حين دخلنا محل السيد الحبيب بوغرارة لبيع التحف القديمة و»الأنتيكة» شعرنا بأننا ربما بمغارة «علي بابا» وليس بمحل بسوق سيدي عبد السلام. تحف عديدة نادرة لحضارات مختلفة بعضها مر على تونس وأخرى ربطتنا بها علاقة منذ عقود عدة، زيّنت رفوف «قصر العجائب». وبين التحفة والاخرى يشدك نوع نادر من آلة «الفونوغراف» التي كانت لها صولات وجولات زمن الفن الراقي... هذه صور قليلة من شريط فني رائع صاحبنا فيه الفنان الحبيب بوغرارة عبر التاريخ لنتعرف فيه على روعة «فن الانتيكة» بتونس. توجّه الينا في البداية قائلا: «أنا لا أمتهن بيع «الأنتيكة» لانها فن، والفن لا يمكن أن يكون بضاعة أو تجارة. أنا بالاساس عاشق لهذا الفن منذ الصغر. فقد حذقته ومارسته منذ أن كنت طفلا أرافق والدي، رحمه الله، في كل خطواته لاتعلم منه أصول هذا الفن وأكتشف أسراره»... * للعرض فقط وفعلا انطلق الفنان الحبيب بوغرارة في سرد قصة تحفة أصيلة نادرة، لاحظ أننا كنا ننظر اليها بإعجاب. قال: «هذه «أرتميس» إلهة الصيد عند الاغريق وقد أنجزها النحات الايطالي الشهير «روزو» الذي نحت عديد التحف خلال سنوات العشرين. سألنا محدثنا عن ثمن «أرتميس» فأجاب قائلا: «هذه التحفة نادرة لذلك لا يمكن أن تقدر أي ثمن لها. فقيمتها تتحدد بحسب الطلب. كما أنني أحتفظ بعديد التحف هنا للعرض فقط وليست للبيع... فهي جزء مني ولا يمكنني التفريط فيها مهما عُرض عليّ من ثمن». قلنا له: «وأن عُرضت عليك عشرات الآلاف من الدنانير، أكيد أنك ستقبل»؟ أجابنا قائلا: «قلت لكم هذه التحف جزء مني أعيش وأحيا على رؤيتها فكيف أغيّرها بالمال؟!». * آلاف ومئات هذا الشعور اكتشفناه أكثر عند الفنان الحبيب بوغرارة حين بدأ يصف لنا حكايته مع آلات «الفونوغراف» الثلاث مائة التي يملكها. فقد تخلّى عن أغلب ما يملك من عقار ومال كي يشتري 300 آلة «فونوغراف» و11 ألف اسطوانة قديمة وعديد التحف الاخرى. ولا يعرف ماذا كان سيحصل له لو أنه لم يشتر هذا «الكنز التاريخي». فقد قاده حظه وعشقه لآلات «الفونوغراف» وتحف «الأنتيكة» الى سيدة ايطالية تقطن بتونس وتبلغ من العمر اليوم أكثر من 90 سنة، وهي في الحقيقة ابنة مالك دار «أديون» «للفونوغراف» «جوزيف ناراجي». هذه السيدة ورثت عن أبيها آلاف الاسطوانات ومئات «الفونوغرافات» وعشرات التحف الاصلية النادرة وكانت تدرك جيدا قيمة «الكنز» الذي باعته للفنان الحبيب بوغرارة. * الخامسة ومع آلات «الفونوغراف» التي كان يملكها تنضاف اليها «فونوغرافات» «ناراجي» والنتيجة هي أكثر من 300 «فونوغراف» أصلي في متحف أنيق ببيت الفنان الحبيب بوغرارة، مما يجعله صاحب أكبر مجموعة فونوغراف (ولعله الوحيد) في العالم. ومن هذه «الفونوغرافات» عرض أمامنا الفنان بوغرارة واحدة صنعها الشهير في هذا المجال «توماس أديسون» وهي الخامسة من نوعها مثلما كتب عليها، وتعمل ب «الزنبرك». ولم يكتف محدثنا بوغرارة «بالفونوغراف» الاول بل عرض أمامنا آلة «ديكتافون» التي ظهرت بظهور الكهرباء... ولع الفنان بوغرارة ب «الانتيكة» دفعه الى شراء «بيت العمليات» لمصحة الطبيب «ليون تيمسيت» الذي أنشأها بتونس أوائل القرن الماضي. * كراء وليس للكلام أي معنى في مفهوم الفنان الحبيب بوغرارة ما لم يكن مدعما بوثائق مادية أو كتب إرشادية أو «كاتالوغ» أو صور أو رسوم أو لوحات وغيرها من الشواهد العلمية والتاريخية. فقد كان يتحدث الينا ويصف كل تحفة أو قطعة بمحلّه بالاعتماد على ذاكرته وعلى كتب ربما تكون هي الاخرى نادرة. ومن التحف النادرة يبيع الفنان بوغرارة البعض منها، خاصة اذا كان لديه شبيهاتها. ولكن النشاط الاهم الذي يقوم به هو كراء أغلب هذه التحف لاستغلالها في الافلام السينمائية والمسلسلات التلفزية وغيرها من الاعمال الفنية. اسماعيل الجربي