستحل عليهم قريبا... قريبا جدا. بعد حوالي اسبوعين، زفّت الاخت الصغرى لابن عمّها في حين كانت الاخت الكبري تصارع الموت والحياة معا ولكن النصر كان للموت... ماتت الاخت الكبرى بعد زفاف الاخت الصغرى بأربعة ايام بعد ان استفحل المرض بكامل جسمها وأنهك قواها. كانت مدركة بأن مصيرها لن يتغيّر ولكنها ظلّت تقاوم... تقاوم... ولكن... سنتان مرّت على هذه الحادثة المؤلمة، غداة يوم بينما كان ا لاخ الثاني ذاهب الى المعهد إذ به يصطدم بسيارة فتسبّب له هذا الحادث في اعاقة ممّا جعلته يترك مقاعد الدراسة باحثا عن عمل يناسبه، تلك العائلة التي كانت ا لألفة والوئام والمودّة تجمع بينهم تلاشت واضمحلت... نسيت ان اخبركم ان الرجل الكئيب انتقل الى المدينة للعمل وبعد مرور سنة من التدريب الشاق، اكترى منزلا في حيّنا، وكان يقطن معه شاب في مقتبل العمر. إنه اخوه الذي تعرّض الى حادث بعد ان تحصّل على عمل يناسبه، أما أخوه الصغير فلقد ظل يعيش مع والده وزوجته الطيبة ولكن الحنين الى القرية كان دائما يساوره فكان يزورها من حين الى آخر حتى يطمئن على والديه واخيه الصغير... ولكنني مازلت امنّي نفسي أن أراه يوما ضاحكا او مبتسما ها هو اليوم يحمل شظاياه لأسباب يطول شرحها ليستقر بمنزل آخر بعيد عن منزلنا... ولكنّني في النهاية لم أظفر بشيء... بلى فقد عرفت سرّ تلك النظرة الحزينة. * التائهة ص (بنزرت) أقسى ما في الوجود أقسى ما في الوجود أن يخرس اللسان أن تموت القلوب أن تغتال الرداءة العقول أن يصمت القلم * * * أقسى ما في الوجود أن تنام الفكرة فلا خاطرة ولا حكمة ولا كلمة تنير الدّروب * * * أقسى ما في الوجود أن يحترف المرء الهروب أن يتجاهل الأشواق فلا عزّة ولا إباء ولا قيم!! * خالد عبيد (صفاقس) الاعتراف أكره التلوّن كالحرباء أكره أن ألبس ألف رداء... أو أن أكون وردة في فصل شتاء وشجرة جرداء في فصل صيف لهذا اعترفت في لحظة لا ملموسة اعترفت واعترفت وحاربتُ التردّد والخوف فلماذا الخوف من الاعتراف؟! ولماذا؟ التخفي والهروب؟ * إيمان المي (وادي الليل) خاطرة: حريق الذاكرة تنتصب صورتك في ذاكرتي مرجعا ألوذ إليه كلّما رمت ان اعيد شريط الذكريات معك حيث لا تبارحين خاطري ما دمت زهرة أينعت أيّام شبابي وتركت بصماتها واضحة، فبمجرّد أن أتأمّل وجهك يسقط قناع الماضي ليجسّم ملحمة عشناها سويا بكل تقلباتها المثيرة رغم ما رافقها من مد وجزر انتهت فجأة دون استئذان... انني سأرحل في عالمك اللعبة متشبّثا بخيط وهمي حيث اعترف انك لم تكوني سوى أضغاث أحلام. كان من الاجدى ان احيل صورتك بأرشيفي لكنني خيّرتها معلّقة بجدار بيتي كي تكونين عبرة لي في قادم الايام... كل قسمات وجهك تثير الدهشة ولكن دهشة الكلمات المنتشية بمعاناتي لا يضاهيها شيء اذ كنت ولا تزالين مصدر إلهام وينبوع حبّ يسمو بي الى عالم الرومنسية... كل شيء ينطق بمعانقة المأساة حيث أشعر أني موجود وأنك رغم الماضي بلسم قلبي العليل وفي الاخير لن تكوني سوى الدواء الذي يخمد ثورتي ويجعلك تستحقين ان تعلّقي بجدران ذاكرتي. * فؤاد بوقطاية (القلعة الكبرى) ردود سريعة * خيرية قابس : «ذكرى في الغياب» قصيدة فيها ومضات شعرية، ننتظر منك نصوصا اخرى اكثر تماسكا ونضجا. * مريم رحائمة غنّوش : مرحبا بك صديقة جديدة «لواحة الابداع» ننتظر منك نصوصا أخرى ولا تنسي الكتابة على وجه واحد من الورقة. * وردة بن رجب العامرة: «من نكون» فيها ومضات شعرية. ننتظر نصوصا افضل ودمت صديقة «لواحة الابداع». * فتحي القيروان: «لأجلك» فيها نفس شعري جميل. ننتظر نصوصا أخرى. * محمد عبد الهادي المهدية: «حرمان من الحب» تكشف عن موهبة حقيقية في الكتابة ننتظر مساهمات اخرى منك.