قلّة قليلة هي الكتب المتعلّقة بالمجال المسرحي وقلّة نادرة هي الكتب المتعلّقة بالتكوين المسرحي لذلك يمكن اعتبار صدور أيّ كتاب في مجال التكوين الدرامي حدثا حتى وإن تعلّق الأمر بالقلّة من أهل الاختصاص... والكتاب الذي بين أيدينا وعنوانه «ألعاب دراميّة» للأستاذ زهير بن تردايت له أهميته كدليل يساعد أهل الاختصاص من المؤطرين سواء للتلاميذ أو النوادي أو جمعيات الهواة على تكوين الممثّلين بطريقة الإدماج أي إدماج الفرد وسط المجموعة وهي طريقة عصرية تأخذ بعين الاعتبار عدّة مسائل مرتبطة بإفرازات العصر الحديث المنعكسة على الشباب في سلوكه وثقافته وعلاقته بالمجتمع واختياراته ومشاغله ومنزلته في هذا الوجود إلخ... فالشباب الذي يختار المسرح للتعبير عمّا يعتمل في ذاته من مشاغل وحيرات لابدّ أن يكون ذا نزعة مختلفة عن الشباب الآخر الذي يختار العلم مثلا أو الرياضة أو الصناعة أو التجارة أو الإعلام إلخ... لأنّ المسرح لا يعتمد أيّة وساطة ولا يمرّ عبر أيّة قناة، إنّه مباشر للآخر في «الهنا الآن» ومن هذا يستمدّ قوّته وتأثيره، لذلك فإنّ هذا الاختيار يتميّز أساسا بالجرأة من ناحية والاندفاع وخاصّة حبّ التواصل والانفتاح على الآخر ولا يمكن أن يتمّ ذلك إلاّ بأدوار ضرورية يقدّمها المؤتمر بقصد التكوين عن طريق الإدماج وهذا الكتاب يوفّر على المؤطّر عناء البحث عن ألعاب درامية ذات مواضيع تؤهّل الشباب للتفاعل عبر الإحساس والتأثر والتعبير والتبليغ ولكن من خلال الفكرة الموصلة، وهذه الفكرة لا تأخذ مجراها إلاّ إذا ارتكزت على جملة من المفاهيم الضرورية. فالشاب الراغب في التعبير مسرحيا من الضروري أن يعرف ذاته أي يعرف هويته ومحيطه وبيئته وتراثه وتقاليده ثمّ يحدّد مكانته وسط مجتمعه وفعاليّته أو الانعكاسات السلبية والإيجابية التي تسيطر على سلوكه ومزاجه نتيجة عدم تفاعله نفسانيا مع بعض المخلفات والرواسب الاجتماعية والقيم الأخلاقية إلخ... كل هذا المستمدّ من الواقع المعيش يتّخذ أشكالا تعبيريّة ذات صبغة خيالية لأنّها لا تلامس الواقع إبداعيّا بقدر ماهي تراه من زاوية نقدية. هذا الكتاب إذن يجيب عمليّا أي تطبيقيا على كيفية الوصول إلى الأداء الدرامي من خلال ألعاب درامية تحسيسية الغاية منها «النهل من الواقع لتغذية الخيال» وكلّما تغذّى الخيال كلّما توصّل ممارس اللعبة الدرامية إلى التطهر من كل العقد التي يسبّبها له الواقع... لذلك كان للمسرح دور التطهير منذ الأزل. يقدّم هذا الكتاب الدكتور في علم الاجتماع محمد نجيب بوطالب ويقول : «وهو إذ يستعرض الألعاب الدرامية كأداة ومنهج للتدريب والتكوين التمهيدي فهو لا يلغي دور المنشط ولا تجربته، فضلا على إبرازه لعوامل الموهبة والهواية التي تثير أغلب اللاعبين وتحرّكهم. فالتمارين الإعدادية تبدأ عادة بتعليم الحركات الدرامية وتمرّ بالتدريب على العمل الجماعي في إطار علاقة تفاعلية بين الأنا والآخر، هذه الألعاب المصاغة من قبل المختصين صياغة متكاملة بيداغوجيا تزوّد المتدربين بالمهارات المسرحية وتمنحهم الثقة في النفس وفي الآخر للقيام بعمل درامي ناجع، فضلا عن وظيفة الألعاب في الحفل التنشيطي من التسلية والترفيه والتثقيف. وفي التمهيد يقول صاحب الكتاب : «كما استعمل الفنّ المسرحي كوسيلة لإدماج الفرد في المجموعة بعد استقراء أغوارها ولهذا سلّط عليه علم النفس الأضواء، ولم يستطع علم الاجتماع تجنّبه بل كان علماء النفس ونظراؤهم من علماء الاجتماع يؤسّسون مختبرات لمعالجة بعض المرضى النفسانيّين، وتمكينهم من فسحة للتعبير عن مكبوتاتهم والاسترخاء، أو لدراسة طابع العلاقات بين أفراد المجموعة والانطلاق منها لدراسة مجتمع بأسره». هذه الألعاب أو التمارين المختبرية لم تأت تنظيرا من طرف الأستاذ زهير بن تردايت ولكنّها طبّقت قبل ذلك مع طالبات المبيت الجامعي العمران وأدّت إلى إنتاج عمل مسرحيّ فاز بجائزة أحسن عمل متكامل في مهرجان المسرح الجامعي للشمال وذلك سنة 1998 وفازت فيه طالبتان من المجموعة بجائزة أحسن ممثلة. قسّم واضع الكتاب هذه الألعاب إلى محاور هي كالآتي : المحور الأوّل : ألعاب تحسيسيّة. هذا المحور يسمح للمجموعة بالتعرف على بعضهم البعض ورفع الكلفة وخلق ألفة لها أهميتها بالنسبة لمواصلة المشوار الإبداعي ويحدث أن يكون بعضهم غير مرغوب فيهم داخل المجموعة لذلك من مهامّ المنشط أن يعالج هذا الوضع بتمكين هؤلاء من تدارك الأمر واكتساب الثقة حتى تكون المجموعة متكاملة... عدد هذه ا لألعاب التحسيسية 17 لعبة منها ما يحاكي (أي شخصيات مركّبة) أو ما يقلّد أو ما يتّخذ الأسلوب التهريجي إلخ... ولكن تنطلق كلّها بسيناريو مفتوح يفسح المجال إلى المخيّلة التي تدفع بالمشاركين إلى التحرّر. المحور الثاني : تمارين إعدادية. هذا المحور يستدرج المشارك إلى التحرّك تحرّكا دراميّا وحتّى يتمّ هذا المحور يستدرج المشارك إلى التحرّك تحرّكا دراميّا وحتّى يتمّ ذلك هناك تمارين شبه رياضية تبدأ بالتنفس والاسترخاء ثمّ نسيان الذات والإندماج في ذوات أخرى تقوم بأفعال مختلفة وعددها 18. المحور الثالث : رقصات كوريغرافيا. إحدى عشر وضعيّة من أوضاع الرقص التعبيري وهي المبادىء الأولية التي توصل إلى فهم النسق الذي يتحرّك به الجسد من خلال إيقاعات معيّنة. المحور الرابع : ألعاب متنوّعة. هذه الألعاب تحضيرية إذ يتطوّر اللعب فيسمح بالكتابة الدرامية أو البحث عن المبادىء الأساسية للكتابة الدرامية. ثمّ يتدرّج الكاتب إلى تحسيس المشاركين بمعنى الإيقاع... ويقترح إيقاعات تقوم على أصوات كالتصفيق. ثمّ يحدّد إمّا مواقف أو شخصيات أو حالات استثنائية وعلى المشارك أن يعيشها ويبلّغها مثلا «كرسي الاعتراف» أو «الجنون» أو «الإعاقة» إلخ... المحور الخامس : العناصر المحيطة بالألعاب الدرامية هذه العناصر هي المكمّلة للعملية الدرامية ولها وظائفها الهامّة ويجب أن يكون لها مبرّراتها مثل : الموسيقى والإنارة والديكور والقيافة والتوضيب ثمّ الإخراج وهو الذي يجعل من كل هذه الوظائف عملا متكاملا فيه تناغم وانسجام ووحدة. المحور السادس : إطلالة على مختبر الإدماج بمسرح روما. الأستاذ زهير بن تردايت قضّى مدّة في هذا المختبر لذلك يقدّم لنا بسطة موجزة عن الدور الذي لعبه هذا المختبر منذ تأسيسه في تكوين الأجيال تكوينا سليما وعن النتائج الإيجابية التي حقّقها وعن المعطيات الضرورية التي يجب توفيرها في هذا المجال لتحقيق هذه النتائج. المحور السابع : صدى تجربة الألعاب الدرامية في تونس. يقول زهير في هذا المحور : إنّ التجارب التونسية المخبرية في جلّها كانت نتائجها كتابة نصّ مسرحي من خلال الارتجال لا أكثر ولا أقل ولم تبدع تيّارا قائما بذاته على طريقة «رانكوني» الإيطالي الذي ذاع صيته بفضل مسرحياته التي قامت على أساس الاندماج مثل «الشستادي صامويل» فالمسرح هو أن نتعلّم وإذا كنّا في بلداننا العربية مثلا نعاني من مشكلة إقبال الجمهور على المسرح فذلك لأنّنا تخلّينا عن تكوين جمهور للمسرح. فحيث نجد المدارس والمعاهد تعجّ بالمنشطين المسرحيين يبكر الأطفال وهم يحبّون المسرح ويتعاطفون معه... إنّ الألعاب الدرامية هي أفضل حلّ لإدماج الأطفال والحفاظ على البنية السليمة للمجتمع. فما الذي يجدينا نفعا لو دفعنا ملايين لتعليم الحساب والفيزياء لأبنائنا ثمّ وجدناهم لا يحسنون التواصل مع الآخر...» الخاتمة : مشروع لبعث مختبر لمسرح الإدماج ويتحدّث عن الأمنية بخلق مختبر «مسرح الإدماج» تكون أهدافه تسهيل اندماج الأفراد الذين يعانون من مشاكل الانغلاق أو الاندفاع أو الاستهتار أو الانزواء ومساعدة من له إعاقة جسدية أو نفسانية أن يتحدّى إعاقته ويتعوّد على الاندماج في داخل المجموعة. ويكون الأسلوب هو اعتماد الألعاب الدرامية كمنهج يتمّ بواسطته تقريب الفرد من الآخرين وتعتمد هذه الألعاب تقنية الارتجال وتقوم على حرية التعبير، أما المستفيدون فهم أطفال تتراوح أعمارهم من الثامنة إلى سنّ الشباب (18 سنة).