حتى ملاعب كرة القدم في فلوجة العز والشرف والإباء، تقاوم وتقاتل وتستشهد... وهذه قصة تروى. أبناء الفلوجة عرب أقحاح.. رضعوا حليب العروبة النقي الصافي.. وكله قيم نبيلة وشهامة ورجولة.. وكله نخوة وحمية مهما عظم الكرب وكبرت البلية... هؤلاء تعلموا على مر الزمن ألا يحنوا الهامات الا الى الخالق سبحانه وتعالى.. وعلى مر الزمن بقوا رجالا منتصبة هاماتهم، شامخة أنوفهم، كبيرة وعزيزة نفوسهم.. عندما جاء الأمريكان، غرّهم تواطؤ البعض وخيانة البعض الآخر.. وخدعهم راكبو الدبابات بأن صوروا لهم الغزو ثم الاحتلال على أنه مجرد نزهة كلها متعة وفيها ورد في الطريق مفروش وآرز في الأزقة والحارات مبثوث.. وفوق هذا أعماهم غرورهم وزادتهم ترسانات السلاح على الارض وعلى الظهور والحائمة مع الطيور غرورا على غرور... فدخلوا الفلّوجة وعربدوا الى ان طفح الكيل وانتفض الأشاوس ليحوّلوا نزهتهم الى كابوس مرعب ويحولوا أيامهم ولياليهم الى جحيم... اطلقوا كل شيء على الفلوجة.. مروحيات «الكوبرا والأباتشي» لم تكف.. مقاتلات اف16 واف18... لم تكف.. وقصفت، دمّرت، قتلت المئات وأصابت الآلاف، لكنها لم تكف لكسر ارادة الرجال.. تكلم القصف والقتل بالليل والنهار، كبرت المعاناة وتكدست الجثث في الشوارع الضيقة وفي البيوت وفي المستشفيات الميدانية.. ومع هذا صمدت الفلوجة.. وظل أهالي الفلوجة صامدين واقفين في وجه أعتى قوة عرفها الدهر.. وحين طلبت الفلوجة فسحة من الزمن لتشيع أحبتها الى مثواهم الاخير، رفض المتربصون بالمدينة وأمعنوا في اطلاق النار على كل شيء يتحرك.. كل ذلك على أمل أن تركع الفلوجة.. لكن هيهات.. الفلوجة لا تركع الا للخالق.. ولئن منع الأهالي من نقل شهدائهم الى المقبرة، فقد تطوع ملعب الفلوجة لتنفيذ «عملية استشهادية» من نوع فريد.. بأن فتح صدره واحشائه لاحتضان الشهداء مودّعا بذلك صخب كرة القدم وهرج اللاعبين والمتفرجين.. ومع الشهداء استشهد ملعب الفلوجة.. ومعهم صعدت «روحه» الى عليّين.. الى جنات الخلد. نعم... لسنا ممسحة لأخطاء الأمريكان ! الرئيس اللبناني اميل لحود نطق قبل أيام باسم كل العرب.. وأطلق صرخة مدوية في وجه الظلم والجبروت.. واي ظلم أعظم من ذلك الذي يتعرض له العرب في فلسطين والعراق حيث تتبارى آلتان للقتل والتدمير على إبادة أشقائنا.. وعلى اصابة 300 مليون عربي ب»الدمار الشامل» القادم مع الاحساس بالقهر والاحباط وهم يرون كيف تغتال الحرية وتعبث بحياة البشر وكرامتهم بلا حسيب أو رقيب.. ليس هذا فقط.. المطلوب منا الآن وقد تورط الأمريكان في مستنقع المقاومة العراقية هو أن نهبّ لنجدتهم وإن لزم الامر بإرسال جيوش عربية لتهدئة الأشقاء العراقيين وتأمين احتلال مريح لقوات الاحتلال.. فيهنأ الأمريكيون بالنفط وبعسل إعادة الإعمار وينصرفوا الى «إعادة تشكيل» المنطقة بما يخدم مصالحهم ومصالح حلفائهم الصهاينة بكل سكينة وفي كنف الاستقرار.. وعلى هذه الوتيرة قريبا يطلبون منا ارسال جيوش عربية أخرى الى فلسطينالمحتلة ليس لتحريرها او نصرة شعبها المظلوم وانما لمساعدة شارون على كسر إرادة أبطال الانتفاضة ليهنأ بدوره بهدايا صديقه بوش وبابتلاع فلسطين في راحة وأمان. هذا الصلف لا يرضاه عربي.. حاكما كان أو محكوما.. لذلك نطق الرئيس لحود.. وحين نطق فكأنما تلكم بلسان مئات ملايين العرب ليقول للغطرسة وللاستهتار : كفى... كفى نحن بشر نحسّ وندرك معنى الانتماء. كفى، نحن أمّة لها تاريخها وأمجادها.. ولها أحلامها ولها حقوقها.. وهي لا تطلب أكثر من حقوقها. كفى نحن أمة لها كرامتها.. وقد تسكت على الظلم وعلى الضيم ولكنها أبدا لا تتخلى عن كرامتها... كفى لسنا ممسحة، تكنس الخطايا والذنوب... ولسنا ممسحة تزيل الشوائب والعقبات لتأخذ سبيلها الينا الدبابات.. رجاؤنا أن تكون رسالة الرئيس لحود قد وصلت الى أصحابها.. فهي رسالة مكتوبة بمداد الشرف والرجولة وتحمل ختم 300 مليون عربي يرددون مع الرئيس لحود : نعم، لسنا ممسحة لأخطاء الأمريكان.. ونحن أبناء هذه المنطقة وأصحابها وحين نتحول الى ممسحة أو مكنسة فإن ذلك لن يكون الا لمسح عار الاحتلال وكنس المحتلين في فلسطين والعراق بعيدا عن أرضنا وعن حياضنا. أكثر من هذا فقد أسقط مقاتلوها أسطورة تفوق الجندي الأمريكي تماما، كما أسقط أشقاؤهم في فلسطين أسطورة الجندي الاسرائيلي الذي لا يقهر.