"ما يحدث في تونس أزمة مجتمع وليست أزمة وطن" استهلالا لموسمه الثقافي الجديد نظم نادي مصطفى الفارسي للإبداع الذي تشرف عليه السيدة جليلة الفارسي جلسة أدبية بدار الثقافة ابن خلدون مساء السبت الماضي خصصت لدراسة إبداعات الكاتب والإعلامي مراد البجاوي من خلال مداخلتين قدمهما كل من الدكتور الأزهر النفطي والأستاذ محمد عيسى المؤدب وحضرها عدد كبير من الشعراء والأدباء وكتاب القصة القصيرة وعدد من شخصيات المجتمع المدني ومن بينهم الناشطة أم زياد. روايتا «يوسف كما يشاء» و»في بيتنا قناص» كانتا المدخل الرئيسي إلى الشخصية الإبداعية لمراد البجاوي وهو من الأقلام الشابة والواعدة التي التحم عندها الحدث الفني بالحدث السياسي فخرجت رواياته بقارئها من حدود الفردية والذاتية الضيقة إلى فضاء الحرية والكرامة وهو الحريص على المحافظة على تحويل الكتابة السردية إلى سلطة تمتزج فيها المعاناة بالإصرار على الكفاح والنضال. في هذه الجلسة تناول الدكتور الأزهر النفطي دراسة»المناويل السردية في كتابات مراد البجاوي في بيتنا قناص نموذجا» من خلال ثلاثة عناصر هي ملامح الرواية والعلامات النصية في بناء ديباجتها والسرد والوصف والحوار وبناء الرواية وشكلها ونسيجها السردي والتقني. ولاحظ النفطي أن»في بيتنا قناص» تدخل في خانة أدب الثورة وفي صلب أدب المقاومة بسبب إنتاجها لعصارة تجربة عاشها كاتبها زمن الثورة وتجاوز خلالها حدود البيت ليشمل بالسرد والحوار والوصف مدن وقرى البلاد بأسلوب تحولت معه الأماكن والأخبار والأحداث المتسارعة والمتعاقبة ووسائل الإعلام ومناورات الرئيس المخلوع ومحاولاته استمالة الضعفاء ليقفوا معه إلى مولّد للسرد فتشكلت اللحظات الأساسية لمفاصل هذه الرواية التي تحدث فيها مراد البجاوي عن اليأس والحيرة وربط فيها حلقات التاريخ باستعمال تقنيات السرد والحوار لمزيد البوح والاعتراف بالاعتماد على مقولة انه لا يعود ماضي دون حاضر ولا يعود الحاضر دون روابط بالماضي. لثلاثية السرد والوصف والحوار في كتابات مراد البجاوي تداعيات وملاحظات يمكن اختزالها في لغة قوية تحيل على الكاتب وعلى الأديب وهي الكلام العربي المتين واللغة التحتية التي تحيل على لغة حوار الشخوص في ما بينها. تشكيل الفضاء في التجربة الروائية للروائي مراد البجاوي تحدث عنه الأستاذ محمد عيسى المؤدب واعتبر ان الفضاء مكون بارز من مكونات الرواية الحديثة باعتبار قيمته في تشكيل الرواية فهو البنية الأساسية فيها، وهو كل المكونات الحكائية من أطر زمانية ومكانية وأنماط خطاب وشخصيات، تتشكل داخل هذا الفضاء المنتج للحركة والتذكر والتخيل والحلم والرموز.. درس المؤدب خصائص تشكيل الفضاء في رواية مراد البجاوي»يوسف كما يشاء «في ثلاث مستويات هي السرد والزمن والمكان والشخصيات وقال في خصوص فضاء السرد:» يعكس التحام البجاوي بالشخصيات انفتاح الراوي على السيرة الذاتية للمؤلف من جهة وعلى الواقع موجودا متخيلا لذلك ترد حركة السرد حاشدة لمشاهد حكائية متنوعة ومتداخلة بين الآني والاسترجاع والحلم وهو ما يتلاءم مع نفسية البطل وحركته في المكان وتدفق وعيه وانفعالاته.» جزّء محمد عيسى المؤدب حديثه عن فضائي الزمان والمكان باعتبارهما من العناصر الأساسية المكملة للمعمار الروائي اذ فيهما يضبط الفعل الروائي حركته وأبعاده إلى ثلاثة أزمان هي زمن وقوع الحدث الروائي والزمن الفيزيائي والزمن السيكولوجي الذي تتداخل فيه الأزمنة الحاضر والماضي والمستقبل وأكد المؤدب أن أهم صفة للمكان في تجربة مراد البجاوي هي غياب الوصف الطوبوغرافي الدقيق وتطويع الأمكنة لتطوير الحدث وخدمة المواقف الدرامية لدى الشخصيات.. فالقرية وهي مسقط رأس يوسف تحضر في الرواية حاملة لبنية الغربة والفشل والإخفاق وهي بنية نفسية تستدعي السفر او الحركة في المكان للتخلص من تلك الهشاشة النفسية. بالنسبة إلى فضاء الشخصية في كتابات مراد البجاوي فقد انقسم إلى شخصية استقطابية أو رئيسية ومنها شخصية يوسف البطل وهي ذات مرجعية دينية عالج الكاتب من خلالها معاناة شاب مثقف وعاطل عن العمل يعيش غربة عن واقعه القروي فيستأنس بالحلم رغم القيود المعنوية والمادية التي تقيده مثل الفقر والضياع وقتل الأب والحبيبة الحامل. يوسف الذي أقدم على تمزيق الشهادة الجامعية في حركة واعية محتجة على الظلم والقهر والرشوة ومزّق بطاقة الهوية دون صورة العلم ليقول ان الغضب والثورة إنما هي حالة واعية ضد سلطة ونظام وليست ضد وطن وهوية.. أما الشخصية الثانية فهي الشخصية الثانوية والعابرة التي تساهم في إثراء التشعب الحكائي للرواية يستدعيها الكاتب من حرارة الواقع الحكائي لتساهم في إضاءة الشخصية المحورية أو تأزيمها وكذلك للإشارة إلى قضايا فرعية تتنزل في إطار الانزياحات النقدية للرواية. وخلص الدارس إلى أن رواية يوسف كما شاء حفلت بوعي فني وجمالي ونقلت عبر اللغة مسار شخصية متأزمة في هويتها وقيمها ومصيرها .. وقال»وهي في الواقع أزمة مجتمع تربى على هشاشة ويتم وضياع ولم تكن بالمرة أزمة وطن.» وفي ايجابته عن علاقة كتاباته بالواقعية وهل كانت اختيارا أم فرضا أكد مراد البجاوي على انه استفاد من عمله في الإعلام وفي التدريس وانه ربما يكون هو القناص الذي تحدث عنه في روايته الثانية كما انه استفاد من عمله في البناء وفي مخبزة مدينة تستور ومن إقامته ليلا نهارا في الإذاعة الوطنية خلال الثورة وانه اختزن الكثير من الصور والحيرة والألم واليأس من خلال تلقي المكالمات الهاتفية التي عبرت على حيرة المواطن وخوفه وسؤاله" تونس إلى أين؟"