المنظمة الدولية للهجرة: إعادة 2600 مهاجر من تونس إلى بلدانهم خلال 4 أشهر    رقم قياسي: 1550 مليون دينار أرباح البنوك للعام الماضي    متعاملون: تونس تطرح مناقصة لشراء 100 ألف طن من قمح الطحين اللين    بطولة العالم لالعاب القوى لذوي الاعاقة : وليد كتيلة يهدي تونس ميدالية ذهبية ثالثة    الرابطة المحترفة الأولى (مرحلة تفادي النزول): حكام الجولة الحادية عشرة    البطولة الانقليزية: نجوم مانشستر سيتي يسيطرون على التشكيلة المثالية لموسم 2023-2024    عاجل/ مدير بالرصد الجوي يحذر: الحرارة خلال الصيف قد تتجاوز المعدلات العادية وإمكانية نزول أمطار غزيرة..    ارتفاع أسعار الأضاحي بهذه الولاية..    عاجل/ آخر المستجدات في ايران بعد وفاة "رئيسي": انتخاب رئيس مجلس خبراء القيادة..    عاجل : قتلى وجرحى في غرق ''ميكروباص'' بنهر النيل    عاجل : نقابة الصحفيين تدعو الى وقفة للمطالبة بإطلاق سراح الزغيدي و بسيس    الموت يفجع حمدي المدب رئيس الترجي الرياضي    إحداث خزان وتأهيل أخرين واقتناء 60 قاطرة لنقل الحبوب    كوبا أمريكا: ميسي يقود قائمة المدعوين لمنتخب الأرجنتين    وفاة نجم منتخب ألمانيا السابق    لأول مرة: إطارات تونسية تصنع الحدث .. وتقود نادي سان بيدرو الإيفواري إلى التتويج    دورة رولان غاروس الفرنسية : عزيز دوغاز يواجه هذا اللاعب اليوم    وزير الفلاحة : أهمية تعزيز التعاون وتبادل الخبرات حول تداعيات تغيّر المناخ    مناظرة انتداب عرفاء بسلك الحماية المدنية    مفزع/ حوادث: 22 حالة وفاة و430 مصاب خلال 24 ساعة..    فظيع/ هلاك كهل بعد اصطدام سيارته بشجرة..    في الملتقى الجهوي للمدراس الابتدائية لفنون السينما ..فيلم «دون مقابل» يتوج بالمرتية الأولى    الكاف ..اختتام الملتقى الوطني للمسرح المدرسي بالمرحلة الإعدادية والثانوية    توزر ..تظاهرة إبداعات الكتاتيب «طفل الكتاب إشعاع المستقبل»    إختفاء مرض ألزهايمر من دماغ المريض بدون دواء ماالقصة ؟    اصابة 10 أشخاص في حادث انقلاب شاحنة خفيفة بمنطقة العوامرية ببرقو    نقابة الصحفيين تحذر من المخاطر التي تهدد العمل الصحفي..    بدأ مراسم تشييع الرئيس الإيراني ومرافقيه في تبريز    رئاسة الجمهورية السورية: إصابة أسماء الأسد بسرطان الدم    وزارة الفلاحة: '' الحشرة القرمزية لا تُؤثّر على الزياتين.. ''    صلاح يُلمح إلى البقاء في ليفربول الموسم المقبل    هام/ هذا عدد مطالب القروض التي تلقاها صندوق الضمان الاجتماعي..    وزير الأعمال الإيطالي يزور ليبيا لبحث التعاون في مجالات الصناعة والمواد الخام والطاقة المتجددة    البرلمان يعقد جلستين عامتين اليوم وغدا للنظر في عدد من مشاريع القوانين الاقتصادية    كان يتنقل بهوية شقيقه التوأم : الاطاحة بأخطر متحيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي ...    الحماية المدنية التونسية تشارك في عملية بيضاء لمجابهة حرائق الغابات مع نظيرتها الجزائرية بولايتي سوق أهراس وتبسة الجزائريتين    سامية عبو: 'شو هاك البلاد' ليست جريمة ولا يوجد نص قانوني يجرّمها    سليانة: معاينة ميدانية للمحاصيل الزراعية و الأشجار المثمرة المتضرّرة جراء تساقط حجر البرد    عمرو دياب يضرب مهندس صوت في حفل زفاف.. سلوك غاضب يثير الجدل    الدورة 24 للمهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون تحت شعار "نصرة فلسطين" و289 عملا في المسابقة    عاجل/ تركيا تكشف معطيات خطيرة تتعلق بمروحية "الرئيس الإيراني"..    قبلي: تخصيص 7 فرق بيطريّة لإتمام الحملة الجهوية لتلقيح قطعان الماشية    وزير الدفاع الأميركي: لا دور لواشنطن بحادثة تحطم طائرة رئيسي    طقس الثلاثاء: الحرارة في انخفاض طفيف    49 هزة أرضية تثير ذعر السكان بجنوب إيطاليا    منوبة.. إيقاف شخص أوهم طالبين أجنبيين بتمكينهما من تأشيرتي سفر    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    أغنية لفريد الأطرش تضع نانسي عجرم في مأزق !    تقرير يتّهم بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوّث أودت بنحو 3000 شخص    الشاعر مبروك السياري يتحصل على الجائزة الثانية في مسابقة أدبية بالسعودية    نحو الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    تونس تتوج ب 26 ميداليّة في المسابقة العالميّة لجودة زيت الزيتون في نيويورك    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرايا: موسم الهجرة الى الشرق
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

قبل ان تستحكم نزعة «المركزية الغربية» مع بدايات القرن ، كانت أوروبا على شغف خرافي بالشرق الأخاذ. وقد عرفت هذه الموجة لحظتها الزاهية مع حركة «ما قبل الرومنطيقية» Pré-Romantisme ذلك الشرق الذي وصفه نوابغ أوروبا بجميل النعوت والزخارف اللغوية من دانت Dante الى غوته Gدthe مرورا بليبنيتز Leibnitz وانتهاء بنابليون الذي أوعز الى أحد مرافقيه من العلماء، أثناء حملته على مصر بتأليف كتاب في الغرض فكان مؤلف «وصف مصر» لفولناي Volney.
وبعد ذلك العهد ولأسباب خاصة بالغرب وحده ارتبطت أساسا بإيديولوجيا التفوق والاستعمار تحول الاعجاب بالشرق الحالم الذي صوّره الشاعر بيرون (Byran) كمزيج من صخب الالوان والترف، من الحريم والسرايا ومن القباب والمآذن والمحضيات. تحول الى عالم غرائبي وغريب من الاستبداد والبدائية، تلك الصورة التي لابد ان الغزاة الغربيين الحاليين لا يزالون ينهلون من معينها ويتعهدونها بالصيانة والتسويق. وفي هذا الصدد يقول مكسيم رود نسون في مقدمته لكتاب «تراث الاسلام» لجوزيف شاخت/سلسلة عالم المعرفة العدد 233 : «في القرن التاسع عشر كان الشرق الاسلامي لا يزال عدوّا ولكنه عدو محكوم بالهزيمة .
وكانت بلاد الشرق شبيهة ببقايا لشواهد عن ماض عريق، اذ كان للمرء ان يستمتع بترف امتداحها في الوقت الذي كان فيه رجال السياسة والاعمال يقومون بكل ما في وسعهم للإسراع في انهياره ولم تكن امكانية صحوة الشرقيين والتحاقهم بالعصر الحديث تثير أية حماسة. لأنهم قد يفقدون نكهة الغرابة التي كانت مبعث سحرهم... وهكذا ظهر مفهوم «الانسان الاسلامي» Homo-Islamicus وهو مفهوم لا يمكن القول انه اختفى حتى الآن»/ص76.
لقد كشف غزو العراق عن الصورة الدفينة جهلا وحقدا التي يحملها المخيال الغربي عن بلاد العرب وحضارتهم. وأماطت المقاومة أثناء الاسبوع الذي يمكن ان نصطلح على تسميته ب»أعراس الفلوجة» اللثام عن جحافل من الديدان والخنفساء الغربية التي «هاجرت» من كل حدب وصوب لتسكن فجوات وشروخ العراق الجريح. جاءت هذه «المستعمرات الحشرية» تحت عديد الاسماء والاقنعة : مقاولون؟ مبشرون، فنّيون، نشطاء انسانيون جدا؟... والحال أن أكثرهم جواسيس ومرتزقة. باعوا ذممهم ببعض الدولارات الاضافية التي قد لا يظفرون بإجازة صرفها. وراهنوا على مخاطرة تركيع شعب أبيّ، يقودهم حلم بائس بالثروة وبيع صور الموت أو «تجارة الجثث» ويأملون في بعث الشركات الوهمية «لإعادة الاستعمار» وفي التوسط في تهريب النفط وبالعثور على كنوز «علي بابا والأربعون رهينة» (الى حدود12/04/2004) ومن الحلم ما قتل؟!
لا شك ان الغرابة والتوحش كصفتين ألصقهما الاستشراق بالشرق. ويؤخذ الاستشراق باعتباره ايديولوجيا الامبراطورية حسب ادوارد سعيد، قد جرّتهما الصفتين تقنية الانزياح اللغوي سردا نحو الغرب. غرب فوّت على نفسه قراءة متأنية لكتاب «بؤس الايديولوجيا» الذي تعرّض فيه صاحبه كارل بوبر Popper بالنقد المنطقي والجذري لمقولات الحتمية والتعصب ودعا مجتمعه المفتوح على قبول الاختلاف عامة والكف عن احتقار مكاسب الثقافات المغايرة باسم الانصياع للحقيقة العلمية المطلقة تبسيطا وتدينا. وقد صاغ هذه الافكار في اطار مفهوم ايجابي وبنّاء لمقولة «صراع/احتكاك الثقافات» : «وعلى هذا ليست دعواي ان الهوة بين الانماط الفكرية المختلفة (الأطر) او بين الثقافات المختلفة التي يمكن لأسباب منطقية تجاوزها دائما.. قد لا تكون ثمة افتراضات مشتركة، غير ان ذلك لا ينفي وجود مشكلات مشتركة. ذلك ان هنالك عادة ما هو مشترك بين الجماعات البشرية المختلفة...».
(The Myth of the Framework / Karl R. Popper ص).
لقد أهملت عقيدة «التحديث القيصري» استنادا الى جراحة الاسلحة المحظورة مطالعة مدونة الفكر الانساني المعمّق والمكلل بأنوار الاسئلة الجادة والمصيرية، للتهافت على تمائم الشعوذة الفكرية المبتذلة التي باضت وفرّخت بعيدا عن المراكز العلمية والجامعية، لتختار التسول على عتبات الصحافة الخالصة الأجر، وهو السياق الذي كتب فيه مطاع صفدي حول كتاب ف. فوكوياما «نهاية التاريخ» ما يلي : «ولو تذكرنا قصة الكتاب، وكيف انه ظهر أولا في شكل مقال نُشر في مجلة المركز الذي يشتغل فيه المؤلف...» (ص).
ليس هذا فحسب لان دوائر الدجل المظلمة لم تتوقف على الايقاع بأنصاف الفلاسفة وصغار الكتبة، بل امتد سحرها الأسود الى أعلى مرابض السلطان والتقرير عندما ألحقت بروادها مهندسي «قرن الثور الامريكي» وحماة الامن القومي الذي لم تعرف الى حد الآن تخوم تهدئة روعه العام، ذلك انه في تلك الحلقات الضيقة جدا وفي أوساط الصفوة الراقية جدا جدا تُتلى التعاليم اليهودية المسيحية المقدسة وتنزل أوامر «الرب الانغلوسكسوني» بالخير والتطهير واستئصال الشر الشرقي.
تلك هي أيها القارئ الشرقي العزيز المنال بعض الدوافع «الإيديو لوجستية» لهجرة الغربيين نحو الشرق، مع وعد بهجرة معاكسة للغرباء بعد تسديد مقابل معقول لاقامة مؤقتة وساخنة والحال ان رحلات «الشارتير» قد بدأت بعد تحت عنوان سياحي خلاب هو «اجلاء الرعايا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.