تريد الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تجعل الخطاب الإعلامي العربي في نعومة فرو الأرانب وفي رقّة النوتات الموسيقية الكلاسيكية تلك التي لا تحدث جلبة حتى عندما يأمر القائد عزفيه أن يصعّدوا أصوات آلاتهم. تريده كهمس العشاق وكحياء العذارى رقيقا وخجولا كلّما تناول أمريكا وتحدّث عنها وجعل منها موضوعا وإلاّ حاد عن مهمّته الإخبارية ليصبح وسيلة تعبوية تحرّض على الحقد وتدعو إلى الكراهية كما قال المدعو نبيل خوري في «تخريجة» لغوية تظنّ أنّها ألقت درسا وطرحت جديدا وكشفت نظرية. وكما قال مدير الأخبار في القناة ا لأمريكية المارونية التي تدعى الحرّة وكما ألمح مدير مكتب لجريدة مهجرية عربية أشتقّ اسمه من السلامة تلك التي تقابلها لغة الندامة وذلك خلال حوار شهدته قناة الجزيرة منذ أيام وشارك فيه مدير مركز البعثة الصحفية الأمريكية الذي يُخشى عليه وهو الأمريكي اباء عن أجداد أن يُتهم بأنه يحرض العالم ضد رئيسه جوج بوش ويقف مع الإرهاب العربي الإعلامي. وخلال الحوار تحدثت الأطراف التي تعتقد أنها تلقي على الغير دروسا عن أفكار خاصة بها حول الإعلام وليس عن الإعلام ذاته كحقّ وكعلم وكوسيلة أساسية لحرية التعبير تلك التي لا تكون أي الحرية كذلك إلاّ متى عبّرت عن رؤ ى القوي وعن مصالح من يحتلّ أرضا ويتسلّط على شعب وتلك التي تحلّل بعث قنوات فضائية أصبحت بلا عدد تختصّ في ترويج البورنوغرافيا وفي تعميم الإسفاف ومع ذلك فهي حرّة أن تبثّ وأن تدخل بيوت الناس أما القنوات التي تحاول كشف جزء من عهر سياسي بلا حدّ ومن مظالم يتعرّض لها شعب ومن مجازر تقع عليه فإنّها تحيد عن مهمتها الإعلامية لمهام تعبوية ممنوعة. يتطلب الضغط عليها ولربما إغلاقها إذا وجب الأمر. وما نعلمه أن حرية الرأي كلّ لا يتجزّأ وأنها في الغرب مقدّسة وما نعلمه أيضا أن الإعلام ووسائله أنواع وأنماط وأنه بالبديهة تعبر كل وسيلة عن مصالح دول أو لوبيات أو أفراد تتقابل مصالحها وأفكارها ولكنها لا تقيم حربا على بعضها البعض إذا ما وجبت الحرب إلا بالأفكار وحرية تدفقها وإلاّ بالحجج والمعارك الفكرية وإلا لما توفّر الحديث بالأساس عن حرية التعبير وعن حقوق الإنسان وعن الليبرالية التي نستغرب أن تمنعنا عن الحديث حول قضايانا بكلّ الأشكال الخاطئة والصحيحة منها وتجبرنا على أن نقبل بقنوات البورنوغرافيا والإيروتيكا.. وإذا ما انصاع الإعلام العربي للضغوطات أو للتعليمات فإنه سيأتي يوم يطالبون خلاله بقطع بث القنوات الدينية الإسلامية والاكتفاء بالفرجة على القنوات الدينية المسيحية وبتحريم بثّ حتى الدراما الهادفة. مقابل ترك المجال واسعا أمام المسلسلات الأمريكية ذلك أننا في أذهانهم وخططهم نحتاج إلى إعادة تأهيل ثقافي وفكري ولا نستحق حرية نمارسها كالأطفال الذين لا يوازنون بين الأشياء ولا يعرفون مصلحتهم إلا عبر غطرسة الكبار. والحقيقة أنهم يريدون الحفاظ أيضا على نظام إعلامي عالمي تكون لهم الريادة فيه ويكون تدفّق المعلومات عبرهم وتكون كلّ اللعبة بين أيديهم وحتى هذا السعي لخصخصة قناة مثل الجزيرة إنما هو سعي يريد أن يقيّد الحرية بدعاوى حرية ويريد أن يلجم أفواها بدعوى فتحها ويريد أن يغطّي مشهدا من أمام عيون بتعلّة أن المشهد ذاته غير واضح للعيون العزيزة. هذا هو ما تريده أمريكا وما يزيّنه لها خبراؤها العرب الذين حملوا إلى الليبيرالية ذاتها ما كمن فيهم من روح استبدال تذكّيها مطامع شرهة أرصدتها البنكية أغلى من أمة بحالها وجيوبها مستعدة أن يلجها حتى الشيطان خبراء يعتقدون أن مجرد إقامتهم جسدا أو روحا في واشنطن سيمنحهم لقب الأستاذية وسيمكنهم من إدارة الخطاب الإعلامي العربي من بعيد. سلامتها أمّ سلامة. *وإلى حديث قادم