* بقلم الأستاذ : جمال الدين بوغلاّب يقال أن الأعياد والمناسبات جعلت للفرح بالإنجاز والاعتبار من الماضي من أجل تأمين الراهن والتخطيط والحلم للمستقبل. وحيث أن أمّة العرب كسائر البشر تحبّ المواسم وتقدّس الأعياد وخاصّة إذا ما كانت خالصة الأجر. ومن المستحسن أن يكون العيد أو المناسبة مسبوقة بيوم يخصّص للتأمّل ومتبوعا بآخر للاسترخاء بعد العناء. ويصادف الأمر فينا «خصيصة» صناعة الأعياد واللّهفة فيها على تنشيط المعدة بدل اطلاق العنان للقريحة والعقل. ولأن «يوم الأرض» عيد ليس فيه ذبح ولا شواء ولا روحانيات ولا «حلو» ولا «مالح»، لم يكن مناسبة ككل المناسبات التي يتحدث فيها «الحكماء» من الفلاسفة والأطباء ورجالات القانون عن مسالك التوزيع وحقوق المشتري ومواصفات البضاعة.. هوس ولوس لا أول له ولا آخر. وفي الختام كلام في كلام من البزوغ حتى الظلام.. تمدّ الصبية «سناء المحيدلي» يدها الى المذياع وتحرّك إبرته منكرة علينا ما نحن فيه في مثل هذا اليوم من «سنين» عربية ولتخلصنا من ثرثرة المذيع الذي يمهد لتعليق على أغنية بمناسبة لا زلت أذكر بعضا من مقاطعها: «دان.. دان.. عَلَشَانُو.. أموت أنا..». فقلت في نفسي ماذا لو سألتني؟ هل هذا ضرب من الغناء الوطني وحب التضحية؟ وماذا عساني أقول!؟ إنه يوم للأرض.. ولكن لأية أرض؟ هل هي الأرض التي ورثناها ؟ أم التي غادرناها؟ أم تلك التي اقتنيناها بقروض ميسّرة لا تطلب منك لسدادها إلا «راتب» طول العمر وتأمينا على الموت وحتى فقدان العقل ولربّما ضياع النقل أيضا! إنه يوم للأرض.. أليس كذلك؟ كنت أخال المسألة من البداهة بحيث لا تحتاج الى تعقيب. فإذا بالصبية تلحّ في سؤال جمّد الدم في شرايين كياني.. سيدي كيف يكون لنا يوم للأرض ونحن أصحاب الأرض؟ وهل هو يوم لأرض الوطن؟ أم لأرض «الإنسان» بما هو فرد وحاجة كيان؟ فكر بغيظ.. آه كم أن أسئلة هذا الجيل لا تراعي الفوارق! ولا تحترم الاعتبارات والمسافات؟ وهالة المقدسات المركّبة! فوجدتني أسأل نفسي من جديد : صحيح، هل يمكن لإنسان ليس له في وطنه مأوى وموضع فراش خاص أن يعي معنى أن يكون للوطن أرض؟ وإن كان فلماذا يحرم من منابه فيها؟ أوَ ليس مواطنا؟ والمواطَنَة مساواة. لكلّ مواطن صوت وبطاقة ورأي فلماذا لا تكون له أرض خاصة به في وطنه؟ أوَ ليست الملكية خاصة وعامّة؟ أو هكذا قال الحكماء من رجال القانون.. وكيف لأمّة سليبة محكومة بحصار من الأعداء أن تسلب أجيالها «حبّ» الأرض. ولا تعلّمهم كيف يفرّقون بين ترابها وأتربة أعدائها؟!.. صورة غاية في القتامة لجندي يرتدي بزّته، يُدجّج بالسلاح وتتمّ عملية «حشو» لدماغه بشعارات ومفردات «أمّة واحدة ذات رسالة خالدة» من البحر الى البحر.. ومثيلاتها لا تحصى ولا تُعدّ عن تكافؤ الفرص واقتسام الثروة والعيش الكريم.. وهو قبل ذلك وبعده لا يمتلك بيتا في وطنه.. بل لا قدرة له على محاولة الحلم بذلك وأقصى وأقسى ما تجود به قريحته «تفريخ» غرفة في منزل العائلة لا يهم إن كانت العملية «تحويل» أو «استحداث» أسفل أو أعلى.. وبعد ذلك يتساءل الخبراء عن أسباب الهزيمة.. قال أحدهم إنّ مدى صواريخنا أقل من أن يدرك طائراتهم وقال آخر إنّها «المؤامرة» ونسينا جوهر المسألة.. في يوم الأرض.. تُضيّع الأرض بإضمار وتخطيط مسبّق. نحن أمّة تجني حصاد خيارات القرن الماضي لدول الاستقلال وكيف بنيت؟! وبماذا.. وأين هي من كوامن قوّتها؟! يحلّ خريفها فتتهاوى تباعا.. ولا من متدبّر. في منتصف القرن الماضي ضاعت فلسطين وفي هزيعه الأخير سقطت الصومال، وفي نافلته جاء الدور على أعمدة البنيان ولازلنا ننتظر. وجاءت الوعود ملوّحة بإلغاء حق العودة وبالتدخل في «دارفور» وقد يحصل ونخشى أن تعود الذكرى والسودان «سودانان». وبدل أن تتسع مساحة المشاركة والمواطنة تضيق الصدور لتستحيل الى زنزانات وقبور.. ويفرّ إبن العرب من أرض العرب أوَ ليس الزّمان اليوم محكوما بالمصلحة؟! ولاغرابة أن يعود أبناؤنا وأحفادنا يوما فاتحين لأرضنا بألوية غربية حيث وجدوا ما فقدوا في مواطنهم الأصلية.. فأبناء الجيل الثاني والثالث والتمادي صعودا.. لا يربطهم ببلاد العرب إلاّ الذكرى وقد لا تكون وردية، وقد يكون المهاجر لا يملك حين سفره من وطنه إلا تذكرة ودموع أمّ ولوعة فراق ومرارة فشل.. فمن أين يولد الأمل..؟! فالأمل صناعة يجب إتقان التوصل إليها وإلاّ أضحى وطن العرب فريسة، حتى أن بعضهم قال لمّا سُئل عن تصوّره لبلاد العرب أواخر المائة سنة القادمة؟ فقال : أما الساكنة فمزيج من الهنود والسرلنكيين، شرق النّهر وجبات وعدل منفذ وأطلال رأس بلا مال على قارعة بنك أفلس.. لأنه لم يحسن إلا عدّ النقود وفاته أن ضرب النقد أبلغ من عدّه. في يوم الأرض بعض مواطنه بلا أرض! ويُطلب من «الكافّة» التفكير في تطوير أساليب المواجهة وتطوير أبنية فكرنا ومؤسساتنا. وبين محاولة فهم أسباب «السقوط» السريع ووجوم وعزوف تجابه أمّة العرب «بسيطة» هي أن المؤجّر تربطه بالموطن علاقة «دفع» و»قبض» خالية من الإحساس بالانتماء.. فهلاّ تروينا في كنه أسباب ظاهرة «اللامبالاة» لإنسان يقتات بساعده وينام عليه تحت سقف وعلى أرض هو فيها ليس سوى أجير فكيف لنا أن نحلم برسم الفرحة على «الشفاه» الوليدة واسترداد الأرض السليبة؟! سؤال لإعمال الرأي، لا لإحراج أحد.. هكذا نرى الأحداث.