مؤسف ومخجل ما نلمسه من إنكار لمظلومية الشعب السوري من قبل تيارات وأنظمة وشخصيات معروفة بتحالفها التقليدي الوثيق مع النظام السوري، وغريب ومستهجن ألا يكون للدم المسفوك بلا حساب قيمة عظمى تلزم إحداث مراجعات على مواقف من عرفوا بحمل لواء المظلومين والمستضعفين والانتصار لهم ولو بكلمة، أو على الأقل الامتناع عن تبرير قمعهم، والتوقف عن تسويق روايات النظام المكذوبة! غني عن القول إنه لا يهمّنا هنا البحث في مواقف حلفاء للنظام السوري من طراز روسيا والصين؛ فهؤلاء لا مكان للأخلاق في معادلة المصالح عندهم. لكن موقف تيار مقاوم عريق كحزب الله من الثورة السورية يشعرنا بالقلق والأسى، لأنه يعزّ على كل مناصر لتيار المقاومة أن يرى ذلك الإرث المعنوي العظيم الذي راكمه الحزب بتضحياته المتواصلة يتبدّد بين عشية وضحاها، ولأنّ في مثل هذه المواقف المتطرفة في الدعم الأعمى للنظام السوري خوفاً على مشروع المقاومة ومكانته في وعي الأمة، لأن اقتران شعارات المقاومة بأنظمة مجرمة ومستبدة يسيء لفكرة المقاومة قبل أن يسيء لتلك الأنظمة، وقد يدفع نفراً من ضحاياها لأن يجدوا أنفسهم تلقائياً في الخندق المقابل، لأن كراهية نظام أوغل في دم شعبه تنسحب في الغالب على شعاراته ومواقفه، حتى مع علم الضحية بأنه بات يتاجر بتلك الشعارات، ويتستر بها لتمرير مشروعه القمعي وتبرير جرائمه اليومية. لم يكن مطلوباً من حزب الله أن يتبنى موقفاً منحازاً للثورة السورية وأن ينتقد النظام صراحة أو يتبرأ منه، لأن العلاقة الاستراتيجية المتينة بين الحزب والنظام السوري لا تتيح ذلك ولا تستوعبه، لكننا نحسب أنه مهما بلغت درجة المتانة في تلك العلاقة فما كان ينبغي أن تدفع بحزب الله إلى التحول إلى منظّر لصالح النظام ومدافع عن منطقه القمعي، ومتبنّ ومسوقٍ لأكاذيبه المختلفة، وناطق باسمه، لأن هذا أساء لحزب الله وزعزع ثقة قطاعات عريضة في الأمة به، والاخطر من هذا أنه كان من عوامل تمادي النظام السوري في قمعه الذي دخل مراحل خطيرة للغاية، بدا معها النظام مستعداً لإبادة نصف شعبه وتدمير نصف بلده في سبيل إجهاض الثورة واستئصال جذورها! وفي المقابل فقد جرّأت تلك المواقف الأنظمة والتيارات المعروفة بعدائها التاريخي لحزب الله -لأسباب طائفية أو سياسية- على المبالغة في ذمه وشيطنته، والادعاء بأنه يرسل عناصره لتشارك في قمع الشعب السوري، رغم أنه ما من دليل عملي يثبت ذلك أو يدعمه، غير أن مثل هذه الشائعات سرعان ما تنتشر وتلقى صدى واسعاً في شارع ترتفع فيه وتيرة الشحن الطائفي، وفي وقت لا نستطيع أن نعفي فيه حزب الله من المسؤولية عن توفير وقود لنار الطائفية رغم أن خطابه السياسي بعيد عنها، بينما مواقفه تبدو غير منفصلة عنها! ما زال يهمّنا أن تظلّ صورة حزب الله في وعي الأمة نظيفة ونقية، وأن يظلّ مقترناً بقيم المقاومة والتضحية والإبداع والصمود، وإن كان النظام السوري لا يرضيه إلا أن يستصدر من حلفائه شيكات مؤازرة على بياض، فهذا أدعى للنأي عن التورط في أوحال منطقه الخائب، وسياساته الخطيرة، لأنه سقط أخلاقياً ووطنياً، وما عاد مجدياً إنكار ذلك أو الاستمرار في محاولات حجب الشمس التي عرّت شَرَهَ هذا النظام للسلطة والاستبداد، وتماهيه مع القمع وسفك الدم والدوس على كرامة الناس. وإن كل ما ينسبه لنفسه من ممانعة لن يغفر له إنكاره لمطالب شعبه العادلة، ثم استباحة دمه دونما حدود. فالمقاومة لمن يصونها ويخضع لأصولها واعتباراتها الأخلاقية، وهي ليست كياناً متوارثاً أو ماركة مسجلة باسم أي نظام، ومن يصل درك الانحطاط الأسفل في تعامله مع شعبه لا يستحق أن يظل متربعاً على عرش محور الممانعة، وسبق أن قلنا إن التغيرات الدراماتيكية التي تعيشها المنطقة ستفرز تغيرات جوهرية على محور الممانعة وتعيد تشكيله وفق ما تمليه إرادة الشعوب التي قهرت جلادها وأعلنت في الوقت ذاته انحيازها لروح الأمة ولقضيتها المركزية وهي القضية الفلسطينية. ما زال يهمّنا ألا تنحرف بوصلة أي تيار مقاوم عن اتجاهها، وألا تتورط في حسابات الأنظمة المتهاوية، فثمة مواقف متوازنة محسوبة لا تضطر معها تلك التيارات إلى الانحياز لخانة النظام واستجلاب غضب ونقمة المظلومين والمستضعفين، لأن أخلاق المقاوم صاحب الحقّ لا بدّ أن تظلّ مقدمة على حسابات مصالحه الضيقة، أو اعتباراته الطائفية، فكل الحسابات تفقد قيمتها أمام المغامرة بخسارة التأييد الشعبي الذي شيّد بنيانه الدم والعطاء، والاستقامة على درب المقاومة والانحياز للمظلومين ومسلوبي الحقوق.