تستعد إدارة الرئيس الامريكي، الى ثاني اكبر حملة مغالطة، في مجلس الامن الدولي من خلال مشروع قرار تعمل على إعداده ويكون «الغطاء القانوني» لخطة نقل السلطة الى العراقيين في موفى شهر جوان القادم. وكانت حملة المغالطة الاولى، تلك التي خاضتها الإدارة الامريكية، في مجلس الامن الدولي قبيل شن العدوان على العراق، في محاولة لإقناع العالم بمبرراتها للحرب ضد العراق. وقد اظهرت الاحداث منذ ذلك التاريخ هشاشة وزيف تلك المبررات ليس فقط في تعاطي الإدارتين الامريكية والبريطانية مع الحرب ولكن ايضا بعد احتلال العراق عندما فشلتا في تأكيد ادعاءاتهما حول اسلحة الدمار الشامل العراقية خاصة. ومما زاد في ضعف الموقفين الامريكي والبريطاني تتالي التصريحات والتحقيقات من داخل البلدين نفسيهما، وكذلك خلال المرحلة الانتخابية الامريكية والتي اتسمت ايضا من جانب الادارتين في واشنطنولندن، بمحاولات الدفاع عن النفس والاستمرار في التمسك بالمبررات السابقة، حتى وان اقتضى الامر ارتكاب اخطاء جديدة. في لندن يواجه رئىس الوزراء البريطاني تهمة التبعية لسياسات الولاياتالمتحدةالامريكية ومن تهمة تم التعبير عنها في مختلف الاوساط والمناسبات. وزاد في ابراز هذه التبعية الرسالة التي وجهها 52 ديبلوماسيا بريطانيا سابقا طلبوا فيها فتح حوار حول هذه القضية في البرلمان، وعلى الرغم من ذلك تواصل ادارة رئىس الوزراء البريطاني ممارسة سياسة النعامة من خلال الادعاء مجددا ان اهدافها في العراق وفي الصراع الفلسطيني الاسرائىلي هي تحقيق الاستقرار والسلم والحرية». أما إدارة بوش فإنها اصبحت تواجه انتقادات اشرس داخل الولاياتالمتحدةالامريكية نفسها انتقادات اكد بها اصحابها الارتباط بين مغالطات الإدارة وبين الدوافع الانتخابية للرئىس المرشّح. وقد شبّه البعض فضائح الرئيس الحالي المتعلقة بالعراق بفضيحة تنصّت الرئيس الامريكي الاسبق نكسون على خصومه والتي ادت الى استقالته... كما انتقدت سياسات بوش في التغطية على حقيقة الخسائر الامريكية بالعراق، وعلى الاساليب المستعملة ضد العراقيين وهي انتقادات اصبحت اكثر وضوحا، منذ تصعيد المقاومة العراقية في اساليبها وفي مواجهتها للاحتلال الامريكي. كل ذلك يجعل الرئىس الامريكي يخوض حملته في مجلس الامن الدولي لاستصدار قرار يصاحب «نقل السلطة» الى العراقيين وهو في موقف ضعف. واذا كانت فرنسا وروسيا العضوان البارزان في مجلس الامن الدولي قد رفضا قبل اكثر من سنة الموافقة على القرار الذي كانت واشنطن ترغب في الحصول عليه لإجازة حربها ضد العراق، فإنه من المنتظر اليوم بعد ان اثبتت الاحداث صواب موقفي هذين البلدين من القضية العراقية ان يتمسكا بموقف صلب، يرفض منح غطاء الشرعية الاممية، للوجود الامريكي في العراق. فإدارة الرئىس الامريكي تتحدث عن نقل السلطة والسيادة الى العراقيين ولكنها تريدها سلطة وسيادة محدوديتين جدا كما تتحدث عن انسحاب للقوات الامريكية ولكنها تريد، صراحة اتفاقيات للاحتفاظ بقواعد عسكرية ضخمة في العراق، وهي واثقة من موافقة ما يسمى بمجلس الحكم الحالي على «استضافة» هذه القواعد طبقا لتلك الاتفاقيات التي ستبرم بين «طرفين سيدين» وهي باختصار تريد من خلال القرار الاممي الذي تعدّ له تجميل وجه احتلالها للعراق وتأمين الوجود العسكري للقوات الامريكية في هذا البلد خاصة اذا تضمن مشروع القرار الذي تعدّ له تشكيل قوات دولية لحفظ الامن ومساعدة القوات العراقية الجديدة على القيام بذلك. النوايا الامريكية تجاه الدور الاممي المنتظر في العراق واضحة وكذلك خطوات واشنطن ازاء مجلس الامن الدولي. واذا كان الاعضاء الدائمون الذين رفضوا الموافقة على قرار يجيز الحرب على العراق، باسم الاممالمتحدة قد منعوا المنظمة الدولية قبل اكثر من سنة من التورط كليا في جريمة لم تتكشف حتى الآن كل ابعادها فانهم مطالبون اليوم وخاصة فرنسا وروسيا وكذلك بعض الدول الاعضاء غير الدائمين في المجلس بمنع استعمال واشنطن للامم المتحدة في تمرير سياساتها بالعراق وخاصة في التغطية على الاحتلال الامريكي المباشر لهذا البلد، من خلال اقرار مسار يدّعي اعادة السيادة الى العراقيين في الظاهر، ولكنه يغطي على التسرّب الامريكي داخل العمق العراقي. الدور الاممي في العراق يظل مطلوبا والا لما كان هناك فائدة من التمسك بالاممالمتحدة إطارا للشرعية الدولية، وخاصة في مثل هذه الظروف التي تمرّ بها العلاقات الدولية ولكن سيعتمد نجاح هذا الدور على مدى قدرة الدول الاعضاء في مجلس الامن الدولي، على انتزاع الملف العراقي من سيطرة وهيمنة الاحتلال الامريكي والبريطاني للعراق.