مخطوطات تونسية في مكتبات أجنبية وأخرى تنتظر الفهرسة منذ عشرات السنين تونس الشروق كنا تطرقنا سابقا في لقاء مع الأستاذ عبد الحفيظ منصور الباحث في المخطوطات العربية إلى جملة من القضايا والمسائل التي تتعلق بمخطوطات الطب والصيدلة والبيطرة والبيزرة الموجودة بدار الكتب الوطنية. وبرزت أثناء حديثنا عدة معطيات وتساؤلات تخص ضعف عمليات الفهرسة وقلتها بالمقارنة مع العدد الجملي للمخطوطات، ووجود مخطوطات خارج تونس لم يقع استعادة نسخها الأصلية إلى الآن اضافة الى المخطوطات النادرة التي تزخر بها البلاد التونسية. ورغم المجهود الذي تبذله هياكل الدولة وخاصة دار الكتب الوطنية لحفظ رصيدنا من المخطوطات فإن الحالات التي تستوجب المتابعة موجودة رغم أنها لا تمثل ظاهرة أو مشكلة كبرى. من ذلك أن أحدهم »استعار« مخطوطة منذ الستينات وبقيت في ذمته إلى وفاته فقام الورثة ببيع التركة وحصل أحدهم على المخطوطة بثمن زهيد لكنه عوض أن يعيدها إلى مكانها الأصلي قرر بيعها في الخارج ويقال إن المخطوطات تباع في الخليج مثلا بأثمان باهظة. وهذا ما يشجع البعض على التفريط في ما لديهم من كنوز من أجل بعض الملايين. ويذكر الأستاذ عبد الحفيظ منصور أن الرق الأزرق (نوع من الورق) وهو من بقايا المكتبة الأغلبية كان عدده في تونس كبيرا جدا لكن أثناء عملية التجميع التي تمت عام 1967 تبين أن عدده تقلص بشكل غير مسبوق. وقيل إن الدولة التونسية سعت إلى شراء البعض منه عندما علمت بوجود كمية منه في لندن، لكن لا يعرف إلى الآن كيف وقع تهريبه وايصاله الى عاصمة أوروبية مثل لندن، كما تملك تونس مجموعة من المخطوطات الثمنية تقبع حاليا في رفوف مكتبة الفاتيكان. وقد كان الجنود الإسبان أثناء دخولهم الأراضي التونسية وراء نقل هذه النفائس الى حكام الفاتيكان الذين احتفظوا بها لقيمتها الدينية والتاريخية والثقافية بالتأكيد. مخطوطات غير مفهرسة ولئن تطرح هذه الحالات المعدودة قضية استعادة النفائس التراثية التونسية، فإنها تدفعنا إلى التساؤل عن مصير المخطوطات غير المفهرسة، فهل يعقل أن يتمكن شخص واحد هو الأستاذ عبد الحفيظ منصور من تبويب وفهرسة حوالي 20 ألف مخطوط، بينما لم يتجاوز ما فهرسته المكتبة الوطنية منذ 1968 حوالي 8 آلاف مخطوط (العدد الجملي التقريبي لمخطوطاتنا هو20 ألف مخطوط). ويذكر أن عمليات الفهرسة والاهتمام بالمكتوب من النفائس التراثية من الأنشطة العلمية والتاريخة التي بدأت تفرض نفسها على مختلف مراكز البحث في أوروبا وأمريكا وقد تم استحداث العشرات من الأقسام المخصصة أساسا لفهرسة ودراسة المخطوطات المكتوبة بالخط العربي. وكشفت مديرة مركز بحث فرنسية أنها قامت بفهرسة مجموعة من المخطوطات العربية التي وصلتها من بعض الأطراف في أقل من سنتين وهذا أكبر دليل على اهتمام الغرب بتراثنا العربي الإسلامي. ويثير الخبراء هنا مشكلة غياب المثقفين التونسيين عن المشهد التراثي وخاصة عالم المخطوطات والنفائس المكتوبة بالخط العربي. فمن عام 1961 إلى عام1968 أي عند اشرافه على قسم المخطوطات بدار المعلمين العليا بتونس لاحظ الأستاذ عبد الحفيظ منصور أن مثقفا واحدا هو الأستاذ محمد السويسي استعان بقسم المخطوطات عندما كان بصدد اعداد شهادة الدكتوراه وقد استنتج آنذاك أن 80 من مصطلحات علم الرياضيات عربية المنشأ والمؤكد أن الوضعية تحسنت قليلا منذ الفترة المذكورة لكن اهتمام الأساتذة الجامعيين بشهادة العارفين لم يرق بعد إلى المستوى المأمول.