لأنهج المدينة العتيقة تاريخ وملامح اضمحل أغلبها وصمد البعض منها رغم مرور السنوات والعقود الطويلة والقرون وقد تحدث الباحث محمود زبيس عن هذه الملامح وأفاض في الحديث عن كل ما يتعلق بتاريخ عدد كبير من أنهج المدينة العتيقة والحي الأوروبي الجديد خارج الربضين من خلال دراسته الشهيرة والمعَنْونة ب«من سيدي محرز إلى المقام الشاذلي أو في كل خطوة ذكرى بين المدينة والربضين» التي نشرتها مجلة معالم ومواقع تباعا وعلى امتداد سنوات طويلة والتي سنعتمدها كمصدر أساسي للحديث عن الملامح القديمة لأشهر أنهج المدينة العتيقة. وسنواصل من خلال هذا العدد الجديد من ركن أنهج المدينة العتيقة: تاريخ وحضارة الحديث عن هذه الملامح القديمة لأنهج مدينة تونس. الحديث هذا الأسبوع سيكون حول الملامح القديمة لنهج شارع الباب الجديد نبدأ وصف هذا الشارع من وراء جامع الجنازير أو باب الجزيرة الخارجي في اتجاه الباب الجديد فنجد على اليسار نهج الشتاء الذي بقي نوعا ما على حاله القديم ثم نجد أزقة سيدي عبد الملك والمنقوش وعبيد، وفيها أيضا حمام يسمى بحمام الفرجاني وبعده نهج بومطراف إلى أن نصل إلى بطحاء صغيرة تفصل بين نهج صالح بن عصمان وبه حمام الشيتية. أما بنهج الشتاء من الجهة اليمنى فكانت هناك مباني كثيرة هدمت بأكملها لتوسيع الطريق، هذه المباني عبارة عن دكاكين تجارية ومقهى المناضل الفرجاني بن الحاج عمار وغيرها من الدكاكين ذات الأنشطة المختلفة أما الدكاكين التي كانت موجودة في واجهة نهج المسكوكة وقد حرفت تسمية هذا النهج حيث كان أمامه «حفير» تتجمع فيه مياه الأمطار السائلة نحو البحيرة حيث كان المرور في العشرينات من القرن الماضي من الصباغين عبر قنطرة صغيرة مما جعل جامع حرمل أو باب الجزيرة الداخلي يطلق عليه اسم جامع القنيطرة (تصغير لكلمة قنطرة) ومن الملاحظ في تلك الحقبة أن أغلبية سكان شارع باب جديد وخاصة القاطنين بمدخله من غير التونسيين أي من جنسيات أوروبية مختلفة وقد كانت لهم كنيسة توجد بنهج المكتب مخصصة لهم يؤدون فيها صلاتهم ولذلك كانت هندسة البنايات يمينا وشمالا شكلها أوروبي، وكان التجار والحرفيين جلهم من الجالية الإيطالية ويتواصل سيرنا إلى أن نصل إلى الباب الجديد (أي باب السور القديم للمدينة) وعند المرور إلى السور القديم نجد من الجهة اليمنى نهج المكتب المذكور سابقا وتقابله عمارات كان بها مكتب الطبيب الإيطالي واسمه كورتيزي وكان سكرتيره تونسي واسمه حسن ومن الطرائف أن هذا السكرتير أصبح يسمى حسن كورتيزي نظرا لمرافقته الدائمة للطبيب الذي يعمل معه. وبجانب عيادة الطبيب كورتيزي كان يوجد مكتب لعدد من الاباء البيض وهم من أهل الكنيسة المسيحية الذين يتولون عملية التبشير ونشر الديانة المسيحية في تونس ويحاذي هذا المكتب قاعة الحلاق و«الطهار» حسن الشتيوي المتوفى سنة 1976 وقد مارس هذه المهنة منذ عقود وقد سمي سنة 1953 أمينا للطهارة بأمر من الباي وقبالته العيادات الطبية للحكيمين التونسيين المنشاري ومهاود وغيرهما من الأطباء التونسيين. وبجانب هذه العيادات الطبية نجد مدرسة للبنات كانت أسستها الجالية الإيطالية بتونس وقد صادرتها سلط الحماية بعد مغادرة الجيش الألماني والإيطالي لتونس سنة 1943 وفي نطاق سياسة إصلاح التعليم حولتها سلطة الحماية إلى مدرسة إعدادية مثالية وكانت توفر للتلميذات الفرصة للتخصص في الرقن والسكرتارية والطريزة والحلاقة والتجميل، وكانت النساء من أمهات التلميذات يترددن على المدرسة لتقوم التلميذات بتسريح أو قص أو صبغ شعورهن مجانا عوض ذهابهن إلى الحلاقات المحترفات. وأول من تولى إدارة هذه المدرسة هي السيدة الفاضلة والمربية الفقيدة شريفة المسعدي وقبالة هذه المدرسة نجد الطريق الذي يفصل بين قوسين أحدهما كبير والآخر صغير كان معروفا بدريبة ابن عياد ويفضي هذا الطريق إلى نهج تربة الباي. أما بربض باب الجزيرة كما كان يسميه السكان ربض باب سويقة أو «ربض الجناح الأخضر» فقد كانت هناك مدرسة يفتح بابها الخلفي على نهج الشتاء المذكور سابقا كما كانت لها واجهة على مدخل نهج أبي القاسم الشابي وهذا النهج تقابله زنقة وبداخلها مدارج لمبنى «الملبس القومي» تشرف عليه زوجة المقيم العام الفرنسي وكانت مهمته توزيع بعض الملابس على الأطفال المعوزين وقد صار هذا المبنى اليوم مسكنا خاصا لإحدى العائلات. وعند الخروج من هذه الزنقة والاتجاه يمينا توجد مدرسة ابتدائية للبنات لازالت قائمة إلى حد الآن وبجانبها مبنى خصص لجمعية النادي الإفريقي وتقابله مقهى لمحبي هذه الجمعية العريقة وكانت تحاذيها من جهة مكتبة وراقة (لصاحبتها مدام وطران) وقد خلفها فيها الراحل أحمد القصار ومن جهة أخرى نجد مقهى شمنططو فمكاتب شغل عدة راجعة بالنظر إلى قيدوم إحدى الجاليات وكانت مهمته الضمان في المترشحين إلى العمل في المنازل كحراس أو طباخين أو للقيام بالشؤون المنزلية الأخرى. وبجانب مقر جمعية النادي الإفريقي التي تم تأسيسها بقرار من الوزير الأول الطيب الجلولي في 4 أكتوبر 1920 نمر أمام نهج الفارسي (المعروف بصاباط عجم) وقبل المرور من نهج سيدي عياد نجد من الجهة اليمنى مدرسة ابتدائية أصبحت فيما بعد معهدا مهنيا للذكور (ومن بين الأساتذة الذين درسوا بهذا المعهد خلال الستينات المربي الراحل عمر الغرايري وكان مختصا في زخرفة الجلود) ويسارا (الخلوة العلوية لسيدي محرز) ومدارجها ملاصقة للباب الجديد من الداخل الذي بقي مع باب البحر قائما كشاهد على ما كان للمدينة العتيقة من أبواب عديدة. إعداد: ناجية المالكي المصدر: مجلة معالم ومواقع عدد15 أوت 2004