من أنتم؟ أين كنتم عندما كنا نتدرب على الموت والحرية؟ كنتم هناك في الضفة الأخرى تصلون في النهار وتضاجعون شقروات لندن في المساء. في الصباح بينما تُفتّش دماؤنا وحقائبنا وكرامتنا ويُهدد أساتذتنا بالقتل والطرد من الوظيفة في أحسن الحالات كي لا يحدثونا عن جمال هذا الوطن وملكيتنا المطلقة له وعن حرياتنا.أنتم ماذا كنتم تفعلون؟ إنكم تتجولون في حدائق لندن الجميلة وتقرؤون الروايات والشعر طبعا أنتم لا تفكون أسرار الحياة ولكن تعجبكم علاقة الأنقليز بالكتب. في المساء بينما كنا نعود إلى حزن آبائنا نقلب دروسنا وتاريخنا ونفتح طرقا جديدة للحلم نسمي بها وطننا ماذا كنتم تفعلون؟ تكتبون برقيات تهنئة لتطلبوا رضى الحاكم السعيد وتنسون رفاقكم الشرفاء، أحلامهم، وأطفاله في العتمة. رفاقكم الذين لم يطلبوا من هذا الوطن غير الحب والذين انفضوا من حولكم بمجرد ان سقطت أقنعتكم. عندما كنا في مواجهة الرصاص واستعادة لون أشجارنا ورغباتنا وأحلامنا وأسمائنا صباحا، ومساءً كنا نضع حيواتنا تحت الوسادة وننام حالمين بالموت أو الشهادة ماذا كنتم تفعلون؟ صباحا ترافقون زوجاتكم وبناتكم للتسوق واحتساء القهوة على الطريقة الايطالية في مقاهي أنقلترا الأنيقة وفي المساء تكتبون عن نظام اقتصاد اسلامي عالمي. وتستجمعون كل طاقتكم لتكتبوا مقالا عن جوع أطفالنا وأحزانهم ...ماذا تعرفون انتم عن أطفالنا؟ قطعا لا شيء.. ماذا ستفعلون لهم لو عدتم؟ ماذا فعلتم لهم حين عدتم؟ كفّرتم معلميهم الذين لم يناموا ملء جفونهم وهم يفكرون في درس يجعل الحياة أقل بؤسا وأكثر جمالا. شوهتم صورة الله الجميلة هل تعرفون الله في عيون الأطفال؟ طبعا لا إن الله بالنسبة إليهم كل الكون/ كل الجمال/ كل الطيبة. الله لا يقتل إنه يأخذ بحب لُعَبهم، أعيادهم وآباءَهم أو أمهاتهم...إنه قوس قزح، نور أبيض يأتي كل مساء ليزرع حلما أخضر على أسرتهم هل تستطعيون أن تعيدوا إليهم هذا الإلاه؟ لقد رسمتم لهم إلاها قاسيا بشعا لا يعرف الطفولة ويعرف جدا السوط والنار... لقد يتمتم ستة أطفال ذنبهم الوحيد أنهم أبناء مواطن يحب مبادئه...مشكلتهم أنهم يعرفون الطفولة ولا يعرفون السياسة يحبون الوطن / الله/ الحياة وآباءهم...كيف سيعيدون ترتيب عالم دون أب؟ من أنتم؟ هل تعرفون معنى للخير أو للحق او للجمال. قطعا أنتم أعداء الحياة ونحن أبناؤها. خذوا جهلَكم/قيمكم (ان وجدت)/ تعاليمكم/أتباعكم/أطماعكم/كتاباتكم ونظرياتكم عن الله والاقتصاد والديمقراطية/مسروقاتكم/حكايتكم عن السجون أوجاعكم المصطنعة/نضالكم المزيف/وزراءَكم ونوابكم وشرطتكم والتعذيب/حقدكم وشكوكم/هزائمكم وعقدكم وأمراضكم وانصرفوا من «قمحنا ووردنا» على رأي معلمنا وسيدكم.انصرفوا من أرضنا/شجرنا/ترابنا/أحلامنا/ألعابنا/ضحكات أطفالنا/ثلوجنا/أمطارنا/ تاريخنا/أشعارنا/حكاياتنا/أفراحنا/ لا تلوثوا مخيّلتنا وأحلامَ أطفالنا.. نحن أبناء اللغة والمجازات والاستعارات/أولاد الشوارع والساحات والزنازين/أحفاد الشابي والكاهنة/ عشاق الحياة والأرض/ نزرع الأحلام أينما حللنا ونحب هذه الأرض/هذا التراب سيدنا سيّد أسرارنا مهما كان عمق جرحنا يداوينا. نحن من سنرمم مقام السيّدة وستعود من مدينتها البعيدة وسترقص عارية مع ابن عربي أمام البحر أو الجبل وسط الشوارع نكاية في الأسود الذي«لايليق بكم». نحن قد لا نستطيع تطهير جرح العذراء لكننا سنمنحها أملا جديدا في الحب. وقد لا نستطيع تضميد يتم أطفالنا الستة لكن هذه الأرض ستمنحهم حضنا دافئا والكثير من النرجس في الذاكرة. أنتم لا تعرفوننا جيدا ونحن نعرفكم جيدا..أنتم اعداؤنا ونحن أصدقاء الحياة وعشاقها...نشد جراحنا ما استطعنا وننتصب حالمين/واقعيين جدا/مجازيين مقاومين وطننا لم يعد مجازا نحمله في قلوبنا إنه أمامنا في ظلنا وفي أيدينا. لن تمروا. ليس وعيدا. هذه حقيقتنا نحن أبناء التراب والدم والياسمين والبرد. هذه الأرض السمراء ليست لكم..أضيق من أطماعكم وأثقل من خطوكم وانقى من أوهامكم... أنتم في أرضنا. (وأنا أكتب هذا النص أسمع في أنور براهم....أنتم طبعا لا تعرفونه ولا تعرفون جمال الحياة التي يعجنها في ألحانه ويهبها لعشاق الحياة).