بعد زيارات أميركية مراطونية مكثفة لتونس إبان الثورة و بعدها تأتي زيارة وزير خارجية فرنسا على حياء مصطنع و كبرياء زائف حيث قبل ان يستقل طائرته المتجهة للعاصمة التونسية بيومين أدى بتصريح للتلفزيون الفرنسي حيث شدد ألان جوبيه على ضرورة احترام السلطة الجديدةبتونس لدولة القانون و احترام جميع الأقليات لا سيما الدينية منها و احترام وضع المرأة . آنظر أخي القارئ الكريم العقلية التي يتعامل بها الجانب الفرنسي تجاه دول ذات سيادة و قانون و التي تختلف عنه فكرا و ثقافة و دينا . العقلية الاستعلائية في ثقافة الرجل الفرنسي تجاه الآخرين هي التي كانت سببا في أن تخسر الإمبراطورية الفرنسية مستعمراتها بالقارة الافريقية السمراء الغنية بالنفط و الاحجار الكريمة و المعادن النفيسة و تركت فراغا شاسعا نتيجة سوء تقديرها للامور و قصر نظرها للمستقبل و استخفافها بالشعوب و مقدراتهم الثقافية و العقائدية و عجزها على استيعاب المرحلة الجديدة و فشلها الذريع في استقطاب الاجيال الجديدة و الشابة من العالم العربي و الافريقي بعد فترة الاستعمار إذ ما تزال فرنسا تعيش حلم و وهم القوة الضاربة و اليد الطويلة التي تمتد الى أي خارج عن سيطرتها و نفوذها ، و لكي أذكر القارئ الكريم بشواهد قريبة و لصيقة في عهد المخلوع كيف كانت تدعم الدكتاتورية و تسكت عن تجاوزاته في صلب حقوق الانسان و جرائم بشعة ضد الانسانية وصلت الى الحد التصفية الجسدية و القتل العمد بالسجون و خارجها مقابل الولاء المطلق لها ، و بذلك خسرت فرنسا إشعاعها الحضاري و لم تعد قط فرنسا ذلك الضمير الثقافي و الانساني و الحس النبيل المرهف و قبلة دعاة الحرية و المساواة و الديمقراطية ، ففي الوقت الذي كان المخلوع بن علي يرتكب المجازر في حق شعبه كانت في نفس الوقت شخصيات فرنسية اعلامية و دبلوماسية تتلقى رشاوى باستمرار عبر تذاكر سفر مجانية و حجوزات فندقية و توفير طائرات خاصة لشخصيات سيادية لتلميع صورته و تمرير سياسته الوحشية ضد شعبه الأعزل و المسكين ، إلا انه و على الضفة الأخرى... الدبلوماسية الامريكية كانت تحذر النظام التونسي من مغبة الاستمرار في قمع شعبه و الكف عن الفساد المتفشي في دواوين الحكومة و الكف عن الزج بعائلة زوجته الحلاقة في كل صغيرة و كبيرة ... و كل هذه التفاصيل مدونة بوثائق ويكيليكس بالاسم و الصورة و التاريخ و هنا يتضح التفوق الاستخباراتي الامريكي على الاستخبارات الفرنسية العجوزة التي لم تتطور مثلها مثل رموزها الحداثية بالعالم العربي التي فشلت فشلا ذريعا في اول انتخابات شعبية شفافة مثل فشل فرنسا الأم في تقديرها للأشياء و تطورها مع الأحداث . و ان كانت القوتان الفرنسية و الأمريكية كلاهما لصان متشابهان و لكنهما يختلفان في الأسلوب و الكيفية فاللص الامريكي أكثر ذكاء و تخطيطا حيث تشير الإحصاءات الامريكية لشؤون النفط و الطاقة ان امريكا ستلجأ الى النفط الافريقي في العشرية المقبلة و سيصل حجم الاستيراد الأمريكي من النفط الافريقي الى 50% من مجموع المستورد بحلول 2015 و لذلك تجاوزت زيارات هيلري كليتون لأكثر من 13 دولة افريقية و ليس للتمتع بشمسها الساطعة او رمالها الذهبية او لشم النسيم كما كانت تفعل شخصيات فرنسية فاسدة و لكن لضمان استيراد الذهب الأسود من منابع أخرى غير الخليجية التي تشهد منطقتها توترا سياسيا قد يحرمها من الاستفادة من الاحتياط النفطي الضخم بالمنطقة جراء الحروب و التهديدات الحقيقية بالعالم العربي و قد سبق أن ذاقت من الكأس نفسه على يد الملك فيصل و بما ان تونس ايضا لا تخرج عن الطمع الامريكي حيث تسبح تونس فوق حقول هامة من النفط و الغاز الطبيعي برا و بحرا فضلا عن سعي امريكا لافتكاك ضمانات و تأكيدات من الحكومة التونسية بعدم معاداة الكيان الصهيوني على أقل تقدير. لا يخفى على أحد انه بدأ أفول الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية و أصابت القوة الفرنسية الشيخوخة و الارهاق و الافلاس و أصبحت لا تقدر على مسايرة الأحداث و ملاحقتها و هي تعاني أزمة مالية حادة و غيابا بائنا على الساحة الدولية و خاصة في الثورات العربية رغم محاولتها الأخيرة للالتحاق بالثورة الليبية إلا أن امريكا ملأت هذا الفراغ عبر النظام العالمي الجديد و عدم معاداتها للقيم و الديانات السماوية و استلمت دولا بغرب افريقيا و أصبحت اللغة الانقليزية اللغة الأم في بعض دول افريقيا بدل الفرنسية اللغة التي لا ينطق بها سوى فرنسا و شئ قليل من مستعمراتها الافريقية في حين ان التكنولوجيا و العلوم و امهات الكتب العالمية تكتب بالحرف الانكليزي و الاختراعات الكبرى التي أثرت في مجرى الحياة البشرية كان اصحابها ينطقون الانكليزية و مرشد الاستعمال الاليات الحديثة مخطوطة بالانكليزية في حين فرنسا نجحت في نشر ثقافة الدعارة عبر مسابقات ملكة الجمال و آخر مستحضرات التجميل و آخر صيحات الموضة الى درجة سقوط الرئيس الفرنسي في مستنقع المسابقات و تزوج بعارضة ازياء ايطالية قد سبق و أن كشف جمهور كبير على عورتها قبل أن يرتبط بها ساركوزي و بمثل هذه الثقافة يسعى اصحاب صفر فاصل بتونس لاستيراد هذه الثقافة العجيبة تحت مسمى الحرية الشخصية و حرية المعتقد كما يزعم وزير الخارجية الفرنسية لتثبيتها في الدستور التونسي الجديد. أمريكا وجدت لها موطأ قدم بسهولة و يسر و عرفت كيف تمتص غضب الثورة التونسية و كانت من الاوائل من اعترف بالانتخابات التونسية و هنأت حركة النهضة على فوزها المستحق و دعت شخصيات نهضاوية لزيارة الولاياتالمتحدة و اعتبرت مؤسسات أمريكية أن الشيخ راشد الغنوشي من أول 100 شخصية مؤثرة في العالم و ذلك مؤشر على قبول الاسلام السياسي التونسي و انه لا يتعارض مع الديمقراطية كما جاء لاحقا على لسان ليبرمان مهندس ترويض الثورات العربية في حين استقبل الرئيس الفرنسي نتيجة الانتخابات التونسية بالتهديد و الوعيد . أما اذا تناولنا تصريح وزير خارجية فرنسا قبل سفره لتونس و هو بمثابة جس نبض الشارع التونسي و ردة فعل النخبة لمواقف تسبق سفره بأيام حتى يهيأ الاجواء باستقبال برنامج زيارته و لكن لا يسع النخبة الا برمي الكرة في ميدانه و استجوابه حول وضع الجالية المسلمة بفرنسا و التي تقدر بخمسة ملايين و هي تمثل الأقلية كيف تعاني من مضايقات البوليس و التمييز العنصري و حرمانها من حقها من أداء شعائرها الدينية و حرية المعتقد و الملبس حيث تغرم المسلمة بارتدائها النقاب و تسجن في عدم دفع الغرامة ....فعلى أي حقوق يتكلم الوزير ؟ و عن أي وضع امرأة يتحدث ؟ و أين حق الأقليات في بلاده ؟ و أين حرية التدين و الحرية الشخصية بباريس عاصمة الجمال ؟ ثم تتساءل النخبة عن موقف فرنسا لما كان المخلوع يمحق كل من يعارضه ؟ و يستهين بمقدسات الامة و يسجن و يقتل و يعذب ؟ اين كانت فرنسا ...... ؟ اما اليوم و بعد فوز الحركة الاسلامية تذكرتم حقوق الأقليات و حرية المرأة ....؟ المهمة صعبة أمام وزير خارجية تونس الذي لاق هو نفسه هجوما عنيفا من قبل تيارات مرتبطة أيديولوجيا بفرنسا تطالب بإقالته بسبب ارتباطه العائلي بزعيم حركة النهضة و هي فرصة متاحة له للرد على خصومه من خلال مقابلته للوزير ألان جوبيه و ارسال رسائل مباشرة و مختصرة و مفيدة و إخطاره رسميا أن تونس اليوم ليس كالبارحة و أن تونس استقلت منذ 14 جانفي و أنها ذات سيادة و تحترم القانون و لا تسمح مطلقا ان تكون تونس مرتعا للأجانب و السماسرة و أنها أيضا تحافظ على علاقتها بفرنسا كدولة صديقة تربطنا بها مصالح مشتركة و أن الاسلام دين الشعب التونسي و دين الدولة و من اختار غير ذلك فهو حر و لكن القانون فوق الجميع . و لا بأس بتذكيره بالموقف الفرنسي المتواطئ مع المخلوع في التغطية عن جرائمه و تلميع صورته بدل نصحه و الحد من قمعه لشعبه تحت غطاء محاربة الاسلاميين . و آمل أخيرا ان تكون اللغة الانكليزية اللغة الرسمية الثانية بتونس بعد اللغة العربية ولا يعني ذلك التقرب زلفى لأمريكا و لكن حاجة الحياة و مواكبة التطور العلمي . و في النهاية لا يمكن بأي حال من الأحوال و لو آنيا الخروج عن هيمنة الدولتين المتصارعتين على الكعكة التونسية فأمريكا أكثر قربا من رياح الثورات العربية فهي لا تعادي الاسلام السياسي و لا حتى الاسلام التقليدي على شاكلة الاسلام الخليجي في حين ان فرنسا لا ترضى اطلاقا بالاسلام على أي شكل من الأشكال و بمفهومها هذا المعادي خسرت و تخسر فرنسا مواقع لها كثيرة بالعالم و تكسب أمريكا نقاطا إضافية بشمال إفريقيا على حساب فرنسا و يبقى السؤال الاخير : هل تشهد تونس إسلاما على الطريقة الأمريكية ......؟