كشف اللواء مزهر طه أحمد الغنام عضو قيادة الأركان في وزارة الدفاع العراقية، أن سوء التخطيط لمعركة بغداد والقصور الكبير في أداء الحرس الجمهوري وسوء تمركزه في محيط المدينة وغياب التنسيق وإقصاء وزارة الدفاع من قيادة المعركة وإسنادها الى قيادة لا تملك أي خبرة عسكرية، كلها عوامل اجتمعت لتؤدي الى انهيار العاصمة العراقية وسقوطها نهائيا في التاسع من أفريل الماضي بقبضة قوات الاحتلال الأمريكية. وفي مقابلة أذاعتها الليلة الماضية قناة «الجزيرة» القطرية، استبعد اللواء مزهر حدوث خيانة من القيادات العليا في الحرس الجمهوري والجيش لكنه أكد أن عراقيين من الخارج والداخل تعاونوا مع الأمريكيين وسهّلوا لهم الغزو.وفي هذه المقابلة استعرض عضو قيادة الأركان في وزارة الدفاع العراقية أسباب سقوط بغداد مشيرا بالأساس الى سوء الإدارة والتخطيط وعدم كفاءة بعض القيادات وتدخل السلطة بل احتكارها للقرار العسكري. وأشار في هذا السياق إلى أن قصي النجل الأصغر للرئيس العراقي صدّام حسين الذي كان يشرف على الحرس الجمهوري والقوات الخاصة التي كان يفترض أن تكون صمّام أمان لبغداد وحائلا دون تعرضها للاقتحام، لم يكن مؤهلا لقيادة معركة الدفاع عن العاصمة بحكم افتقاده التكوين العسكري حيث أنه خرّيج قانون وعمل في المجال الأمني. وحمّل اللواء مزهر الغنام قصي صدّام المسؤولية المباشرة عن سقوط بغداد ملاحظا أنه كان يملك كل الصلاحيات بل ويتجاوزها.. ولاحظ اللواء العراقي أيضا أن الجيش العراقي كان مستعدا للدفاع عن البلاد على الرغم من عدم تكافؤ القوى ولم يكن يفكر بالهزيمة. وقال ان وزارة الدفاع كانت واثقة بقدرة هذا الجيش على الدفاع عن البلد باعتبار أنه جيش عريق خاض عدة حروب كما أن قادته تكونوا في أكبر المراكز العالمية.. لكن عضو قيادة الأركان العراقية أشار في سياق استعراضه للعوامل التي تظافرت وعجّلت بسقوط بغداد الى تدخل القيادة السياسية في مجال عمل وزارة الدفاع التي لم تعد قادرة على التخطيط على الرغم من الشخص الذي كان على رأس الوزارة (اللواء سلطان هاشم أحمد) مشهود له بالكفاءة وكان يفترض أن يكون المسؤول عن معركة بغداد لا أن يكون قصي هو المسؤول. وأشار اللواء العراقي أيضا الى أن كبار الضباط أصحاب الخبرة تمّ اقصاؤهم من الجيش (لاعتبارات تتعلق بهواجس الأمن) وهو ما أفقد هذا الجيش نخبه الفاعلة. وبالنسبة الى هذا العسكري فإن قيادات الجيش لم تكن في المستوى المطلوب وهذا احد العوامل التي حالت دون الدفاع بالشكل الصحيح عن بغداد. وأوضح انه تم التخطيط لأن تجرى الحرب داخل المدن في حال تطويقها حتى لو انقطعت الاتصالات مع القيادة وهذا ما حصل في أم قصر وسدة الهندية والسماوة والناصرية في الجنوب لكن الخطة فشلت في المقابل في بغداد. وأكّد اللواء مزهر ان السقوط لم يكن متوقعا فقد كانت الخطة تقتضي ان تقاتل القوات العراقية القوات الغازية في كل المدن... غير أنه اشار الى ان «المراجع العليا» (قيادات النظام) لم تمكن وزارة الدفاع من الاعداد لمعركة بغداد مرجحا ان يكون الموقف عائدا لاعتبارات أمنية. وأكّد ان قصي رفض ان تكون وزارة الدفاع (المشرفة على الجيش النظامي) هي من يدير معركة بغداد واعتبر ان الحرس الجمهوري والحرس الخاص قادران على تنفيذ المهمة بنجاح. وشدد عضو قيادة الاركان العراقي على ان مسرح العمليات حول بغداد (وداخلها ايضا) لم يكن معدا بشكل جيد فخطة الدفاع كانت سيئة حيث كان من المفترض تخريب الجسور وزرع الالغام (لعرقلة تقدم العدو) وتوزيع العتاد واعداد مرابض الدبابات واعداد مرابض بديلة. ولاحظ اللواء مزهر الغنام مرة أخرى ان القرار السياسي كان يسير في اتجاه آخر مخالف تماما... وقال ان الرأي الطاغي في وزارة الدفاع كان يقول انه ينبغي ان يشترك الجميع (الجيش والحرس الجمهوري والقوات الخاصة والعشائر وسكان الاحياء) في الدفاع عن المدينة لكن هذا لم يحصل... وبعد ان أشار ايضا الى أن معنويات الجيش العراقي كانت عالية جدا في البدء، أوضح العسكري العراقي السابق ان اندفاع القوات الغازية بسرعة من الجنوب باتجاه الشمال والاداء الضعيف لفرق الحرس الجمهوري الست زيادة على القصف الجوي الامريكي العنيف ادى الى حدوث انهيارات متلاحقة كان اكبرها الانهيار الحاصل في بغداد. وأوضح اللواء مزهر ان من الاسباب التي أدت الى انهيار خطة الدفاع عن بغداد نشر وحدات الحرس الجمهوري وتوزيعها خارج بغداد بشكل متأخر وهو ما سهل للامريكيين رصد الفرق المنتشرة في البساتين. وقال ايضا انه لم تكن للحرس الجمهوري خطة مناورة كما لم تكن هناك خطة لتنقل الوحدات في القطاعات وتحريكها وهو ما أفقد القوات المدافعة عن بغداد القدرة على المناورة ومهاجمة العدو. وحسب اللواء مزهر الغنام فان قيادة الحرس الجمهوري (التي كان يتولاها قصي) لم تتجاوب على ما يبدو مع التطورات المتسارعة على الجبهة الى غاية معركة المطار... ولم يقف اللواء العراقي طويلا عند معركة المطار التي حسمت معركة بغداد لكنه لاحظ أن التفوق الجوي الأمريكي كان عاملا حاسما في الحرب. وأكد أنه لم تحدث فوضى في وزارة الدفاع حتى بعد دخول القوات الأمريكية الى بغداد. كما أكد أن الوزارة كانت تنقل الفرق والألوية الى الحرس الجمهوري الى غاية دخول طلائع القوات الأمريكية الى بغداد في السابع من أفريل. وأشار في السياق ذاته الى أنه بالتوازي مع عدم وضوح انتشار الحرس الجمهوري (بالنسبة الى الجيش النظامي)، كانت هناك «لخبطة» كبيرة من جانب القيادة المسؤولة عن العمليات خصوصا أثناء استقبال وارسال الوحدات الى مسرح القتال في محيط بغداد ملاحظا غياب الاسناد الاداري ونقص الامداد اللوجيستي. وأكد أيضا أن من أسباب الانهيار كثرة التنظيمات العسكرية (فدائيو صدام وجيش القدس والحرس الجمهوري والحرس الخاص وميليشيا حزب البعث..) حيث أن هذه الكثرة أضرت أكثر مما نفعت.. وأضاف عضو قيادة الاركان العراقية أنه تمّ التأكد من سقوط بغداد في التاسع من أفريل مشيرا الى أن الاتصال مع القيادة العراقية انقطع اعتبارا من فجر الثامن من أفريل. وحسب اللواء مزهر فإن دور وزارة الدفاع كان هامشيا في تلك المواجهة. ولخص اللواء العراقي أسباب الانهيار في الفجوة بين النظام والشعب وتحييد وزارة الدفاع عن التخطيط وغياب قيادة قادرة على ادارة المعركة وعدم وجود غرفة عمليات يشرف عليها وزير الدفاع بنفسه، واصفا ما حصل بالنكبة. خيانة أم لا ؟ واستبعد اللواء مزهر الغنام أن تكون قد حصلت خيانة من القيادات العليا في الحرس الجمهوري لكنه تحدث عن «تقصير واهمال وسوء ادارة». غير أنه أشار في المقابل الى أن عراقيين من الداخل والخارج تعاونوا مع القوات الأمريكية لتسهيل الغزو سواء عبر الاتصال المباشر أو من خلال الترويج للانهيار. وقال انه لم يتحقق من حدوث خيانة كبرى في صلب القوات المسلحة على الرغم من كل ما قالته ادارة بوش في هذا الاتجاه. وأشار الى أن القائد الميداني في الحرس الجمهوري سفيان ما هر التكريتي الذي تردد أنه خان بلده، لا يزال متواجدا في العراق بل ان الأمريكيين يبحثون عنه! وتقول روايات عديدة ان الامركيين نقلوا التكريتي وضباطا آخرين كبارا الى خارج العراق بعد انجاز «صفقة» بيع بغداد. حرب مدن... لم تتم وفي سياق الشهادات ذاتها تحدث أحد قادة الحرس الجمهوري عن أساب الانهيار السريع لبغداد ومعركة المطار وما أشيع عن خيانة ومؤامرة في صفوف قيادات الحرس الجمهوري. وأوضح أن الخطة الاساسية هي جرّ الأمريكان وحلفائهم الى حرب مدن ولكن تغيير القوات المعادية لخطتها والقصف المكثف بالاسلحة المحظورة حسم المعركة لصالحها. وقال ان قطاعات الحرس الجمهوري كانت موزعة على عدة مناطق وكان لكل وحدة خطة دفاع عن المنطقة الموجودة فيها وكان من المتوقع في البداية أن تتقدم القوات الغازية مباشرة للسيطرة على بغداد ولكن ما جرى أن هذه القوات تقدمت بشكل الاحتلال التدريجي. وأضاف أن في الحرب الحديثة يتوجب وجود وسائل اتصال سريعة وكذلك غطاء جوي لتأمين الدفاعات والوحدات البرية ولكن عدم تكافؤ ميزان القوى حسم المعركة لصالح الغزاة. وقال ان القيادات في الحرس الجمهوري وضعت خطة لمعالجة نقائص الاتصالات لكن الانزالات السريعة والقصف المكثف حال دون منع الانهيار في صفوف غالبية القطاعات الحربية. وأوضح أن فرقتي بغداد والمدينةالمنورة دمّرتا تقريبا بالكامل نتيجة غياب الغطاء الجوي ونتيجة استخدام أسلحة محظورة. وحسب شهادات القائد العسكري في الحرس الجمهوري فإن الأسلحة التي استخدمت غير تقليدية فمثلا قصفت ناقلة جند بصاروخ فلم يبق لها أثر على الاطلاق وأصيبت دبابة وزنها 42 طنا فلم نعثر على جزئيات من حطامها إلا بعد 500 متر. وتساءل لذا كان هذا فعل هذه الاسلحة في الحديد فكيف سيكون فعلها في الجيش العراقي. وكشف الضابط العراقي السابق ان قوات الحرس الجمهوري لم تشارك بكل فرقها في القتال بسبب الارباك الحاصل نتيجة القصف الشديد وانعدام الاتصالات ولو ان الحرس الجمهوري شارك بكل فرقه لكانت خسائر الغزاة افدح. اصرار على القتال ومع أن الجيش العراقي كان تحت قصف مكثف الا انه كان مصمما على القتال حتى الموت. ويقول الضابط العراقي السابق ان تسلل بعض الجنود من وحداتهم كانت نتيجة حالات الارباك ونتيجة انهيار المعنويات خاصة مع انعدام وسائل الدفاع المتطورة. وتتطابق شهادة هذا الضابط في الحرس الجمهوري مع الشهادة السابقة للواء مزهر طه احمد، اذ ان خطة الدفاع عن بغداد كانت موجودة لكن تهيئة مسرح التنفيذ كانت شبه منعدمة. من جهة أخرى اكد القيادي السابق في الحرس الجمهوري ان ما قيل عن سيطرة القوات العراقية على مطار بغداد بعد ان احتله الامريكان كان صحيحا ولكن عادت القوات الامريكية في اليوم التالي واحتلت المطار بعد ان قصفت القوات العراقية فيه بأسلحة محظورة. وانتهى الى القول بأن هناك علامات استفهام كثيرة هو ذاته لا يجد لها اجابات مثل عدم تدمير الجسور وزرع الالغام. أما في ما يتعلق بما أشيع من أنباء حول الخيانة والمؤامرة في صفوف الحرس الجمهوري، نفى الضابط العراقي السابق صحة تلك الاقاويل مؤكدا ان سفيان ماهر التكريتي ابرز قادة الحرس الجمهوري ظل على رأس فرقته يقاوم الغزاة حتى يوم الثامن من افريل يوم قبل سقوط بغداد. واضاف انه التقاه في ذلك اليوم على احدى بوابات بغداد. كما نفى ان تكون صدرت اوامر من التكريتي او ايا من القيادات العسكرية الكبيرة بالتخلي عن القتال والانسحاب.