المنصف باي.. الكشف عن عملية سرقة باستعمال النطر والإحتفاظ بشخصين    كرة اليد.. الترجي يحقق فوزه الاول في بطولة إفريقيا للأندية الفائزة بالكأس    استكمال تركيبة لجنة إعداد النظام الداخلي بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم    المنستير للجاز" في دورته الثانية"    منوبة: حجز طُنّيْن من الفواكه الجافة غير صالحة للاستهلاك    عبد الكريم قطاطة يفرّك رُمانة السي آس آس المريضة    جندوبة: حجز أطنان من القمح والشعير العلفي ومواد أخرى غذائية في مخزن عشوائي    بنزرت: القبض على تكفيري مفتش عنه ومحكوم ب8 سنوات سجنا    «لارتيستو»...الفنانة خديجة العفريت ل«الشروق».... المشهد الموسيقي التونسي حزين    ابداع في الامتحانات مقابل حوادث مروعة في الطرقات.. «الباك سبور» يثير الجدل    وزير الشباب والرياضة: نحو منح الشباب المُتطوع 'بطاقة المتطوع'    قبل الهجوم الصهيوني الوشيك ...رفح تناشد العالم منعا للمذبحة    فضيحة في مجلس الأمن بسبب عضوية فلسطين ..الجزائر تفجّر لغما تحت أقدام أمريكا    بعد القبض على 3 قيادات في 24 ساعة وحجز أحزمة ناسفة ..«الدواعش» خطّطوا لتفجيرات في تونس    أخبار الترجي الرياضي .. أفضلية ترجية وخطة متوازنة    رئيس الجمهورية يشرف على افتتاح الدورة 38 لمعرض تونس الدولي للكتاب    القصرين..سيتخصّص في أدوية «السرطان» والأمراض المستعصية.. نحو إحداث مركز لتوزيع الأدوية الخصوصيّة    توقيع مذكرة تفاهم بين تونس و 'الكيبيك' في مجال مكافحة الجرائم الالكترونية    هزيمة تؤكّد المشاكل الفنيّة والنفسيّة التي يعيشها النادي الصفاقسي    تعاون تونسي أمريكي في قطاع النسيج والملابس    عاجل/ محاولة تلميذ الاعتداء على أستاذه: مندوب التربية بالقيروان يكشف تفاصيلا جديدة    معرض تونس الدولي للكتاب يعلن عن المتوجين    ماذا في اجتماع وزيرة الصناعة بوفد عن الشركة الصينية الناشطة في مجال إنتاج الفسفاط؟    عاجل/ هذا ما تقرّر بخصوص زيارة الغريبة لهذا العام    المعهد الثانوي بدوز: الاتحاد الجهوي للشغل بقبلي يطلق صيحة فزع    عاجل/ تعيين مديرتين عامتين على رأس معهد باستور وديوان المياه    النادي البنزرتي وقوافل قفصة يتأهلان إلى الدور الثمن النهائي لكاس تونس    حالة الطقس خلال نهاية الأسبوع    الوضع الصحي للفنان ''الهادي بن عمر'' محل متابعة من القنصلية العامة لتونس بمرسليا    لجنة التشريع العام تستمع الى ممثلين عن وزارة الصحة    سيدي بوزيد: وفاة شخص وإصابة 5 آخرين في اصطدام بين سيارتين    تخصيص 12 مليون م3 من المياه للري التكميلي ل38 ألف هكتار من مساحات الزراعات الكبرى    عاجل/ كشف هوية الرجل الذي هدّد بتفجير القنصلية الايرانية في باريس    عاجل/ انتخاب عماد الدربالي رئيسا لمجلس الجهات والأقاليم    الصالون الدولي للفلاحة البيولوجية: 100 عارض وورشات عمل حول واقع الفلاحة البيولوجية في تونس والعالم    انطلاق معرض نابل الدولي في دورته 61    مضاعفا سيولته مرتين: البنك العربي لتونس يطور ناتجه البنكي الى 357 مليون دينار    برنامج الجلسة العامة الافتتاحية للمجلس الوطني للجهات والأقاليم    نقابة الثانوي: وزيرة التربية تعهدت بإنتداب الأساتذة النواب.    انزلاق حافلة سياحية في برج السدرية: التفاصيل    تواصل حملات التلقيح ضد الامراض الحيوانية إلى غاية ماي 2024 بغاية تلقيح 70 بالمائة من القطيع الوطني    عاجل/ بعد تأكيد اسرائيل استهدافها أصفهان: هكذا ردت لايران..    عاجل: زلزال يضرب تركيا    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني    توزر: ضبط مروج مخدرات من ذوي السوابق العدلية    كلوب : الخروج من الدوري الأوروبي يمكن أن يفيد ليفربول محليا    بطولة برشلونة للتنس: اليوناني تسيتسيباس يتأهل للدور ربع النهائي    انتشار حالات الإسهال وأوجاع المعدة.. .الإدارة الجهوية للصحة بمدنين توضح    المنستير: ضبط شخص عمد إلى زراعة '' الماريخوانا '' للاتجار فيها    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



راشد الغنوشى يتحدث عن حلم الحرية والمرأة فى دولة الإسلام (1 – 3) سامح سامي
نشر في الفجر نيوز يوم 14 - 03 - 2012

الحيرة التى تنتاب الواحد أثناء الكتابة فى أمور كهذه كبيرة.
خاصة إذا كنت محسوبا على التيار الليبرالى، ثم تحاول التعرض بموضوعية إلى مفكر إسلامى. وأنت تعرف أن الموضوعية فخ، والحياد وهم. لكن المهم فى المسألة أن تكون صادقا.
هل تعرف راشد الغنوشى رئيس ومؤسس حركة النهضة التونسية؟
نعم.
طيب.. هل قرأت له كتابا؟ لا.
إذا، ليس بوسع أحد، ولا يليق، أن يقترح على آخر ماذا عليه أن يقرأ. ولكن هذا لا يمنع فى أحيان كثيرة، وفقا لوظيفة الصحفى، أن يكتب عن كتب، لكى يقرأها قارئ ما، وهى فرصة يجدها هذا الصحفى، مجدية لكى يخرج كل ما يفكر فيه، أو بالأحرى ما يقلقه. وأقصد مسألة «الدولة الإسلامية».
(1)
كثيرون يكتبون عن هذه الدولة، فيتسللون سرا للآخر متحدثين عن تسامح الإسلام وقيام دولته، وفى الخفاء ينقضون ذلك.
والحديث عن كتب الغنوشى مثل: «الحريات العامة فى الدولة الإسلامية» فى جزءين، و«المرأة بين القرآن وواقع المسلمين» يجرنا نحو هذا الهاجس الذى أتى للبعض بعد سيطرة الإسلاميين على ثورات الربيع العربى، فى تونس ومصر.
فريق يقول إنه لا خوف من الدولة الإسلامية.. فهل يخاف الناس من دينهم؟ وفريق آخر يرد أن الخوف ليس من الدين نفسه، بل من الذين يفسرون الدين، ويلبسونه قميصا على ذوقهم، فينزلون الدين إلى منزلة أقل، حيث اختلاط كلام الله بكلام الناس.
وفى كتب الغنوشى، الصادرة عن الشروق، تبشير بأفكاره الإسلامية، التى رغم بعض الملاحظات التى سنتعرض لها، إلا أنه يظل أكثر تطورا بفكره الإسلامى عن نظرائه المصريين. وتجربة تونس واضحة للعيان، كيف تعامل الإسلاميون بقيادة الغنوشى مع الليببرالية، وموقفهم المتقدم من قضية المرأة. ولعل هذا يعود إلى تلقى التونسيين قسطا هائلا من التعليم، المرتبط بشكل ما بالغرب. وعلى القارئ بعض الجهد فى الرجوع إلى مقالين د.سعد الدين إبراهيم فى المصرى اليوم، ود. نيفين مسعد فى الشروق لبيان انطباعهما عن الغنوشى فى جلسة جمعتهم، حيث جلس بين النساء على مائدة واحدة.
فى كتابه «المرأة بين القرآن وواقع المسلمين» كثير من الفكر المتطور، الذى يبدو بعيدا عن تجربة الإسلاميين فى مصر.
هو قال: «والنتيجة أنه ليس هناك فى الإسلام ما يقطع بمنع المرأة من الولايات العامة قضاء أو إمارة»، مستشهدا بآراء الشيخ المصرى الغزالى.
وهو أيضا فى هذا الكتاب يكتب، وكأنه من كبار دعاة العلمانية عن الجمود المحافظ فى مسألة المرأة فيراه لا يزال الغالب المسيطر على أمتنا، إسلاميوها وعلمانيوها، بما يمثل إعاقة كبرى لتنوير أو إصلاح.
ومن الملاحظات التى تحدثنا عنها، أنه إذا كان هذا ما يقوله صوت إسلامى محترم، فلماذا لا يُنفذ، على أرض الواقع، إضافة إلى أنه هو نفسه فى وضع المسئولية؟. هل هناك قوة كبرى أكبر من كلام العلماء تمنع تنفيذه، أم أن هذا كلام يُكتب للنخبة فى كتب لا يقرأها العامة؟.
(2)
العفيف الأخضر المفكر التونسى، الذى كان على خلاف شديد مع الغنوشى، قال: «راشد يتكلم بلطف.. والغنوشى يرفع العصا الغليظة».. هكذا يتعامل المختلفون مع الغنوشى. وللأسف كان العفيف مع الرئيس الهارب بن على؛ لأنه كان ضد الإسلاميين. لكن هذا لا يستدعى التعاطف الكامل مع الغنوشى، وهو الذى دافع عن القذافى، فكل النخب السياسية والدينية كانت مرتبكة تجاه الثورات الشعبية التى أسقطت الأنظمة العربية، فى أول الأمر.
يتعامل الغنوشى مع الديمقراطية، حسب كتبه، بشكل غريب. يعتبرها غربية، لا تصلح بالكامل فى الشرق المسلم: «لا تتجاوز كونها ممكنا من الممكنات، وإن الإسلام لا يتناقض معها ضرورة، بل إن بينهما تداخلا واشتراكا عظيمين، كما أن التباين والاستدراك عليهما واردان».
ويكمل الفكرة د.سليم العوا فى تقديمه لكتاب الغنوشى: «والتفرقة بين الوسائل والإجراءات، وبين المبادئ والقيم والأفكار، حيث يجوز دائما الإفادة من حصيلة البشر من دون النظر لعقائدهم ومللهم فى الأولى (أى فى الوسائل والإجراءات)، ويمتنع دائما التقليد المفضى إلى مخالفة أحكام الدين ومبادئه ومقاصده وقيمه، فى الثانية (أى فى المبادئ والقيم والأفكار) هذه التفرقة واضحة تمام الوضوح».
هكذا يقول الغنوشى، ويدافع عن هذا القول العوا المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، وهو الذى له كتاب «فى النظام السياسى للدولة الإسلامية». وهكذا يبشر الغنوشى بأفكاره الإسلامية عن «الديمقراطية». هذه الكلمة التى تتكرر على مسامع الناس، حتى أصبحت مجردة عن معناها الصحيح، كما يقول بعض الفلاسفة، والذين يحصرون الديمقراطية فى مكونات أربعة، بدونها لا تقوم لها «قومة». هذه المكونات بالترتيب: العلمانية «أى التفكير النسبى»، التسامح، التنوير «أى سلطان العقل»، الليبرالية «أى الحرية». أى لا يجوز الحديث عن الديمقراطية بدون تحقيق العلمانية والتسامح والتنوير والليبرالية، وكلها مصطلحات ومفاهيم يتم تكفيرها فى البلاد العربية، رغم أنها بعيدة عن هذا التشويه المتعمد باعتبارها ضد الدين.
(3)
وفى السطور التالية، نبدأ بالكتاب الأول «الحريات العامة فى الدولة الإسلامية» الجزء الأول.
يشعرك الكتاب بعمق تفكير الغنوشى، أحد أبرز المنظرين لما يعرف ب «الإسلام السياسى»، فلو أردت التعرف على هذا الإسلام، يحبذ أن تقرأ هذا الكتاب الذى يلخص الغنوشى رؤيته عن طبيعة الحكم الإسلامى: «يشعر المرء بنوع من القرف من استمرار هذا العفن قائما فى تراثنا الدينى وفكرنا السياسى، إذ يضع يده مباشرة على هذه الألغام التى قوضت حضارة الإسلام وأسلمتنا إلى الانحطاط. إنه من غير ثورة شاملة تطيح بهذه السموم التى لا تزال تجرى فى دماء الأمة وتشل طاقاتها عن الانطلاق، وتجهض انتفاضاتها، وتحبط أحلام نهضتها، فلا أمل فى انطلاقة متينة قوية قاصدة قمينة بإنتاج الحضارة من جديد فى أمتنا. إذ لا يزال شطر كبير من جهودنا يضيع، لا فى مقاومة الغزو الفكرى ونشر الإسلام وبناء مؤسسات النهضة، بل فى اجترار الانحطاط وإعادة إنتاجه، وفى أفضل الأحوال فى مقاومته بمنطقه نفسه. إن أقلامنا لا تزال منغمسة فى المداد المسموم، ومع ذلك نطمع فى أن نكتب بها تاريخا جديدا للإسلام، ولا يزال قسم من الأمة يتحدث عن العصمة وإجهاد نفسه فى التنظير لها، بينما شطر آخر لا يزال يجتر فى غير خجل حديثا عن قيادة لا تستشير إلا لمجرد الاستئناس، إذ الشورى بحسب فهمه السقيم معلمة، وليست ملزمة! وآخرون يرددون فى غير حياء أن رئيس الدولة هو الدولة، «كما ورد عند الشيخ النبهانى فى دستور حزب التحرير»، وكأن ما استند إليه كل ذلك شىء مذكور يستحق مجرد الالتفات إليه، فضلا على الوقوف لمناقشته وكأنه أمر جاد، ولكن ماذا نفعل وصواعق الإجماع تهبط كالمصائب على رءوسنا: إن المسلمين أجمعوا على صحة الاستخلاف أو التوريث أو الإمام الوصى أى أجمعوا على مصادرة حرياتنا وحقوقنا فى أن نختار الخادم الذى نوظفه فى خدمتنا والأجير الذى يعمل لنا تحت رقابتنا وبشروطنا ونصرفه متى شئنا؟».
هكذا يدعو الغنوشى إلى قيام دولة الإسلام، ولكن بشروط تبدو متقدمة، ومتوافقة مع أساليب العصر المتطور الذى نعيشه، انظر مثلا حديثه فى الفصل الثالث عن المبادئ الأساسية للنظام الديمقراطى، وحديثه عن أهمية التقدم العلمى، والتشجيع على تذوق الأدب.
ومن المفيد قراءة كتبه كلها فى «سلة واحدة»، فلا نفصل كاتبا عن آخر، حيث يشير كثيرا الغنوشى فى كتبه إلى طبيعة الحكم الإسلامى. ففى الجزء الثانى من هذا الكتاب، الذى نقدمه للقارئ فى حلقة أخرى، يقول الغنوشى بصراحة، دون لف ودوران: «لئن كانت إقامة الحكم الإسلامى الهدف القريب أو البعيد لكل جماعة إسلامية إنفاذا لأمر الله وتحقيقا لمصالح العباد، فإن الشريعة تضع أمام المسلم، فردا وجماعات، إذا تعذر ذلك الهدف، إمكانات بديلة لمعالجة الحالات الاستثنائية، كالتحالف مع جماعات غير إسلامية من أجل إقامة حكم تعددى تكون السلطة فيه للحزب الفائز بالأغلبية، أو كالتحالف من أجل دفع عدو خارجى أو دكتاتور شرط ألا يتضمن ذلك التحالف التزاما يضر برسالة الإسلام أو يغل يد الدعاة عن الصدع بالحق والسعى إلى إقامة حكم الإسلام ولو بعد حين، وكل ذلك تأسيسا على قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والنظر فى المآلات، ومبدأ الضرورة، وغيرها.
المهم أن يظل المؤمن أبدا إيجابيا عاملا على إقامة حكم الله، كليا كان أو جزئيا، حسب المستطاع.. ومن حكم الله بل جوهر حكم الله إقامة العدل، فإنما من أجل ذلك أرسل الله الرسل كلهم».
(4)
الكتاب يسأل عدة أسئلة من قبيل: هل هناك مفهوم لحقوق الإنسان فى الإسلام؟ ما سنده الفلسفى إن وجد؟ ما العلاقة بينه وبين الإعلانات الحديثة؟ هل هناك أساس مفهومى للدولة فى الإسلام، وإن وجد، فما العلاقة بينه وبين مفاهيم الدولة الغربية الحديثة؟ وما الأبعاد السياسية والاقتصادية والتربوية للشورى؟ وما ضمانات الحرية فى الدولة الإسلامية ضد الجور.
وهذه الأسئلة يجيب عنها الغنوشى إجمالا برؤية تبدو واضحة بالنسبة إليه، وإلى تجربته الإسلامية، وهى أن «الإسلام إنما جاء لمصلحة البشرية، وأنه يستوعب كل إنجازاتها الخيرة، مثل التقدم العلمى والديمقراطية وحقوق الأفراد والشعوب والأقليات والنساء، على أساس المساواة»، مستفيدا من بحوث الآخرين فى توصيل رؤيته، أمثال فهمى هويدى فى «القرآن والسلطان»، ومحمد طه بدوى فى «بحث فى النظام السياسى الإسلامى»، وصبحى عبده سعيد فى «الحكم وأصول الحكم فى النظام الإسلامى»، وسيد قطب فى «ظلال القرآن»، وعباس العقاد فى «الديمقراطية فى الإسلام»، وغيرها من الكتب الكثيرة التى سيجىء ذكرها فى حلقة أخرى من عرضنا لكتب الغنوشى.
اللافت للنظر فى كتاب الغنوشى أنه يتحدث كثيرا إلى غير المسلمين، كأنه يود جلب السلام إلى أنفسهم، وطرد الخوف لديهم من إقامة دولة إسلامية: «إقامة دولة الإسلام الشورية الديمقراطية، دولة الأمة، لا تمثل حاجة للمسلمين فحسب، وإنما هى حاجة للبشرية قاطبة».
ولعل هذه النقطة، تشغل بال كل المصريين فى هذا الوقت الحرج الذى نعيشه من سيطرة الإسلاميين على أغلبية البرلمان، والتوقعات بأن يتولوا الحكم قريبا، رغم أن الصوت الواضح فى الإعلام وبين النخبة، هو رفض الحكم الدينى، لعدة أسباب، أولها أن التجارب كارثية حين تولى الإسلاميون أى حكم، ثانيا أن الخريطة المصرية متنوعة ومتداخلة بفضل وجود الأقباط، الذين يخوفون من سيطرة الإسلاميين.
ولعله من المفيد تقديم رؤية هؤلاء الإسلاميين لطبيعة الحكم، ومنهم الغنوشى، إضافة إلى عرض بعض وجهات النظر لدى بعض المسيحيين المهتمين بالتراث المسيحى العربى، مثل الأب سمير خليل اليسوعى الذى يرى أنه بدلا من الخوف من الصعود الإسلامى، يجب على المسيحيين أن يساهموا فى بناء حضارة عربية أخرى، كالتى شارك فيها بقوة أسلافهم من المسيحيين مثل قسطا بن لوقا، وهو أول من كتب عن العناية الطبية بالحج فى «الرسالة فى تدبير الحج»، ولكن ذلك بما لا يتعارض مع الديمقراطية وحقوق الإنسان، مسلمين ومسيحيين. وألا تكون كتب الغنوشى، وغيره من الإسلاميين ذوى الطابع التنويرى، الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية للنخبة فقط، ولا تصل للعامة؟!
اقرأ مثلا رؤيته لرسالة الإسلام، فى فصله الرابع عن المبادئ الأساسية للحكم الإسلامى، حيث يقول عن النقطة التى يتخوف منها الناس، وهى الشريعة الإسلامية. بالطبع لا أدافع عن تطبيق الشريعة الإسلامية فى مصر، ولكنى أود أن أكون منصفا فى نقل كلام الغنوشى المتطور فى فهمه والمتسامح مع المسلمين وغير المسلمين، حيث يقول إن الشريعة الإسلامية ظلت تمثل المشروعية العليا حتى فى حالات انحراف الحكم فى التاريخ الإسلامى، وتعتبر الدولة التى أنشأها الرسول من وجهة النظر الدستورية أقدم صورة للدولة كتنظيم للاجتماع السياسى، ذلك أنه تقرر فيها لأول مرة مبدأ الشرعية وخضوع الدولة للقانون، فالأحكام الشرعية التى جاء بها القرآن والسنة هى أحكام صادرة عن سلطة أعلى من سلطات الدولة جميعا، ولأول مرة فى التاريخ يتم الفصل بين إرادة الحاكم وبين القانون.
ويضيف أن دستور المدينة (الصحيفة) حدد فئات الدولة من مسلمين ويهود ومشركين، ونص عليهم قبيلة قبيلة، حيث يكونون جميعهم أمة من دون الناس، ونصت الصحيفة على حقوقهم وواجباتهم باعتبارهم مواطنين، وبينت حدود إقليم الدولة (يثرب). وتُعد هذه الوظيفة فى نظر فقهاء القانون الدستورى سبقا دستوريا تعرّضت لأهم قضايا الدولة كالمواطنة وشروطها، وهى مقدّمة لكل من طلبها، والتحق بإقليم الدولة مهما كان دينه، ومن يرفض ذلك ولو كان مسلما فليس له حق المواطنة.
الكتب نوعان
كتب عادية وهى الغالبة، تصدر ثم يواريها التراب على رفوف المكتبات، ثم تنسى، وأخرى استثنائية وهى قليلة، تصلح قدر المستطاع لكل زمان ومكان. وكتب الغنوشى أقرب إلى الفئة الثانية، خاصة كتابه «الحريات العامة فى الدولة الإسلامية»، حيث إن الحرية مطلب ملح، لن يضع أحد تعريفا لها جامعا شاملا، وهى لن تتحقق بالكامل حتى الآن، كما أن الدولة الإسلامية دعوة يحلم بها بعض الناس، وهى أيضا مفهوما لن يضع أحد حتى الآن معاييره أو ملامحه، كما لم يجب أحد أيضا على أسئلة من قبيل مدى تعارض واتفاق هذا المفهوم مع دولة الحريات.
راشد الغنوشى:
هو رئيس ومؤسس حركة النهضة التونسية ونائب رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين. يعتبر الشيخ راشد أحد أبرز المفكرين الإسلاميين فى العصر الحديث وأحد ألمع قيادات العمل الإسلامى. وتعتبر هذه الشخصية بمثابة بوصلة الحركات الإسلامية المعاصرة فى فكرها وتوجهها وخطابها ومشروعها. درس العلوم الشرعية فى جامع الزيتونة بتونس، ثم انتقل إلى جامعة دمشق ليدرس الفلسفة، ومنها إلى باريس حيث سجل لنيل درجة الماجستير فى الفلسفة بجامعة السوربون. أسس حركة الاتجاه الإسلامى فى تونس سنة 1981 التى غيرت اسمها سنة 1988 إلى حركة النهضة. كان أبرز المعارضين لنظامى بورقيبة وبن على، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة عدة مرات فى العهدين، وقضى عدة سنوات فى السجن. بعد خروجه من السجن لجأ إلى الجزائر وبقى فيها إلى أن دخلت مرحلة الاضطراب، وطلب بعد ذلك اللجوء السياسى فى بريطانيا. بعد ثورة 14 يناير 2011 عاد راشد الغنوشى إلى تونس بعد أكثر من 22 عاما فى المنفى، واستقبله بمطار تونس قرطاج عشرات الآلاف. قاد حزب حركة النهضة إلى الفوز بالأغلبية فى الانتخابات البرلمانية والتحالف مع أحزاب علمانية لتكوين أول حكومة منتخبة فى تاريخ تونس.
يعتبر الشيخ راشد الغنوشى أحد أبرز المنظرين لما يعرف ب«الإسلام السياسى» و«الفكر الإسلامى المعتدل». وقد أسهمت كتاباته فى إحداث تطور فى فكر وخطاب التيار الإسلامى وفى مراجعة وتغيير مفهوم حركات الإسلام السياسى بشأن عدد من القضايا المهمة ومنها: الحرية والديمقراطية والتعددية الحزبية ودخول العملية السياسية والمشاركة فى الانتخابات والبرلمانات والحكومات ونبذ العنف، والحريات الخاصة والعامة. ومن الأحزاب التى تأثرت بفكرة حزب العدالة والتنمية بقيادة طيب أردوغان فى تركيا.
له كثر من المؤلفات من أهمها: الحريات العامة فى الدولة الإسلامية،المرأة بين القرآن وواقع المسلمين، حقوق المواطنة فى الدولة الإسلامية، مقاربات فى العلمانية والمجتمع المدنى، الحركة الإسلامية ومسألة التغيير، نحن والغرب.. إلخ. وقد ترجمت مؤلفاته إلى لغات أجنبية كالإنجليزية والفرنسية والإسبانية والتركية والفارسية والأردية، إلا أنها كانت ممنوعة فى معظم البلدان العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.