بقدر ما أنا شاكر للدكتور علي الورتاني الطبيب الجراح في طب الفم والأسنان والشاعر الغنائي والناقد الموسيقي بالزميلة La Presse اليومية لما تفضل به من رقيق المشاعر في الرسالة اللطيفة التي رسلها إلى مقر شروقنا الفيحاء إكبارا وإعجابا بما تتكرم جريدتنا الغراء بنشره من مقالاتي وبحوثي ودراساتي بقدر ما يعلم الدكتور علي الورتاني وه سيد العارفين أن ذلك الإطراء يخجل تواضعي. وليتذكر في هذا السياق الإطرائي ذلك البيت الشهير. ملأى السنابل تنحني في تواضع ... والفارغات رؤوسهن شوامخ ذلك أن ما أكتبه وينعم بنور الصدور بشروقنا الفيحاء لا أرجو منه لا جزاء ولا شكورا سوى ممارسة إختصاصي في مجال الإعلام الثقافي عامة والنقد الموسيقي بوجه خاص. وبقدر ما أشاطرك الرأي بخصوص ضحالة أغنية «تونيزي معاك الله والنبي» والتي كانت محور مقالي النقدي الصادر بالشروق والذي نال إعجابك بقدر ما أخالف الرأي بخصوص بعض الأغاني التي أوردتها في رسالتك الفاكسية FAX لكنك تعلم علم اليقين وأنت سيد العارفين قولة أمير الشعراء في هذا السياق بالذات : إن الإختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. لذلك أقول وأعيد القول وفي الإعادة إفادة Repetition mère dصetude أن ما يعوز الأغنية التونسية هو التنميط والتقنين Codification فالأغنية الدينية تصبح إنشادا صوفيا وقد ورد ذلك فعلا في عرض (يا مولانا) للمطربة الجامعية الدكتورة درصاف الحمداني كما ذكرت كذلك الشأن بالنسبة إلى الدكتور كمال الفرجاني الذي كلما أعاد توزيع أغنية تراثية إلا وانهال على متنها الزجلي بتحويراته العبثية وأشير على سبيل الذكر لا الحصر إلى الأغنية التراثية : يا مقواني نخطم على الأوطان يا مقواني ... الريح قبلي والعجاج عماني فتحولت في ثوبها الجديد أداء الدكتورة ريم الفهري : نختم على الأوطان يا مقواني ... الريح قبلي والحبيب جفاني وقد تجد للأخوين كمال الفرجاني ووناس خليجان عذرا في «تهذيبهما» لذلك الأثر التراثي وكأن التراث غير مهذب فوجب تهذيبه لسلامة الذوق المرهف وفي مثل هذه العملية القيصرية Cesarienne التي أتى بها الثنائي الفرجاني وخليجان في فرقة البحر الأبيض المتوسط تصبح العملية قسرا وسطوا وعبثا بقدسية التراث الذي وجب صيانته من كل الشوائب أو الإضافات المخلة بأصالته مثل الآهات التي أضافها صالح المهدي شهر زرياب في ختام تلك الأغنية التراثية. ومما زاد الطين بلة أن تلكم (الآهات) أو الهنك كما يقول الأتراك قد اقتبسها زرياب من الآهات لسيدة الغناء العربي أم كلثوم وأعني الهنك الذي أضافه الموسيقار الراحل الخالد محمد الموجي في الأغنية الصوفية حانة الأقدار التي وردت في شريط «رابعة العدوية» بطولة نبيلة عبيد والمرحوم فريد شوقي. حانة الأقدار .. عربدة فيها .. لياليها وكان النور والهوى يا صاح هذه الأزهار .. كيف يسقيها .. وساقيها بها مخمور كيف يا صاح وفي هذا المجال الصوفي أخالفك الرأي يا دكتور في تصنيفك Nomenclature لأغنية المرحوم الهادي ذهب والد الأديبة نافلة ذهب : كيف دار كاس الحب بيني وبينك ... واسكرنا الاثنين فهذه الأغنية ليست صوفية ولا روحانية كما أشرت إلى ذلك خطأ فالسكر هنا هو سكر مادي وليس روحانيا على غرار ابن الفارض : شربنا على ذكر الحبيب مدامة ... سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم فالحبيب هنا وهو الله وابن الفارض كان صوفيا متصوفا هام بحب الله فسكر بحبه ولم يسكر ببنت العنب أو بنت كرم كما جاء على لسان زكرياء أحمد : بنت كرم يتموها أمها ... وأهانوها وديست بالقدم ثم جاء واحكموها بينهم ... ويلهم من جور مظلوم حكم فالبون شاسع والبعد بين والمفارقة عجيبة بين خلوبة الهادي ذهب في أغنيته التي نادم فيها الحبيبة ومال عليها فقال شميت عطرك فوق جبينك ممزوج بالياسمين في البيت الثاني من المقطع الأول وليتفضل الدكتور علي الورتاني بالاستماع إلى أغنية الهادي ذهب التي لحنها الشيخ خميس الترنان (1890 1964) وغنتها صليحة 1914 1958 صوت تونس الأعماق La vie de la Tunisie profonde وليقارنها بالمدائح الصوفية من استغاثات وابتهالات للشيخ النقشبندي حتى يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود. أما بخصوص النشيد الحماسي بني وطني الذي لحنه الشاذلي أنور في عيد الجلاء عن بنزرت غنته علية عن نص شعري للمرحوم عبد المجيد بن جدو فلا سنيا مبارك كانت على صواب ولا إصلاحك أصاب المصاب : بني وطني يا ليوث الصدام ... وجند الفداء نريد من الحرب فرض السلام ... ورد العداء هذا ما ورد في إصلاحك لأداء سنيا مبارك التي تقول : ودفع العداء والصواب هو ردع العداء حتى يستقيم البحر المتقارب الذي قال فيه الأخفش : عن المتقارب قال الخليل : فعولن فعولن ... فعولن فعولن وختاما شكرا لك على رسالتك اللطيفة وعبارات الشكر الظريفة فما أوتينا جميعا من العلم إلا قليلا ويبقى فوق كل ذي علم عليم.