بتاريخ 2 3 2004 كتب الزميل «وليد غبارة» مقالا تحت عنوان «لماذا كل هذا التحامل على العاشقين؟» ردا على مقالي «العلاقات العاطفية دمار شامل» الصادر في 21 2 2004 لنناقش بذلك موضوعا حساسا وفي غاية الأهمية لما له من تأثير على نفسية الشباب وعلى حياتهم مستقبلا، ولأنه يعكس رغبة من شباب اليوم في اثبات وجودهم وتكريس استقلاليتهم وقدرتهم على تحمل المسؤولية. ولهذا، وقبل كل شيء، أود أن أشكر زميلي على محاولته اثراء النقاش في هذا الموضوع، حتى وان كان موضوع العلاقات بين الجنسين قد تناولناه وناقشناه كثيرا مع أصدقاء هذا الفضاء، وعسى أن نكشف معا جوانب جديدة في الموضوع وتحصل الاضافة والافادة للجميع. بنى زميلي رده على مقالي على أساس بيان تناقض موقفي وعدم تحديد موقف واضح تجاه القضية حسب ما يؤكده مقاله وتكراره مرارا لكلمة تناقض: «أوجه التناقض في كلامه، العناصر المتناقضة، التناقض الصارخ، تناقضا داخليا فظيعا، دورين متناقضين، لا يحمل موقفا واضحا من العلاقات العاطفية». بينما أردت أن أكون موضوعيا فأبرزت سلبيات تلك العلاقات ثم سردت بعضا من ايجابياتها. أولا: أنا لا أرى فرقا شاسعا بين علاقة تجمع شابا بفتاة أو شاب بأكثر من فتاة أو فتاة بأكثر من شاب فأغلب هذه العلاقات في الوسط التلمذي والطلابي قائمة على الزيف والنفاق والخداع واللامبالاة ولعل أحسن دليل على ذلك أن بعض هذه العلاقات لا يدوم سوى أسابيع أو أيام معدودات، فهي قائمة أساسا على الاعجاب بالشكل والمظهر والجمال الجسدي الذي سرعان ما يتبخر بمجرد أن يغير أحدهما تسريحة شعره أو يلبس ملابسه العادية ويغير تلك الملابس الجميلة والأنيقة المصطنعة للمناسبات لتبرز العيوب وتغير من نظرة الشاب لفتاته ونظرة الفتاة لصديقها ولتتهاوى تلك العلاقة المصطنعة بسرعة البرق. بل ان هذه العلاقات لا تستحق كلمة عاطفية وهي لا تمت حتى للعاطفة بمقدار، فهي علاقات انتهازية أو أنانية أو مصلحية أو وقتية أو غير ذلك فلا أظنه ينفع لاعطائها حقها. فهذا يستغل طيبة تلك الفتاة وتعلقها به لكي تنفق عليه من مال والدها المسكين فيصنع لها في كل يوم فيلما جديدا والعنوان دائما هو هل من مزيد. والآخر يستلف منها كل أشيائها وممتلكاتها والحساب طبعا ليس في الحياة الدنيا. والآخر... والأخرى... والأمثلة على ذلك لا تحصى ولا تعد وليس لعاقل أن ينفيها وآثارها السلبية تنعكس دائما على الذين يدخلون هذه العلاقات من باب سذاجة حسن النية ويرون فيها جدية فتلسعهم العواقب المأساوية وتدمر أعصابهم ونفسياتهم وتحرق أمالهم الخيالية وليجدوا أنفسهم وقد تركوا دراستهم وتأخروا عن الركب وخسروا أشياء كثيرة وخرجوا بخفي حنين. أما عن الحب الذي وضعه زميلي في نفس مرتبة تلك العلاقات فهو بعيد، كل البعد عن هذه الدوامة فالحب الحقيقي والراسخ يعلم المرء العطاء، يسقي قلبه نورا، يزرع في روحه الأمل يدفعه إلى الأمام ويسمو به إلى عوالم أخرى وسماوات وردية لانفاق فيها ولا علاقات مصلحية، فالمحب الحق ان احتاج حبيبه ذراعا يقطع بيديه ذراعه ويهبه اياها. ولكن علينا أن نكون واقعيين وأن نبتعد عن المثالية لنقول بأن الحب لم يخلق ليوجد في الوسط التلمذي فالتلميذ لم يدخل المدرسة إلا لينهل من العلم وينال أعلى المراتب ويساهم في رقيه ورقي عائلته وتقدم جهته وبلاده لا أن يملأ رأسه بأفكار بالية ومهازل فارغة أصبحت تحاصرنا من كل الجهات. لأن الحب وبعده الزواج كتتويج له آتيان لا محالة بعد أن يصير الانثنان قادرين على تحمل مسؤولية تكوين بيت ورعاية عائلة. فلمَ الاستعجال؟ كما أريد أن أوضح أن دعوتي للابتعاد عن تلك العلاقات صاحبتها دعوة لحسن اختيار الأصدقاء والأحباب الأوفياء والمحبين بصدق واخلاص ولا أدري لماذا تجاهل وليد دعوتي لحسن الاختيار وركز على الابتعاد عن هذه العلاقات وهو ما أحالني إلى أنه لم يدرس جيدا مقالي اضافة إلى خطئه في تحديد صدور مقالي وله أن يتثبت من ذلك وتركيزه على فكرة واحدة هي التناقض في حين أن النظرة الفلسفية للأشياء وللوجود تؤكد أن معظم ظواهر الكون والمواضيع والقضايا تعكس جوانب سلبية وأخرى ايجابية. ولهذا يمكن للعلاقات العاطفية أن تكون ايجابية في بعض أوجهها كأن تساعد الشاب على الخروج من عزلته وانطوائيته وعلى تكوين علاقات اجتماعية وصداقات قد تدوم في بعض الأحيان كما أنها تسهم في اشباع حاجياته العاطفية والنفسية وتساهم في تحقيق توازن شخصيته. ولكن رغم بعض الايجابيات المحتشمة والمتواضعة فإن العلاقات العاطفية بين الشباب تدعو إلى الشفقة والأكيد ان هذه العلاقات تسير نحو الأسوأ ويحكمها مستقبل مظلم وغامض والأكيد ان الحل في سبيل اعادة هذه العلاقات إلى سابق عهدها يتمثل في ضرورة التخلي عن بعض العقليات الدخيلة والبائسة وفي التمسك بجذورنا وتقاليدنا وعدم التخلي عن قيمنا ومبادئنا لأننا أمة أخلاق وفضائل. * محمد الأمين الزرلي (باكالوريا علوم تجريبية قابس)