العراق هو موطن الأساطير بامتياز، أعني الأسطورة من حيث هي فكر وتجربة تجسّد حضور الانسان الدائم في الكون باعتبارها نسقا لازمانيا وتذكيرا بالعود الأبدي للشيء نفسه، ولكن العراق يصنع أساطيره أيضا. ومن هذه الأساطير أسطورة «الفلّوجة» التي يتهيأ لكثير منا انها تبزغ هكذا فجأة في تاريخ العراق المعاصر، وكأن المرء يدخل احدى دور السينما بعد بداية العرض، فيأخذ بالتلفت حوله ويهمس للجالس بجواره سائلا عما حدث. ثم يتماسك ويلتقط خيطا من هنا وخيطا من هناك.. وشيئا فشيئا يلمّ بالأحداث ويتعرّف الى الشخصيات. ومن ثم يبدأ بمتابعة الشريط دون كبير عناء متجاوزا موقف «الذي وصل متأخرا». وعلى ما في هذه الصورة من حسن ظن بالمتفرج فإن مدينة الفلّوجة تلوح هكذا لغير واحد منا، اذ نكاد لا نعرف من مدن العراق سوى بغداد والبصرة والموصل والنجف وكربلاء وبابل.. ولكن الفلّوجة لها تاريخها. وهو أشبه بنقطة الضوء في أحداث هذا المشهد التي تلتف ويلوي بعضها على بعض فيما يشبه أيقونة مغلقة. وليس أدل على ذلك من هذه القصيدة التي قالها الشاعر العراقي الراحل معروف الرصافي في مدينة الفلوجة البطلة ومقاومتها الاستعمار عام 1491.أيها الانقليز لن نتناسى ذاك بغي لن يشفي الله الا هو كرب تأبى الحميّة أنّا هو خطب أبكى العراقيين حلّها جيشكم يريد انتقاما يوم عاثت ذئاب (أثور) فيها فاستهانت بالمسلمين سفاها وأدرتم فيها على العزّل كأسا واستبحتم أموالها وقطعتم أفهذا تمدّن، وعلاء أم سكرتم لما غلبتم بحرب قد نتجنا لقُوحها عن خداج هل نسيتم جيشا لكم منذعرّا وهوى بانهزامه حصن «أقريط» سوف ينأى بخزيه وبعار لا تغرنّكم شباك كبار لستم اليوم في المسالك الا وطن عشت فيه غير سعيد أتمنى فيه السعادة لكن أخصب الله أرضه ولو أني كل يوم بعزة أتغنى ما حياة الانسان بالذل الا فثناء (للرافدين) وشكرا بغيكم في مساكن «الفلّوجة» بالمواضي جريحة وشجيجه بسوى السيف نبتغي تفريجه والشام وركن البنية المحجوجه وهو مغر بالسكاكين علوجه عيثة تحمل الشّنار سميجه واتخذتم من اليهود وليجه من دماء بالغدر كانت مزيجه بين أهل الديار كل وشيجه شعبكم يدّعي اليه عروجه لم تكن في انبعاثها بنضيجه فلذاك انتهت بسوء النتيجه شهدت جبنهُ سواحل إيجه وأمسى قذى على «عين فيجه» عن بلاد تريد منها خروجه أصبحت لاصطيادنا منسوجه جملا تحت صدره دحروجه عيش حر يأبى على الدهر عوجه ليس لي فيه ناقة منتوجه لست أرعى رياضهُ ومروجه جاعلا ذكر عزه أمزوجه مرة عند حسوها ممجوجه وسلاما عليك يا فلّوجة الوجه الصّبوح للنّمور أيضا جمالها الفتّان، ذلك الذي تزيده المخالب فتنة وبطشا. وللنساء أيضا «نمرات»