الامام الجليل والمحدث العظيم محمد بن اسماعيل البخاري أمير أهل الحديث وصاحب أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، يقول البخاري: صنفت الصحيح في ست عشرة سنة وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى. ولم يشهد تاريخ الاسلام مثله في قوة الحفظ ودقة الرواية والصبر على البحث مع قلة الامكانات، حتى أصبح منارة في الحديث وفاق تلامذته وشيوخه على السواء. يقول أحد العلماء: لا أعلم أني رأيت مثله كأنه لم يخلق الا للحديث. نسبه ومولده هو أبو عبد الله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن المغيرة البخاري أسلم جدّه «المغيرة» على يدي اليمان الجعفي والي بخارى وكان مجوسيا وطلب والده اسماعيل بن ابراهيم العلم والتقى من عدد من كبار العلماء، وروى اسحاق بن احمد بن خلف انه سمع البخاري يقول سمع أبي من مالك بن أنس ورأى حماد بن زيد وصافح ابن المبارك بكلتا يديه. ولد أبو عبد الله في يوم الجمعة الرابع من شوال سنة أربعة وتسعين. ويروى أن محمد بن اسماعيل عمي في صغره فرأت والدته في المنام ابراهيم الخليل عليه السلام فقال لها يا هذه قد ردّ الله على ابنك بصره لكثرة بكائك أو كثرة دعائك شك البلخي فأصبحت وقد رد الله عليه بصره. قوة حفظه وذاكرته ووهب الله البخاري منذ طفولته قوة في الذكاء والحفظ من خلال ذاكرة قوية تحدى بها أقوى الاختبارات التي تعرض لها في عدة مواقف. ويقول محمد بن أبي حاتم: قلت لأبي عبد الله: كيف كان بدء أمرك قال ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتّاب فقلت كم كان سنك فقال عشر سنين او أقل ثم خرجت من الكتاب بعد العشر فجعلت اختلف الى الداخلي وغيره فقال يوما فيما كان يقرأ للناس سفيان عن أبي الزبير عن ابراهيم، فقلت له: إن أبا الزبير لم يرو عن ابراهيم فانتهرني فقلت له ارجع الى الأصل، فدخل فنظر فيه ثم خرج فقال لي: كيف هو يا غلام؟ قلت: هو الزبير بن عدي عن ابراهيم. فأخذ القلم منّي وأحكم (أصلح) كتابه وقال: صدقت.