يوم الاحد 18 أفريل الجاري سيبقى راسخا في أذهان طلبة مؤسسات الخدمات الجامعية للشمال لمدة طويلة لأنهم عاشوا لحظات ممتعة ورائعة وعبقة فاحت منها رائحة المشاعر الفيّاضة التي اختلطت بالمطر المتهاطل مدرارا. لم يكن أحد يتوقع أن يوما ربيعيا جميلا سيجري خلاله منذ الصباح الباكر في حديقة البلفيدير الماراطون الطالبي ضمن فعاليات المهرجان الثقافي والرياضي والترفيهي العشرين لديوان الخدمات الجامعية للشمال، سيكفهرّ فيه وجه السماء ثم ينهمر المطر منذ الصباح الباكر. في حديقة البلفيدير (الباب الثاني) كانت هناك خيام منصوبة لاستقبال الطلبة الذين توافدوا منذ الصباح على متن حافلات الديوان. كنت تلاحظ بريقا لامعا في أعينهم تستبطن فيه سؤالا يكاد ينطق عن نفسه: هل سيقع الماراطون في هذا الجو الشتوي الممطر؟ هل نستطيع أن نجري لكيلومترات تحت سيل يتزايد شيئا فشيئا؟ وتقاطر المسؤولون كذلك (مديرو ومديرات مؤسسات الخدمات الجامعية للشمال) منذ الصباح وعلى رأسهم السيد سعيد بحيرة المدير العام لديوان الخدمات الجامعية للشمال صحبة البطل الاولمبي محمد المودي ورئيس الجامعة التونسية لالعاب القوى وثلة من إطارات الوزارة وكان الجميع في انتظار السيد الصادق شعبان عضو الديوان السياسي ووزير التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا ليعطي إشارة الانطلاق للماراطون الطالبي. وكنت تلحظ نفس التساؤل والحيرة البادية في وجوه الطلبة هي نفسها مرتسمة على وجوه المسؤولين. هل سنكسب الرهان؟ وماذا عسانا سنفعل لو تزايد المطر؟ هذا المطر «النيسانيّ» الذي نعته أجدادنا منذ العهود الغابرة بأنه ذهب خالص كيف سنحول هذا الذهب الخالص الى حليّ يهديه الجميع للجميع...؟ وفي حدود الساعة التاسعة والنصف صباحا أهلّ السيد الوزير مستبشرا يسير مترجلا تحت المطر فاستقبل بالترحاب والتفّ الجميع لانشاد النشيد الوطني الرسمي واصطف الطلبة فوق الحشيش المبلّل وقد نسوا المطر المتهاطل وعيونهم اللامعة تحدق في العلم التونسي الذي بدأ يرتفع رويدا رويدا نحو السماء الممطرة. وانطلقت الحناجر مرددة حماة الحمى... كنت أنظر الى الجميع ولاح لي شاعر العراق بدر شاكر السيّاب وهو يعيد صياغة أنشودة المطر. مطر... مطر... مطر... صوغا يعانق تونس الولادة ولاح لي أبو القاسم الشابي يصافحنا وهو يردد: أتخشى نشيد السماء الجميل أترهب نور الفضاء في ضحاه وانتهينا من النشيد الوطني الرسمي وبقي نشيد السماء متواصلا...! وفي حدود الساعة العاشرة أعطيت إشارة انطلاق الماراطون من طرف السيد الصادق شعبان صحبة البطل الاولمبي محمد المودي وانطلق الطلبة متسارعين في دورة حول حديقة البلفيدير تتبعهم سيارة الاسعاف. ولم يمض وقت طويل حتى أهلّ الابطال وهم قادمون الى خط الوصول وهتافات جماهير الطلبة المتراصّة يمينا وشمالا تشجعهم «ونشيد السماء مازال متواصلا» وفي الحين وزعت الجوائز على الفائزين وبإذن من السيد الوزير كوفئ العشر الاوائل من الطلبة والطالبات الفائزين في الماراطون بمنحهم رحلة مجانية الى الخارج فتعالى التصفيق واختلط بالزغاريد. سيتذكر الجميع أنه في يوم «نيسائيّ» ممطر جرى ماراطون طالبي تحت المطر... مطر صنعنا منها ذهبا خالصا. إهداء لتونس الجميلة في سنة عرسها. محمد نجيب روين