عبد الكريم صحابو ملحن ملأ الصفحات الاولى للجرائد والمجلات في الثمانينات... كان مطلوبا صحفيا اكثر من الذين غنّوا له كان فعلا النجم وهذا وجه الحقيقة في مسألة الابداع... فالملحن هو المبدع والخلاق الحقيقي والمطرب هو مجرد مردد كما قال الفنان وديع الصافي عن فيروز والرحابنة، قال الرحابنة هم المبدعون وفيروز هي مجرد مرددة.. الجمهور والنقاد في تونس فهموا وقتها ان عبد الكريم صحابو هو المبدع لأنه ادرك ان هذا الملحن كلما قدّم اغنية مع صوت من الاصوات التونسية إلا وكانت حدثا (Tube) ... ولمن خانتهم الذاكرة نذكرهم ب «همس الموج» مع منية البجاوي، «شمس النهار» مع نجاة عطية، «غدّار» مع الشاذلي الحاجي «ياناس ماتلوموا قلبي» مع عبد الوهاب الحناشي.. والقائمة تطول... وله نحصى ما يزيد عن 170 عملا فنيا بين اغنية وجينيريك وموسيقى تصويرية وبعد غياب طويل عن الساحة عاد مع مهرجان الاغنية بصفته مديرا لدورة 2001 لكنه سرعان ما عاد الى معهده للموسيقى مجددا العهد مع الغياب... معه حاولنا ان نفكر في هذا السرّ وفي مجموعة اخرى من القضايا الفنية. * عدت مع مهرجان الاغنية بصفتك المدير والمسؤول الاول عن رؤية ما لمهرجان الأغنية منها الفصل بين الهواية والاحتراف... فهل كانت تلك الدورة في مستوى انتظاراتك على مستوى ما رسمت للقطاع من أهداف؟ لم اكن ارغب اطلاقا في احتلال هذا المنصب الوقتي... وكان املي فقط اصلاح ما اصاب ميداننا الموسيقي من اعوجاج ومن سوء تنظيم... وقد كنت انتظر بفارغ الصبر انتهاء ذاك المهرجان لما فيه وما عليه... للوقوف عند حالة اغنيتنا التي تقطع اشواطا الى الوراء... وقد كتبت تقريرا مطوّلا في ذلك لوزارة الثقافة وشخصت فيه المشاكل مقترحا الحلول التي اراها مناسبة، لكن مع الاسف لم أر صدى او متابعة لما اقترحته لذلك رجعت الى معهدي الموسيقي فرحا مسرورا!؟ * بعيدا عن افشاء الاسرار وعن سرية التقرير... كيف تشخص داء الاغنية التونسية؟ لقد كنت دائما اقول ان مشاكلنا قابلة للحل.. والحلول بأيدينا طالما اننا نعرف هذه النواقص.. والى الآن لا ادري ما الذي يمنعنا من تطبيق هذه الحلول؟ فهل هناك هيكل للموسيقىين... فنحن لا نملك ولو جمعية للموسيقيين ان لم نقل اتحادا أو نقابة... تحمي اهل المهنة من الدخلاء وتضع خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها وقوانين لابدّ للجميع ان يخضع لها. * على ذكر الهيكل او نقابة للفنانين في تونس... تحدثنا في الشروق على ان الفكرة قديمة بادر بها ثلة من الفنانين منهم انت... واعيد طرح هذا الموضوع في هذه الايام... لكن يبدو ان الفكرة لم تتجاوز حدود التصريحات... باعتبار ان مواقف الفنانين نفسها متناقضة ومتضاربة... ووصلت الى حد الشتم في الجرائد؟ كنت قد اثرت هذا المشروع مع عديد الفنانين منذ سنة 1993 ... لأنني احسست وتكهنت وقتها ان صحوة الثمانينات قد بدأت تتراجع، وكان لابدّ لنا من قرارات واصلاحات من شأنها ان تجعلنا نواصل هذا المجهود في سبيل اغنيتنا... ولكني اكتشفت مع الاسف حقائق محبطة لا فائدة الآن في ذكر تفاصيلها... والآن اسمع واطالع في بعض الصحف انهم يريدون الرجوع لتكوين هذا الهيكل؟! اتمنى الا يكون قد فات الأوان... لكن يبقى السؤال محيّرا،، من اين نبدأ وقد فاتنا الركب بأشواط، وأصبح جمهورنا لا يتغنى الا بأغاني الآخرين من لبنان ومن مصر، ونحن لا نملك من هذا الا الشيء القليل وهو الدعم التي تقدمه وزارة الثقافة، وهو غير كاف لأن متطلبات الأغنية قد تغيّرت... وتكاليفها اصبحت تقدر بالملايين. * البعض علّق على فصلك بين الهواة والمحترفين في مهرجان الاغنية 2001 بأنه اجراء اقصائي والبعض الآخر اعتبره فصلا منهجيا وايجابيا... ونحن بعد على بضعة ايام من مهرجان الاغنية اسمح لنا بسؤال قديم عن هذا الفعل... فما تعليقك على الامر؟ انا فصلت بين الهواة والمحترفين والوزارة وافقت على ذلك... في رأيي الهواة لهم مهرجاناتهم وهو مهرجان منزل تميم... اما في مهرجان الأغنية التونسية فلابدّ ان نقدم المحترفين وافضل ما انتج من اغان... وهذا القرار الذي اتخذناه لا ينبع من فكرة اقصائية. * يبدو ان هذا القرار قد طوي مع هجوم بنات طريق النجوم ومشتقاتهن ومع الصيغة الجديدة لمهرجان الاغنية... فما رأيك في مهرجان الموسيقى التونسية في صيغته الجديدة؟ بصراحة لم افهمها... رغم ان الغاية او الفكرة من هذه الصيغة هي في رأيي تهدف الى النهوض باغنيتنا الوطنية... فقط اقول ان الفنان الذي يبدع عملا يراه محترما وناجحا لا يحتاج الى انتظار مهرجان الاغنية لتقديمه... ولا بأس ان نذكّر بقنوات أخرى لتقديم الانتاج الجديد كالتلفزة والاذاعة او العروض الخاصة... المهم هو محتوى الانتاج وقيمته الفنية... وعلى كل اتمنى ان تنجح هذه الطريقة الجديدة في تطوير الاغنية. * هل يؤكد هذا الكلام ما قلته سابقا من ان الساحة الفنية التونسية افتراضية، اي غير موجودة... باعتبار ان هناك فراغا في الابداع؟ هذا كلام لا يختلف فيه اثنان، فهل انت تسمع الآن اغنية تونسية ناجحة، وهل ترى انتاجا... كما هو الامر في الثمانينات حيث وصلنا الى درجة اننا لا نجد عازفين او استوديوهات شاغرة لتسجيل الانتاج الجديد الذي صالح بين اغنيتنا والجمهور... وملأت اغانينا وألحاننا المسارح بالجمهور... اين نحن من كل هذا اليوم؟ ولماذا وصلنا الى ما وصلنا اليه... انه ذنبنا جميعا. * وعدت في مهرجان الاغنية بأنك ستعود... لكن انتظارنا لعودتك طال فما الحكاية؟ كنت اتمنى الرجوع فعلا... وقد وعدت السيد وزير الثقافة بذلك، لكن تمنيت ان اعود في اطار اصلاح شامل للميدان وفق ما اقترحته من افكار في التقرير الذي اعددته بعد إدارتي لمهرجان الاغنية سنة 2001، لكن في ظل استقرار نفس الظروف ونفس المناخ تعذّر عليّ ذلك. * عبد الكريم صحابوا نجح وذاع هو ومن غنوا له بالنغمة وبالطبوع التونسية بالرغم من ان البعض ممن يلجؤون للمقامات الشرقية يقولون بأن المقام التونسي ضيق؟ من يقول ان المقام التونسي او الطبوع التونسية ضيقة وتنقصه مساحة تعبيرية هو اكبر عاجز عن الابداع... والذي لم يستطع الاجتهاد في المقامات التونسية يصحّ فيه قول «فاقد الشيء لا يعطيه»... لقد لحنت «شمس النهار» في نغمة العرضاوي لنجاة عطية ونجحت نجاحا كبيرا الى حدّ انها اصبحت تردد في الملاعب، ولحنت «غدّار حاجب عينك» للشاذلي الحاجي في الصالحي ونجحت ايضا ولحنت «يا ناس ماتلومي قلبي» لعبد الوهاب الحناشي في المزموم وهي تعيش الى الآن وعمرها 20 سنة فما معنى هذا؟ في هذه الحالة اردّ بشراسة على هؤلاء العاجزين واقول لهم اننا نملك تراثا غنيا بالجمل والايقاعات ولكنهم اجتهدوا ولم يفلحوا وانت تعرف المثل المناسب طبعا «خانها ذراعها قالت مسحورة». * على ذكر نجاة غطية... بعد اعتزالها او ابتعادها على الاقل... رجعت تتحدث عن عودتها المنتظرة... لكنها الى الآن لم تعد... فما رأي من لحن لها الاغاني التي برزت بها؟ اعتبر ابتعاد نجاة عطية عن الغناء خسارة وهنا لا اجامل (وفات اللي فات، وهناك مشاكل شخصية تجاوزها الزمن)، فهي حسب رأيي من اجمل الاصوات منذ عقود... وكنت شخصيا انتظر عودتها للغناء بألحان اخرى، لكن مع الاسف يبدو ان اسبابا أخرى اثرت على هذه العودة. * امينة هي الأخرى صرحت منذ ايام بأنها ستعيد عبد الكريم صحابو للساحة الفنية والتلحين... فهل انت على علم بذلك؟ اولا اشكر امينة فاخت علي شعورها النبيل... وهي في رأيي من الاصوات الهامة في تونس... لكن ارى بأن يدها شاغرة من المفتاح الذي سيعيدني... امينة لا تملك المفتاح السحري لعودتي.. * بماذا تفسر نجاح ألحانك وأغاني جيل الثمانينات.. هل الأمر راجع الى العلاقة المتينة بين اطراف الاغنية وانتفاء العلاقة التجارية بينهم؟ يا حسرة!!.. كنت اجلس انا والشاعر والمطرب او المطربة ونناقش الكلمات وكانت هذه الجلسات طريفة وودية يشترك فيها الجميع بالرأي بعيدا عن كل الخلفيات ولم تكن المادة هي الدافع بل الفن... لذلك انتجنا اغان صادقة وصلت الى وجدان الجمهور فتفاعل معها ورددها... اما الآن ورغم ابتعادي لمدة 10 سنوات اسمع حكايات غريبة وأقرأ في الصحافة احيانا مشاكل سخيفة لا تمت للفن بصلة توحي بأن اطراف الاغنية يحيط بها نوع من الشك والريبة والاحتياط وتسود علاقاتهم الغيرة وافتكاك الاغاني... كل هذا يهون لو كانت هذه الاغاني ذات قيمة لكن تسمع فقط جعجعة ولا ترى طحينا... فسمّ لي اغنية واحدة نجحت إزاء الجمهور. * لماذا قاعة باسم نجيب الخطاب في معهد عبد الكريم صحابو للموسيقى؟ كانت تربطني بنجيب علاقة متينة بعيدا عن الفن والاعلام... كنا اصدقاء الى أخر ايامه وقد ترك في نفسي فراغا كبيرا ليس كإعلامي فقط ولكن كأخ وصديق. * ومع صالح جغام هل كانت العلاقة جيدة... ام كنت من صف نجيب؟ صالح هو ايضا صديق وقد دعاني الى حصصه وبرامجه واحترمه كثيرا على كفاءته واشعاعه كإعلامي وخاصة كإذاعي... وقد كان رحمه الله اول من نشط مهرجانا للاغنية التونسية الذي احتضنه ركح قرطاج في صائفة 1983 ونالت الاغنية التي لحنتها وهي «ياللي تبكي موش كفاية» الجائزة الاولى. * لماذا اختار عبد الكريم صحابو التدريس عن التلحين وما هو اشعاع المعهد الذي تديره على الساحة الفنية؟ لقد حرصت كل الحرص في هذا المعهد ان اكوّن جيلا من الموسيقيين في العزف والتدريس والغناء... وانا اسخّر كل جهدي في سبيل ذلك في الوقت الحاضر وأؤكد ان تكوين التلاميذ موسيقيا ليس بالامر السهل... فمهمتي هذه لا تقل اهمية في ايجاد جيل مثقف ومتكون موسيقيا وانا من موقعي هذا اعتبر انني اقوم بواجبي، برسالة وطنية كان لابدّ منها.