منحت لجنة تحكيم جائزة الكسندر سولجنيسين الادبية لعام 2004، لمخرج وممثل الدور الرئيسي في المسلسل التلفزيوني «الابلة» المأخوذ عن قصة فيدور دستويفسكي الشهيرة. وتضم لجنة التحكيم بالاضافة الى الكاتب الحائز على جائزة نوبل عدد من النقاد والادباء والفنانين. واصبح القرار مفاجأة، لان الجائزة تمنح لاول مرة لفنانين في الحقل السينمائي وليس لادباء، ولا عن مجمل ابداع الشخصية المرشحة للفوز بالجائزة كما جرت العادة بل لعمل محدد وجديد. وكان القائم على جائزة سولجينيتسن التي منحت لشعراء وفلاسفة ولغويين وروائيين تميزوا بابداعاتهم، ومساهماتهم المشهودة في الثقافة الروسية، قد وعدوا قبل سنوات بمنح الجائزة للمشاريع الثقافية الهامة. والمسلسل من اخراج فلاديمير بورتك، فيما لعب الممثل الشهير يفجيني ميرونوف دور الامير مشيكين بطل الرواية الخالدة. ومن الواضح ان الجائزة منحت للمسلسل لاعتبارات ادبية، حيث ساهم باثارة الاهتمام العام بالادب الكلاسيكي الروسي، واكتشافه من جديد. وكما جاء في قرار التحكيم فان الجائزة تمنح للمخرج فلاديمير بورتكو، للقراءة السينمائية الموحية لقصة دستويفسكي «الابلة» والتي كان لها صدى شعبيا حيا، واحيت تفاعل القارئ المعاصر مع الادب الكلاسيكي الروسي وابعاده الاخلاقية». وحصل ميرنوف الذي سبق وان مثل دور «اليوشا» في رواية كارامازوف «على نجاح بتجسيد شخصية الامير ليون ميشكين على الشاشة بصدق منح حافزا جديدا للقيم المسيحية في الادب الروسي الكلاسيكي». وأعلنت اللجنة ايضا تقيمها الرفيع لاداء الفريق السينمائي برنته لنجاحه بتقديم قراءة للرواية العظيمة وتقريبها للمتلقي المعاصر. والى جانب الاقبال منقطع النظير على المسلسل التلفزيوني، فقد انعش العرض اهتمام المشاهد الروسي بدستويفسكي واكتشافه من جديد واحس بالحاجة اليه في الزمن الصعب. واندفع المشاهدون نحو مخازن الكتب، بحثا ليس عن رواية الابله وحسب، وانما عن اعمال دستويفسكي الخالدة الاخرى. واصبح ذلك بمثابة رد على اولئك النقاد الذين لم يقيموا المسلسل على انه من الروائع، وتحفظوا على عدد من القراءات التي طرحها.ان منح جائزة سولجنيتسين الادبية ا لى عمل سينمائي تلفزيوني ينطوي بحد ذاته على اهمية كبيرة لانه يؤكد تثمين قراءة الاخر للعمل الابداعي واهمية توسيع تلك القراءة. فالاديب لا يمكن ان يقوم دون متلقي، والقارئ اللبيب لا يكتفي بادراكه وبتمكنه الشخصي من فكرة الكاتب وحسب، وانما يتفاعل مع قراءات الاخرين التي تعرض عليه. وان هؤلاء القراء الاذكياء هم الذين حازوا على جائزة سولجينتسين. ويقوم بتمويل الجائزة الادبية التي بدأ منحها منذ عام 1998 بقيمة 25 ألف دولار، صندوق الكسندر سولجينيتسين، الذي اسسه الاديب الكبير قبل ثلاثين عاما بعد ترحيله عن الاتحاد السوفياتي. ووظف الاديب كل عوائده عن ملحمته الشهيرة عن معسكرات الاعتقال والعمل الشاق الستالينية (ارخبيلاغ غولاغ) في خدمة الصندوق لدعم الادباء والفنانين. ويقدم الصندوق ايضا مساعدات منتظمة لضحايا الملاحقات السياسية ويمول المشاريع الهادفة دعم الثقافة الروسية وصيانتها. وبتأثير صدى «الابله» الواسع، يستعد مخرجون روس لانتاج روايات دستويفسكي الاخرى كالجريمة والعقاب والاخوة كارامازوف وادباء كلاسيكين اخرين على هيئة مسلسلات تلفزيونية.