* الكتاب : إعلان حالة طوارئ * الشاعر : يوسف رزوقة * الناشر : خاص * الطبعة : الأولى تونس 2002 صدر ديوان شعري جديد للشاعر يوسف رزوقة وعنوانه إعلان حالة الطوارئ وذلك بعد عدد من المؤلفات الشعرية والأدبية الأخرى وآخرها قبل سنة كتاب شعري عن دار تبْر الزمان بعنوان «أزهار ثاني أوكسيد التاريخ». هذا الكتاب الشعري خرج فيه الشاعر الى طور ابداعي آخر وهو مساءلة اللحظة الراهنة بتبدّلاتها الغريبة والمربكة وكذلك ما خلّفه من حالات درامية انخطف أثناءها هذا الكائن الانسان بشيء من الذهول والدهشة وبذلك سعى الشاعر الى ارباك الزمن الحضاري الذي يعيشه خروجا عن المألوف والعادي الذي جعل الناس ينهمرون في هذا السقوط المريع.. سقوط القيم سقوط الحالة (الأوريجنالية) الأصلية. غلاف الكتاب الأمامي به لوحة من أمتع ما أبدع الفنان محمد العايب حيث سهول شمال غرب تونس بحر من الاخضرار، إنه الأمل والخصب وتوق الانسان للحياة.. ثم لوحة أخرى لرومان أوبالكا حيث الأرقام المفتوحة والمنثورة الى اللانهاية وصولا الى النفاذة المقحمة في الفضاء نفسه وهي صورة كما يقول الشاعر مع حصاد هذا الزمان، كائن مثل كائنات أخرى يسقط من علوّه.. بل يلوذ بأرض في هالة من الرعب المفتوح مخلفا فوقه كنز ونجوم السماء.. إنه الانتهاء المريع والسقوط الملغم. ملغمة قرية الطائرين نياما / أفكك شفرة ما يحدث الآن/ أعلن حالة الطوارئ.. هذا هو إذن كتاب الشاعر.. بحدسه العيني على كائنات الكون وهي ترقص بفعل الكلمات.. قد تكون للأخ الأكبر الذي اعتلى سرة الوقت باسم العراء لكن الشاعر في هذه القصائد الممتدة على سنة كاملة هي سنة ما بعد أحداث 11 سبتمبر سعى إلى تمثل مختلف الصور ودلالاتها الجمالية بشيء من فداحة الاحساس واللذة أيضا.. الاحساس بأهمية الانتباه للسقوط وما سيحدث واللذة المتأنية من سذاجة الكائن الذي تحول الى رقم بل الى صورة من أسمى درجات الذل.. أيها الناجون من الآتي : فكّروا في المستقبل وهي لابن النفيس ويراقبك الأخ الأكبر.. تخيّل صورة الآتي، حذاء وهو مطبوع على وجه الى الأبد. أرض الحقيقة والقناع/ رسالة أخرى بعنوان جديد. أتهجى الأرض ومعجمها هذه الأرض المشقوقة أرملة حبلى بغد الغازي المتفرعن، حاميها وحراميها.. لا غرب ولا شرق، انفجر المضروب على يده وانهال على غده.. وعلى الشفتين تيبست الكلمة.. للأخ الأكبر عين.. همّها الأكبر: فرض اليد والنّار.. رقصة للتلاشي هي خاتمة الكتاب المفتوحة أبدا كعين الشاعر السعيد بحزنه حيث نخاع الخرائط والشمس المشرقة في صحراء العينين.. إن لغة الشاعر يوسف رزوقة مرهفة في تركيبها وكذلك مربكة في ما تحدثه من بناءات درامية يدخلنا إليها الشاعر بل يقحمنا فيها طوعا وكرها على نحو يدعو للتلاشي والضحك والعود الى أصل الأشياء.. الطارئة مثلا هناك في أرض الروح الطفولة حيث كان العالم رتيبا في إيقاعه بعيدا عن تدنيس العين والوجه وليس بهذا الشكل على الأقل. رقصة الشاعر المنتشي بآلام يصفها الانسان.. هناك أصوات منبعثة تسمعها وأنت تغوص في إعلان.. هناك عالم آخر تتخيله بل تعيشه بمجرد الانصهار. إن لحظة السقوط المريع من أمرّ اللحظات وهي في الحقيقة حالة وحقبة عنوانها الانهيار حيث عمد الكائن الى العمل على تحويل الكون الى قرية أزرار ومتحف مهجور في الآن نفسه من أجل أسر الكائن الآخر وجلبه إلى أرض القناع حتى تبقى أرض الحقيقة يبابا.. ما معنى أن يتفرعن الكائن ويفرض اليد والنار ثم لا يلبث أن يسقط بفعل خياله الخصب هكذا من علو شاهق ليس تسلية أو استعراضا بل هروبا.. هروب من ماذا.. من سقوط آخر.. كل هذا بسرعة فائقة وساخرة أيضا حيث يسقط الانسان أمام أرقامه التي سطر وهو يضعها ويحصيها.. الارتطام.. وهكذا أيضا يعمل الشاعر يوسف رزوقة على أن يرتطم الجميع بأرض الحقيقة ليعود الانسان الى جسده الناعم وألوانه الخضراء ويسقط بالتالي الحالمون بالنار.. بشفافية شعرية عالية وانسياب درامي مؤلم وبحث مسترسل عن معان قد يفضي إليها كل نص في هذا الاعلان.. يمجّد الشاعر يوسف رزوقة في سخرية أخرى غير ملفتة أحيانا فرعنة الكائن الانساني الخاوية التي لن تفضي إلا الى متاهة موحشة غير منتهية مثل أرقام رومان أوبالكا.. لحظة حاسمة يلتقي خلالها الشاعر بعصره وقراءة وشهادة وكذلك استباقا لترميم ما يمكن ترميمه في معمار العقل البشري الذي صنع الأخ الأكبر.. في غفلة من أبراج البهجة والتاريخ.