خالد الاسود روائي شاب وعضو فاعل في نادي القصة أنتج روايتين جميلتين (جنين الجدار الباقي وأحلام كاظم يقظان) كاتب من هنا والآن تعلّمنا تجربته الكثير حول اغراء الكتابة في البدايات في صدق يتجاوز المسلمات المعروفة حول الاتفاقات المعقودة مع النصوص والمعارف وتداخل الاشكال الفنية وتمازجها مع بعضها في نص واحد الى غير ذلك من لذائذ المعنى عندما يكون صادقا ومن هنا والآن وهنا حوار معه بمناسبة اللقاء حول روايته الأولى بنادي القصة بالوردية. * كيف جئت الى الرواية؟ انطلاقتي الفعلية في عالم الكتابة كانت شعرية وأذكر أن قصيدتي الاولى وأنا تلميذ بالابتدائي حول فلسطين وفي ذلك العمر كان لي إلمام كبير بالقضية عبر الاستماع الى الاخبار ومتابعة الصحف ثم انتقلت في أواخر السبعينات الى كتابة الخواطر ونشرت بعضها في الصحف التونسية ومنها الى القصة القصيرة حيث فزت بالجائزة الاولى في مهرجان جهوي عن اقصوصة بعنوان زمن الميلاد والبعث عن الانتفاضة الفلسطينية ولعل الدرجة الحقيقية في عالم الكتابة هي في تلك العادة التي أملكها منذ صغري وهي في الاسترسال في كتابة الرسائل العاطفية بصفة مطولة وبشكل غير عادي حتى وجدت نفسي أنساق أخيرا (أي منذ 1994) الى عالم الرواية الرحب. * في جنين الجدار الباقي تغامر ويخترق الحاضر بنص عن الحاضر، فهل قصدت الفعل في الزمن وانجاز خطاب محايد ام ان الموضوع هو الذي فرض ذلك؟ في الواقع تأثرت كثيرا بالشعر المعاصر حيث صار الشعراء المحدثون يمتلكون رؤية ورؤيا. أما الرؤية فهي في الاحاطة بالواقع في كل جوانبه تعبيرا عن وعي باللحظة التاريخية وأما الرؤيا فهي في تلك النظرة الاستباقية للزمن حيث بوسع الشاعر ان يلعب دورا طليعيا في نبوءاته واستقراءاته للواقع في الزمن القادم. وبهذ تنبأ خليل حاوي بثورة الحجارة قبل وقوعها (وهو الذي مات في 1982) هذه الثنائية بين الرؤية هي تعبير حقيقي عن روح المعاصرة وهي التي حاولت تبنيها في رواية «جنين الجدار الباقي لأنه ليس من المعقول برأيي ان يظل النص الروائي رهين المعلوم والمتحقق في الواقع اي نبع الذاكرة فقط لابد من الفعل في الزمن. وقد انطلق النص من مشهد معبّر حين اقتحم بعض أنصار السلام كنيسة المهد تضامنا مع المحاصرين، حلمتُ أثناء المتن الحكائي ان تكبُر تلك الحركة الصغيرة لتصبح عالمية انسانية وها ان أنصار السلام يتقاطرون على فلسطين بل ويموتون على الجدار الفاصل. هل ان خطابي الروائي كان مؤثرا في الواقع!؟ قطعا لا، لأنه يعني ان الروائية المعاصرة يمكن ان تستقرئ المستقبل مثلها مثل الشعر المعاصر. * نعود الى القصة القصيرة، هل هي موجودة أصلا في تجربتك السردية؟ دعنا نتّفق ان انطلاقتي الحقيقية كانت روائية وهو توجه عام اتخذته منذ البداية واذ راهنت ككاتب على الخطاب الروائي وأبقيت القصة القصيرة في مرحلة التمرين فلأن الرواية برأيي تسمح بتوسع أكبر وبتوظيف أكثر ما يمكن من قفرات التعبير كالسرد والوصف والحوار والتأمل والتوثيق وبإمكانه ان يستوعب متونا أخرى كالرسم وسرد الكاميرا وهو اضافة لهذا كله خاضع لتخطيط محكم في بناء الشخصية وتطورها وعلاقتها بالآخرين وهي فضاء رحب لإيصال الخطاب. واثر انتمائي لنادي القصة بالوردية اكتشفت ما يمكن ان تثيره قصة قصيرة واحدة من أفكار ونقاشات الامر الذي يؤكد ثراءها واكتنازها فعادت تستهويني لكتابتها والمتأمل في الواقع اليومي يلاحظ بوضوح كبير كثرة الحكايات الصغيرة التي لها معنى كبيرا أو الايحاء الكبير وقد بدأت فعلا في تسجيل هذه الحكايات في انتظار صياغتها فنيا علما بأني نشرت منذ أيام قصة قصيرة بالحياة الثقافية ومع ذلك تبقى الرواية هي الخيار الامثل لعرض تجاربي السردية. * علاقتك بالمسرح! لقد انتبهتم الى هذه العلاقة مع المسرح في كتاباتي الروائية وتحدث البعض عن المشهدية أو السرد المشهدي في المتن الحكائي وهو ما أشار اليه الاستاذ عبد الواحد براهم في دراسته عن روايتي «أحلام كاظم يقظان» (ستصدر لاحقا في مجلة قصص) حيث استخرج ما يقارب الثلاثة عشرة مشهدا تمثل بنية الرواية واعتبرت انت أن «جنين الجدار الباقي» سيناريو جاهز للتصوير كما هو لكن دعني أوضح لك ان هذه الظاهرة غير مخطط لها ربما تقع في منطقة اللاوعي قبل الكتابة فأنا أسعى قبل الكتابة الى مسرحة الأحداث ومعايشتها بطريقة هي أقرب الى أحلام اليقظة فأتشبع بالمكان وأتخيل تفاصيله ومن ثم أجد اللغة المحكية وخاصة الحوار وهذا ما حصل مثلا في رواية «جنين الجدار الباقي» حيث صغت اللهجة الفلسطينية بطريقة قريبة جدا منها وكأني عشت هناك فعلا وقد لاحظتم ذلك علما بأني لا أسعى الآن الى الفصل بين التجربتين الروائية والمسرحية. * هل لك انتاج اخر خارج الرواية؟ نعم، فقد أذيع لي في شهر رمضان مسلسل في الاذاعة الجهوية بتطاوين ووجد صدى طيبا وكتبت مسرحية كوميدية لممثل معروف ربما ترى النور في السنة القادمة كما تستهويني الكتابة للتلفزة لكني مع ذلك سأسعى في نصوصي الروائية القادمة الى الحد من هذا الزخم المسرحي وقمعه حتى لا يعيق الخطاب الروائي ربما يكون ذلك بالبحث في بديل يشغلني الآ وهو الكتابة العجائبية بكل ما تحمله من فنطازيا وخيال. عموما بالمسرح أو بدونه سننتظر النصوص القادمة لخالد الأسود لأنه كاتب تعد تجربته حتى الآن بالكثير.