نظمت الجمعية التونسية: «المعالم والمواقع» عشية الجمعة الماضي لقاء جمع ثلة من المهتمين بتاريخ مدينة تونس وألقى خلاله الاستاذ محمد بن الاصفر المحامي محاضرة بعنوان: طريقة تسمية طرقات حاضرة تونس حتى نتصف القرن التاسع عشر. ولأن دراسة عملية التسميات داخل المدن تستوجب الاطالة والإسهاب لم يكتف استاذنا المبجل بالطرقات بل اتسع مجالبحثه الى المعالم، والأحياء والأقواس ، والأسواق داخل المدينة المركزية وفي ربطيْ باب سويقة وباب الجزيرة. اسماء اقتصادية واعتمد الاستاذ محمد بن الاصفر في عرضه المدعم بالشواهد والأدلة على وثيقة جبائية صدرت في عهد الاستعمار وبالتحديد عام 1846. وأشار المحاضر في البداية الى ان الطبيعة والاقتصاد كانا حاضرين في تسمية طرقات مدينة تونس منذ منتصف القرن التاسع عشر، اذ نجد مثلا تسميات غريبة وطريفة كعين «الدوارة» قرب نهج بوصندل او مغزل الريح. اما في مجال الصناعات التقليدية فقد اوردت الوثيقة 15 منشأة، ففي السقاية والآبار توجد اسماء صامدة الى الآن منها بئر الاحجار وزنقة البئر وزنقة السبالة في باب سويقة. اما الصواحين فقد اعطت اسمها لعدة اماكن مثل معصرة الذهب (نهج الذهب حاليا) ومعصرة القاضي. واوردت الوثيقة لفظ «كوشة» اي المخبزة المأخوذة من التركية ونذكر مثلا «كوشة» بني جعفر و»كوشة» الزبيب بباب سويقة وكوشة الجير. كما اعطت الصناعات الاخرى اسمها لعدة اماكن مثل دار البطان بالمدينة المركزية (الشاشية). اما في قطاع الخدمات فقد اشارت الوثيقة الاستعمارية الى تسميات فالحمامات اعطت اسمها لثلاث جهات (حمام الزيتون حمام الدولاتلي، وحمام الرميمي) ويعتبر حمام الرميمي اقدمها وهو على ما يبدو لمهاجر اندلسي يدعى محمد بن الرميمي. ولم تذكر الوثيقة الكثير من المنشآت الدينية والعقائدية فلا جامع الزيتونة ولا جامع صاحب الطابع ولا جامع باب الجزيرة وذلك باستثناء جامع موسى في باب سويقة. وفي المقابل تحضر الاضرحة والزوايا والمزارات بقوة في قائمة التسميات بالمدينة العتيقة (78 مكانا اي بنسبة 25.5 من المجموع) وتقسم هذه الاماكن كما يلي: 20 زاوية او ضريح بالمدينة المركزية و28 بباب سويقة و27 بباب الجزيرة. للمرض نصيب وجاء بالوثيقة ذكر للنساء الصالحات وابرزهن السيدة المنوبية والسيدة عجولة (ت819ه). وفي مجال الورع ايضا اوردت الوثيقة تسميات اخرى مثل سيدي غريب وسيدي بودربالة وسيدي بورقعة وذلك حسب الوضعية المرضية والاجتماعية لهذا الولي او ذاك. والغريب ان الوثيقة غيبت اهم قطبين في عالم الورع والعلاج وهما احمد بن سالم التيجاني وابو حسن الشاذلي. واذا كان غياب الاول مفهوما كما قال الاستاذ محمد بن الاصفر لعدم ترسخ امره فإن امر غياب الثاني اي الامام الشاذلي غير مفهوم رغم انه الأقدم رسوخا ووجودا في المشهد الديني بالمدينة العتيقة. كما سجلت الوثيقة اسماء ابرز المشايخ مثل سيدي محرز وسيدي عزوز وسيدي عبد السلام وسيدي قاسم الصبابطي وسيدي البنا وتدل تسمية الاخيرين على نوعية العمل الذي كان يمارسانه آنذاك، وفي الوثيقة ايضا اسماء لأولياء ومجاذيب ارتبط اسمهم بوضعيات، وحالات معيّنة مثل سيدي البهلول وسيدي بو البلايز، وسيدي بوشرارة وسيدي بوعصيدة. وفي باب المعمار ذكرت الوثيقة الجبائية 13 دارا اعطت اسماءها لأماكن بالمدينة وربطي باب سويقة وباب الجزيرة في حين ذكرت تسمية الدريبة 40 مرة والصباط 9 مرات فقط، وورد بالوثيقة اسماء 10 طرقات وتسميات مماثلة لأكثر من بطحاء وسوق. اما الاحياء فقد بلغ عددها 13 حيا. ووصل عدد الاسواق الى 32 سوقا في المجموع. ومن خلال تحليله لهذه الوثيقة ذات القيمة التاريخية العالية اكتشف المحامي محمد بن الاصفر ان اصحابها تجاهلوا الكثير من المعطيات واعتمدوا فقط على المعطيات ذات العلاقة بالجانب الجبائي. كما ركز هؤلاء في المستوى الروحي على الطريقة الرحمانية ووضعوا الاسماء الكبيرة والأقطاب الدينية على الهامش.