تونس تتحصل لاول مرة على الاعتماد من الصندوق الأخضر للمناخ    تراجع عائدات صادرات زيت الزيتون..    فلاحتنا...17 اجراء جديدا لتصدير و تخزين زيت الزيتون...منح للفلاحين وجدولة قروض أصحاب المعاصر    إصابة فلسطينيين برصاص الاحتلال الصهيوني شرق مدينة غزة..#خبر_عاجل    بطولة الرابطة الثانية: برنامج مباريات الجولة السابعة    خطير/ اقتحام وسرقة جامع بهذه الجهة..وهذه التفاصيل..    البطولة العربية للأندية للكرة الطائرة (سيدات): النادي النسائي بقرطاج يواصل التألّق ويفوز على فتيات العيون الكويتي بثلاثة أشواط دون رد    باجة: الدورة التاسعة لمهرجان الرمان بتستور من 29 اكتوبر الى 2 نوفمبر وسط توقع صابة طيبة للرمان بالمنطق    أحدهما متورّط في قضية التآمر على أمن الدولة .. تأجيل محاكمة سفير ومستشار سابقين أمام دائرة الارهاب    اليوم انطلاق موسم جني الزيتون بصفاقس .. صابة قياسية ..وآمال في تسعيرة تراعي الفلاح والمستهلك    شربان... صدور أمر دعوة النّاخبين للتّصويت على سحب الوكالة من نائب محلّي.. 28 ديسمبر.. يوم الاقتراع بعمادة «الشرف»    في البيان الختامي لمؤتمر الجبهة التقدمية العربية ..سلاح المقاومة هو الخيار الوحيد للتعامل مع العدو الصهيوني    عين دراهم: الدورة الثانية لخريف خمير الموسيقي    في اختتام مهرجان «نجع الفن» بدوز...مارسيل خليفة يشدو لألف متفرج ويكتب لطفلة    برمجت 4 عروض مسرحية... جمعية «مسرح الشعب»تنعش الفن الرابع في حمام سوسة    عاجل: 18 قتيلاً في غرق مركب مهاجرين قبالة ليبيا    عاجل/ حماس تعلن عن هذا القرار..    القبض على "مروّع مستعملي الطريق" بجبل الجلود..وهذه التفاصيل..    تنظيم الدورة الثالثة من تظاهرة "جامعة تونس المنار، منارة الثقافات" يوم 4 نوفمبر المقبل    عاجل: ملعب رادس هو الوحيد المعتمد لتونس في دوري الأبطال!    عاجل : جامعة كرة القدم تُعلن شروط الترشح لانتخابات المكتب الجامعي    تونس تتجه نحو الاقتصاد في قيمة دعم المحروقات والكهرباء بنحو 726 مليون دينار سنة 2026    راغب علامة لزوجته في عيد ميلادها: ''وجودك بحياتي نعمة''    مونديال تحت 17 سنة لكرة اليد: المنتخب الوطني ينهزم امام نظيره الإسباني    تونس تتحرك ضد التبذير الغذائي: انطلاق إعداد استراتيجية وطنية لحماية قوت التوانسة!    عاجل: تحطم طائرة في كينيا.. وفاة 11 شخص بينهم ألمان ومجريين!    عاجل : وفاة الإعلامي اللبناني بسام برّاك    دكتورة مختصّة تكشف طرق معالجة الإطفال من الإدمان    عاجل: وفاة مفاجئة لنجم التيك توك...شكون؟    تونس تشارك ب 10 جذافين في البطولة الافريقية للتجذيف الكلاسيكي والتجذيف الشاطئي    عاجل/ تحسّن صرف الدينار أمام الدولار والأورو    متوفّر في كل منزل: حبّة واحدة يوميا من هذه النبتة تعزّز صحة القلب وتُنظّم الكوليسترول    تعرفش سوم الدجاج والسكالوب بقداه اليوم في تونس؟    بشرة خير: نشاط جوي بارد في هذه المنطقة    أحمد بالطيب : معدل رضا السائح وصل ل7/10 ...و المؤشرات إيجابية    كيفاش تحمي رضيعك من التهاب القصيبات الهوائية ''Bronchiolite''؟    الترجي الرياضي: غيابات بالجملة في مواجهة النادي البنزرتي    عاجل/ وزيرة المالية: الأولوية في التشغيل لهذه الفئات..    الحماية المدنية: 422 تدخلا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    تحذير للنساء: انتفاخ البطن المفاجئ ما هوش مجرد مشكل هضم..حاجات أخطر!    رغم مخاوف العمر واللياقة: ميسي يتطلع للمشاركة في كأس العالم    تجاوزات في السكن والنقل والتأمين.. موسم العمرة يبدأ بالشكوى!    تنديد بالإرتفاع المُشط في أسعار اللحوم الحمراء.. #خبر_عاجل    حكم بالسجن لمغتصب فتاة من ذوي الإحتياجات الخاصة    بعد أشهر من الخلاف.. ترامب لماسك: "سأظل أحبه دائما"    شنوا يصير كان تونس ترفع المعاليم الديوانية على السلع الصينية ؟    وزير التجهيز: ينتظر ان تصدر قريبا النصوص التطبيقية لقانون البنايات المتداعية للسقوط    إسرائيل تنشر فيديو جديد ليحيى السنوار.. وسط أنقاض الحرب    عاجل: عودة الأمطار بداية نوفمبر... وتقلبات منتظرة في الأسبوع الثاني    طقس الثلاثاء: الحرارة بين 19 و30 درجة مع سحب عابرة ورياح قوية    وزارة الصحة : اطلاق خطة وطنية لحماية الأطفال من التهاب الشُعيبات    أولا وأخيرا: خلاص الفاتورة في الدورة    ملتقى حول الشيخ الطاهر بن عاشور    الليلة.. انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة    تنشط بين ليبيا وتونس.. تفكيك شبكة إجرامية دولية في مجال ترويج المخدرات    بالفيديو : صوت ملائكي للطفل محمد عامر يؤذن ويقرأ الفاتحة ويأسر قلوب التونسيين...من هو؟    مصر.. تعطل الدراسة في 38 مدرسة حرصا على سلامة التلاميذ    زحل المهيب: أمسية فلكية لا تفوت بتونس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



راشد الغنوشى يتحدث عن حلم الحرية والمرأة فى دولة الإسلام (1 – 3) سامح سامي
نشر في الفجر نيوز يوم 14 - 03 - 2012

الحيرة التى تنتاب الواحد أثناء الكتابة فى أمور كهذه كبيرة.
خاصة إذا كنت محسوبا على التيار الليبرالى، ثم تحاول التعرض بموضوعية إلى مفكر إسلامى. وأنت تعرف أن الموضوعية فخ، والحياد وهم. لكن المهم فى المسألة أن تكون صادقا.
هل تعرف راشد الغنوشى رئيس ومؤسس حركة النهضة التونسية؟
نعم.
طيب.. هل قرأت له كتابا؟ لا.
إذا، ليس بوسع أحد، ولا يليق، أن يقترح على آخر ماذا عليه أن يقرأ. ولكن هذا لا يمنع فى أحيان كثيرة، وفقا لوظيفة الصحفى، أن يكتب عن كتب، لكى يقرأها قارئ ما، وهى فرصة يجدها هذا الصحفى، مجدية لكى يخرج كل ما يفكر فيه، أو بالأحرى ما يقلقه. وأقصد مسألة «الدولة الإسلامية».
(1)
كثيرون يكتبون عن هذه الدولة، فيتسللون سرا للآخر متحدثين عن تسامح الإسلام وقيام دولته، وفى الخفاء ينقضون ذلك.
والحديث عن كتب الغنوشى مثل: «الحريات العامة فى الدولة الإسلامية» فى جزءين، و«المرأة بين القرآن وواقع المسلمين» يجرنا نحو هذا الهاجس الذى أتى للبعض بعد سيطرة الإسلاميين على ثورات الربيع العربى، فى تونس ومصر.
فريق يقول إنه لا خوف من الدولة الإسلامية.. فهل يخاف الناس من دينهم؟ وفريق آخر يرد أن الخوف ليس من الدين نفسه، بل من الذين يفسرون الدين، ويلبسونه قميصا على ذوقهم، فينزلون الدين إلى منزلة أقل، حيث اختلاط كلام الله بكلام الناس.
وفى كتب الغنوشى، الصادرة عن الشروق، تبشير بأفكاره الإسلامية، التى رغم بعض الملاحظات التى سنتعرض لها، إلا أنه يظل أكثر تطورا بفكره الإسلامى عن نظرائه المصريين. وتجربة تونس واضحة للعيان، كيف تعامل الإسلاميون بقيادة الغنوشى مع الليببرالية، وموقفهم المتقدم من قضية المرأة. ولعل هذا يعود إلى تلقى التونسيين قسطا هائلا من التعليم، المرتبط بشكل ما بالغرب. وعلى القارئ بعض الجهد فى الرجوع إلى مقالين د.سعد الدين إبراهيم فى المصرى اليوم، ود. نيفين مسعد فى الشروق لبيان انطباعهما عن الغنوشى فى جلسة جمعتهم، حيث جلس بين النساء على مائدة واحدة.
فى كتابه «المرأة بين القرآن وواقع المسلمين» كثير من الفكر المتطور، الذى يبدو بعيدا عن تجربة الإسلاميين فى مصر.
هو قال: «والنتيجة أنه ليس هناك فى الإسلام ما يقطع بمنع المرأة من الولايات العامة قضاء أو إمارة»، مستشهدا بآراء الشيخ المصرى الغزالى.
وهو أيضا فى هذا الكتاب يكتب، وكأنه من كبار دعاة العلمانية عن الجمود المحافظ فى مسألة المرأة فيراه لا يزال الغالب المسيطر على أمتنا، إسلاميوها وعلمانيوها، بما يمثل إعاقة كبرى لتنوير أو إصلاح.
ومن الملاحظات التى تحدثنا عنها، أنه إذا كان هذا ما يقوله صوت إسلامى محترم، فلماذا لا يُنفذ، على أرض الواقع، إضافة إلى أنه هو نفسه فى وضع المسئولية؟. هل هناك قوة كبرى أكبر من كلام العلماء تمنع تنفيذه، أم أن هذا كلام يُكتب للنخبة فى كتب لا يقرأها العامة؟.
(2)
العفيف الأخضر المفكر التونسى، الذى كان على خلاف شديد مع الغنوشى، قال: «راشد يتكلم بلطف.. والغنوشى يرفع العصا الغليظة».. هكذا يتعامل المختلفون مع الغنوشى. وللأسف كان العفيف مع الرئيس الهارب بن على؛ لأنه كان ضد الإسلاميين. لكن هذا لا يستدعى التعاطف الكامل مع الغنوشى، وهو الذى دافع عن القذافى، فكل النخب السياسية والدينية كانت مرتبكة تجاه الثورات الشعبية التى أسقطت الأنظمة العربية، فى أول الأمر.
يتعامل الغنوشى مع الديمقراطية، حسب كتبه، بشكل غريب. يعتبرها غربية، لا تصلح بالكامل فى الشرق المسلم: «لا تتجاوز كونها ممكنا من الممكنات، وإن الإسلام لا يتناقض معها ضرورة، بل إن بينهما تداخلا واشتراكا عظيمين، كما أن التباين والاستدراك عليهما واردان».
ويكمل الفكرة د.سليم العوا فى تقديمه لكتاب الغنوشى: «والتفرقة بين الوسائل والإجراءات، وبين المبادئ والقيم والأفكار، حيث يجوز دائما الإفادة من حصيلة البشر من دون النظر لعقائدهم ومللهم فى الأولى (أى فى الوسائل والإجراءات)، ويمتنع دائما التقليد المفضى إلى مخالفة أحكام الدين ومبادئه ومقاصده وقيمه، فى الثانية (أى فى المبادئ والقيم والأفكار) هذه التفرقة واضحة تمام الوضوح».
هكذا يقول الغنوشى، ويدافع عن هذا القول العوا المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، وهو الذى له كتاب «فى النظام السياسى للدولة الإسلامية». وهكذا يبشر الغنوشى بأفكاره الإسلامية عن «الديمقراطية». هذه الكلمة التى تتكرر على مسامع الناس، حتى أصبحت مجردة عن معناها الصحيح، كما يقول بعض الفلاسفة، والذين يحصرون الديمقراطية فى مكونات أربعة، بدونها لا تقوم لها «قومة». هذه المكونات بالترتيب: العلمانية «أى التفكير النسبى»، التسامح، التنوير «أى سلطان العقل»، الليبرالية «أى الحرية». أى لا يجوز الحديث عن الديمقراطية بدون تحقيق العلمانية والتسامح والتنوير والليبرالية، وكلها مصطلحات ومفاهيم يتم تكفيرها فى البلاد العربية، رغم أنها بعيدة عن هذا التشويه المتعمد باعتبارها ضد الدين.
(3)
وفى السطور التالية، نبدأ بالكتاب الأول «الحريات العامة فى الدولة الإسلامية» الجزء الأول.
يشعرك الكتاب بعمق تفكير الغنوشى، أحد أبرز المنظرين لما يعرف ب «الإسلام السياسى»، فلو أردت التعرف على هذا الإسلام، يحبذ أن تقرأ هذا الكتاب الذى يلخص الغنوشى رؤيته عن طبيعة الحكم الإسلامى: «يشعر المرء بنوع من القرف من استمرار هذا العفن قائما فى تراثنا الدينى وفكرنا السياسى، إذ يضع يده مباشرة على هذه الألغام التى قوضت حضارة الإسلام وأسلمتنا إلى الانحطاط. إنه من غير ثورة شاملة تطيح بهذه السموم التى لا تزال تجرى فى دماء الأمة وتشل طاقاتها عن الانطلاق، وتجهض انتفاضاتها، وتحبط أحلام نهضتها، فلا أمل فى انطلاقة متينة قوية قاصدة قمينة بإنتاج الحضارة من جديد فى أمتنا. إذ لا يزال شطر كبير من جهودنا يضيع، لا فى مقاومة الغزو الفكرى ونشر الإسلام وبناء مؤسسات النهضة، بل فى اجترار الانحطاط وإعادة إنتاجه، وفى أفضل الأحوال فى مقاومته بمنطقه نفسه. إن أقلامنا لا تزال منغمسة فى المداد المسموم، ومع ذلك نطمع فى أن نكتب بها تاريخا جديدا للإسلام، ولا يزال قسم من الأمة يتحدث عن العصمة وإجهاد نفسه فى التنظير لها، بينما شطر آخر لا يزال يجتر فى غير خجل حديثا عن قيادة لا تستشير إلا لمجرد الاستئناس، إذ الشورى بحسب فهمه السقيم معلمة، وليست ملزمة! وآخرون يرددون فى غير حياء أن رئيس الدولة هو الدولة، «كما ورد عند الشيخ النبهانى فى دستور حزب التحرير»، وكأن ما استند إليه كل ذلك شىء مذكور يستحق مجرد الالتفات إليه، فضلا على الوقوف لمناقشته وكأنه أمر جاد، ولكن ماذا نفعل وصواعق الإجماع تهبط كالمصائب على رءوسنا: إن المسلمين أجمعوا على صحة الاستخلاف أو التوريث أو الإمام الوصى أى أجمعوا على مصادرة حرياتنا وحقوقنا فى أن نختار الخادم الذى نوظفه فى خدمتنا والأجير الذى يعمل لنا تحت رقابتنا وبشروطنا ونصرفه متى شئنا؟».
هكذا يدعو الغنوشى إلى قيام دولة الإسلام، ولكن بشروط تبدو متقدمة، ومتوافقة مع أساليب العصر المتطور الذى نعيشه، انظر مثلا حديثه فى الفصل الثالث عن المبادئ الأساسية للنظام الديمقراطى، وحديثه عن أهمية التقدم العلمى، والتشجيع على تذوق الأدب.
ومن المفيد قراءة كتبه كلها فى «سلة واحدة»، فلا نفصل كاتبا عن آخر، حيث يشير كثيرا الغنوشى فى كتبه إلى طبيعة الحكم الإسلامى. ففى الجزء الثانى من هذا الكتاب، الذى نقدمه للقارئ فى حلقة أخرى، يقول الغنوشى بصراحة، دون لف ودوران: «لئن كانت إقامة الحكم الإسلامى الهدف القريب أو البعيد لكل جماعة إسلامية إنفاذا لأمر الله وتحقيقا لمصالح العباد، فإن الشريعة تضع أمام المسلم، فردا وجماعات، إذا تعذر ذلك الهدف، إمكانات بديلة لمعالجة الحالات الاستثنائية، كالتحالف مع جماعات غير إسلامية من أجل إقامة حكم تعددى تكون السلطة فيه للحزب الفائز بالأغلبية، أو كالتحالف من أجل دفع عدو خارجى أو دكتاتور شرط ألا يتضمن ذلك التحالف التزاما يضر برسالة الإسلام أو يغل يد الدعاة عن الصدع بالحق والسعى إلى إقامة حكم الإسلام ولو بعد حين، وكل ذلك تأسيسا على قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والنظر فى المآلات، ومبدأ الضرورة، وغيرها.
المهم أن يظل المؤمن أبدا إيجابيا عاملا على إقامة حكم الله، كليا كان أو جزئيا، حسب المستطاع.. ومن حكم الله بل جوهر حكم الله إقامة العدل، فإنما من أجل ذلك أرسل الله الرسل كلهم».
(4)
الكتاب يسأل عدة أسئلة من قبيل: هل هناك مفهوم لحقوق الإنسان فى الإسلام؟ ما سنده الفلسفى إن وجد؟ ما العلاقة بينه وبين الإعلانات الحديثة؟ هل هناك أساس مفهومى للدولة فى الإسلام، وإن وجد، فما العلاقة بينه وبين مفاهيم الدولة الغربية الحديثة؟ وما الأبعاد السياسية والاقتصادية والتربوية للشورى؟ وما ضمانات الحرية فى الدولة الإسلامية ضد الجور.
وهذه الأسئلة يجيب عنها الغنوشى إجمالا برؤية تبدو واضحة بالنسبة إليه، وإلى تجربته الإسلامية، وهى أن «الإسلام إنما جاء لمصلحة البشرية، وأنه يستوعب كل إنجازاتها الخيرة، مثل التقدم العلمى والديمقراطية وحقوق الأفراد والشعوب والأقليات والنساء، على أساس المساواة»، مستفيدا من بحوث الآخرين فى توصيل رؤيته، أمثال فهمى هويدى فى «القرآن والسلطان»، ومحمد طه بدوى فى «بحث فى النظام السياسى الإسلامى»، وصبحى عبده سعيد فى «الحكم وأصول الحكم فى النظام الإسلامى»، وسيد قطب فى «ظلال القرآن»، وعباس العقاد فى «الديمقراطية فى الإسلام»، وغيرها من الكتب الكثيرة التى سيجىء ذكرها فى حلقة أخرى من عرضنا لكتب الغنوشى.
اللافت للنظر فى كتاب الغنوشى أنه يتحدث كثيرا إلى غير المسلمين، كأنه يود جلب السلام إلى أنفسهم، وطرد الخوف لديهم من إقامة دولة إسلامية: «إقامة دولة الإسلام الشورية الديمقراطية، دولة الأمة، لا تمثل حاجة للمسلمين فحسب، وإنما هى حاجة للبشرية قاطبة».
ولعل هذه النقطة، تشغل بال كل المصريين فى هذا الوقت الحرج الذى نعيشه من سيطرة الإسلاميين على أغلبية البرلمان، والتوقعات بأن يتولوا الحكم قريبا، رغم أن الصوت الواضح فى الإعلام وبين النخبة، هو رفض الحكم الدينى، لعدة أسباب، أولها أن التجارب كارثية حين تولى الإسلاميون أى حكم، ثانيا أن الخريطة المصرية متنوعة ومتداخلة بفضل وجود الأقباط، الذين يخوفون من سيطرة الإسلاميين.
ولعله من المفيد تقديم رؤية هؤلاء الإسلاميين لطبيعة الحكم، ومنهم الغنوشى، إضافة إلى عرض بعض وجهات النظر لدى بعض المسيحيين المهتمين بالتراث المسيحى العربى، مثل الأب سمير خليل اليسوعى الذى يرى أنه بدلا من الخوف من الصعود الإسلامى، يجب على المسيحيين أن يساهموا فى بناء حضارة عربية أخرى، كالتى شارك فيها بقوة أسلافهم من المسيحيين مثل قسطا بن لوقا، وهو أول من كتب عن العناية الطبية بالحج فى «الرسالة فى تدبير الحج»، ولكن ذلك بما لا يتعارض مع الديمقراطية وحقوق الإنسان، مسلمين ومسيحيين. وألا تكون كتب الغنوشى، وغيره من الإسلاميين ذوى الطابع التنويرى، الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية للنخبة فقط، ولا تصل للعامة؟!
اقرأ مثلا رؤيته لرسالة الإسلام، فى فصله الرابع عن المبادئ الأساسية للحكم الإسلامى، حيث يقول عن النقطة التى يتخوف منها الناس، وهى الشريعة الإسلامية. بالطبع لا أدافع عن تطبيق الشريعة الإسلامية فى مصر، ولكنى أود أن أكون منصفا فى نقل كلام الغنوشى المتطور فى فهمه والمتسامح مع المسلمين وغير المسلمين، حيث يقول إن الشريعة الإسلامية ظلت تمثل المشروعية العليا حتى فى حالات انحراف الحكم فى التاريخ الإسلامى، وتعتبر الدولة التى أنشأها الرسول من وجهة النظر الدستورية أقدم صورة للدولة كتنظيم للاجتماع السياسى، ذلك أنه تقرر فيها لأول مرة مبدأ الشرعية وخضوع الدولة للقانون، فالأحكام الشرعية التى جاء بها القرآن والسنة هى أحكام صادرة عن سلطة أعلى من سلطات الدولة جميعا، ولأول مرة فى التاريخ يتم الفصل بين إرادة الحاكم وبين القانون.
ويضيف أن دستور المدينة (الصحيفة) حدد فئات الدولة من مسلمين ويهود ومشركين، ونص عليهم قبيلة قبيلة، حيث يكونون جميعهم أمة من دون الناس، ونصت الصحيفة على حقوقهم وواجباتهم باعتبارهم مواطنين، وبينت حدود إقليم الدولة (يثرب). وتُعد هذه الوظيفة فى نظر فقهاء القانون الدستورى سبقا دستوريا تعرّضت لأهم قضايا الدولة كالمواطنة وشروطها، وهى مقدّمة لكل من طلبها، والتحق بإقليم الدولة مهما كان دينه، ومن يرفض ذلك ولو كان مسلما فليس له حق المواطنة.
الكتب نوعان
كتب عادية وهى الغالبة، تصدر ثم يواريها التراب على رفوف المكتبات، ثم تنسى، وأخرى استثنائية وهى قليلة، تصلح قدر المستطاع لكل زمان ومكان. وكتب الغنوشى أقرب إلى الفئة الثانية، خاصة كتابه «الحريات العامة فى الدولة الإسلامية»، حيث إن الحرية مطلب ملح، لن يضع أحد تعريفا لها جامعا شاملا، وهى لن تتحقق بالكامل حتى الآن، كما أن الدولة الإسلامية دعوة يحلم بها بعض الناس، وهى أيضا مفهوما لن يضع أحد حتى الآن معاييره أو ملامحه، كما لم يجب أحد أيضا على أسئلة من قبيل مدى تعارض واتفاق هذا المفهوم مع دولة الحريات.
راشد الغنوشى:
هو رئيس ومؤسس حركة النهضة التونسية ونائب رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين. يعتبر الشيخ راشد أحد أبرز المفكرين الإسلاميين فى العصر الحديث وأحد ألمع قيادات العمل الإسلامى. وتعتبر هذه الشخصية بمثابة بوصلة الحركات الإسلامية المعاصرة فى فكرها وتوجهها وخطابها ومشروعها. درس العلوم الشرعية فى جامع الزيتونة بتونس، ثم انتقل إلى جامعة دمشق ليدرس الفلسفة، ومنها إلى باريس حيث سجل لنيل درجة الماجستير فى الفلسفة بجامعة السوربون. أسس حركة الاتجاه الإسلامى فى تونس سنة 1981 التى غيرت اسمها سنة 1988 إلى حركة النهضة. كان أبرز المعارضين لنظامى بورقيبة وبن على، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة عدة مرات فى العهدين، وقضى عدة سنوات فى السجن. بعد خروجه من السجن لجأ إلى الجزائر وبقى فيها إلى أن دخلت مرحلة الاضطراب، وطلب بعد ذلك اللجوء السياسى فى بريطانيا. بعد ثورة 14 يناير 2011 عاد راشد الغنوشى إلى تونس بعد أكثر من 22 عاما فى المنفى، واستقبله بمطار تونس قرطاج عشرات الآلاف. قاد حزب حركة النهضة إلى الفوز بالأغلبية فى الانتخابات البرلمانية والتحالف مع أحزاب علمانية لتكوين أول حكومة منتخبة فى تاريخ تونس.
يعتبر الشيخ راشد الغنوشى أحد أبرز المنظرين لما يعرف ب«الإسلام السياسى» و«الفكر الإسلامى المعتدل». وقد أسهمت كتاباته فى إحداث تطور فى فكر وخطاب التيار الإسلامى وفى مراجعة وتغيير مفهوم حركات الإسلام السياسى بشأن عدد من القضايا المهمة ومنها: الحرية والديمقراطية والتعددية الحزبية ودخول العملية السياسية والمشاركة فى الانتخابات والبرلمانات والحكومات ونبذ العنف، والحريات الخاصة والعامة. ومن الأحزاب التى تأثرت بفكرة حزب العدالة والتنمية بقيادة طيب أردوغان فى تركيا.
له كثر من المؤلفات من أهمها: الحريات العامة فى الدولة الإسلامية،المرأة بين القرآن وواقع المسلمين، حقوق المواطنة فى الدولة الإسلامية، مقاربات فى العلمانية والمجتمع المدنى، الحركة الإسلامية ومسألة التغيير، نحن والغرب.. إلخ. وقد ترجمت مؤلفاته إلى لغات أجنبية كالإنجليزية والفرنسية والإسبانية والتركية والفارسية والأردية، إلا أنها كانت ممنوعة فى معظم البلدان العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.