يعلم جميع التونسيين أن المؤسسات الإعلامية المكتوبة والمرئية والمسموعة، قد سيطر عليها اليساريون الذين نصّبوا أنفسهم دعاة للحداثة والعلمانية، في بلد غالبيته مسلمة، فالسواد الأعظم في ربوعنا يعتنقون دين الإسلام ما عدا ثلة قليلة من المسيحيين واليهود، منذ الاستقلال إلى يومنا هذا. الإسلام له أحكام وحدود عطّلها الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة الذي ساهم بقسط كبير في شن حرب ضروس على مسلمي هذا البلد. بدءا بغلق جامع الزيتونة المعمور، وانتهاء بإلقاء العلماء والإسلاميون داخل السجون مع فرض العلمانية قصرا على شعبها المسلم، وتوخى بذلك سياسة المراحل. اعتبر اليساريون أن ما قام به بورقيبة هو من قبيل الإصلاح الذي يُحسب له وأن ما بلغته تونس من فساد على مستوى تغيير العقلية من الإسلامية إلى العلمانية هو مكسب من المكاسب التي يجب المحافظة عليها رغم أنها أفكار شيطانية تتضارب تماما مع ما جاءت به نصوص الإسلام الحنيف. فبورقيبة سنّ قوانين تضرّ بالرجل والمرأة على حد السواء ولا ترضي الله وذلك بإنشاء مجلة للأحوال الشخصية التي عملت على قمع الغريزة البشرية بإيجاد قيود ونصوص تمنع التونسي من الزواج بامرأة أخرى. هذه القوانين ساهمت مساهمة فعالة في دبّ الفساد داخل البلاد حتى أن الزنى أصبح مباحا والدعارة في متناول الرجال والنساء وكذلك جعلوا لها أماكن مخصصة في كل ولاية من ولايات الجمهورية. هذه القيود والموانع التي أوجدها النظام البورقيبي والتي قيّدت جميع الرجال وأرغمتهم على عدم الزواج من ثانية شكّلت مشكلا للرجل الذي لم يجد بديلا على رفع الكبت المفروض عليه من قبل القوانين الرادعة لغريزته سوى البحث عن خليلة أو الذهاب إلى الماخور هذا إن كان ضعيف الإيمان، أما إن كان متمسّكا بدينه فليس له من خيار غير الصبر والدعاء إلى ربه حتى يرفع عنه الظلم المسلط عليه طيلة نصف قرن، هذا في ما يخصّ الرجل، أما بالنسبة للمرأة فأغلب الفتيات بات شبح العنوسة يهدّدهن وهذا ما يدفعهن إلى ارتكاب المعاصي والفواحش والموبقات نظرا لعزوف الشباب الذي لقي الحلّ الأنسب غير المكلف في الذهاب إلى الماخور. أحد علماء الزيتونة المشهورين لم يجز للتونسي العمل في فرنسا تحت إمرة رئيس جمهورية نصراني واعتبر أن الإسلام لا يبيح له ذلك. ولكن إبّان حكم الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي تغيّر الحال فأصبحت الهجرة إلى فرنسا أمرا مباحا ومشروعا لجميع التونسيين نظرا لأن هذين الرجلين كانا أشدّ كفرا ونفاقا حتى من فرنسا وأن حكمهما لا يتطابق مع ما جاءت به نصوص الشريعة الإسلامية، حتى أننا شاهدنا كثيرا من الشباب المائع والمتسيب يذهبون إلى البلدان الأوروبية قصد تحسين أوضاعهم ولكن سرعان ما يأتون من هذه البلدان مستقيمي السلوك ومحافظين على تعاليم دينهم الإسلامي القويم. الرجال والنساء معا، ضاقوا ضرعا من هذه القيود التي وضعها اليساريون في النصوص القانونية عبر مجلة الأحوال الشخصية والتي منعت التونسي من الزواج بامرأة ثانية، فأعلنوا العصيان والتمرّد عليها نظرا لأنها قوانين ليست إسلامية. فكان البديل هو الزواج العرفي الذي يرون أنه قد استكمل جميع شروط أركان الزواج في الشريعة الإسلامية وبالتالي يجنبهم من ارتكاب الزنى، فلو أن القانون التونسي الجائر كان يسمح لهم بتعدد الزوجات كما هو وارد في أغلب الدول العربية لما التجئوا إلى مثل هذا الزواج. هذا التمرّد لم يعجب اليساريين وخصوصا رجال الإعلام، نظرا لأنهم كانوا يعتقدون أن مجلة الأحوال الشخصية، العلمانية المعالم بمثابة القرآن الكريم بالنسبة للمسلمين لا يمكن أن تتغير أو تنقح لذلك أبدوا امتعاضهم من هذا السلوك عبر مقالات صحفية نشرت في عديد الصحف والمجلات إذ أنهم لم يألفوا مثل هذا الزواج من قبل نظرا للقمع والاستبداد المفروض على الشعب التونسي طيلة نصف قرن ومن قبل كانوا يدافعون على النساء العازبات وأبنائهن اللقطاء إلى درجة أنهم أحرجوا وزيرة المرأة التي كانت تنتمي إلى حركة النهضة من خلال إلقائهم إياها وابلا من الانتقادات عبر وسائل الإعلام. فيصل البوكاري تونس