بكثير من السرور والتقدير تابعت اعتصام طلبة الكتلة الإسلامية داخل حرم جامعة بيرزيت، والذي يدخل يومه السادس على التوالي، وكان بدأ على إثر اعتقال جهاز الأمن الوقائي الطالب في الجامعة عمران المظلوم أحد ناشطي الكتلة، ورغم الإفراج عن عمران لاحقا، إلا أن الاعتصام استمر واضعاً هدفاً مركزياً له وهو إنهاء الاعتقالات والاستدعاءات على خلفية سياسية، والتي بدأت منذ خمس سنوات هي عمر حالة القمع الأمني الذي عاشه ميدان الضفة الغربية وما زال، وخلالها كانت الجامعات الفلسطينية الضحية الأبرز التي دفعت أثماناً كبيرة من مستقبل طلبتها وأعمارهم، ومن رسالتها الوطنية، وعلى حساب دورها التاريخي الذي تقزم إلى درجة باتت معها الجماعات أشبه بساحة إقصاء وقمع أبطالها الأجهزة الأمنية من جهة التي لم تتورع عن انتهاك حرمات الجامعات، وذلك النفر من الطلاب معروفي التوجّه الذين كانوا يمدون تلك الأجهزة بتقارير متواصلة عن نشاط الكتل الطلابية وتحديداً الكتلة الإسلامية، والتوصية باعتقال كل الناشطين والحرص على حرمانهم من التخرج أو من تقديم الامتحانات النهائية في الجامعة! ولن أستطرد هنا في توصيف المهازل والانتهاكات التي اكتنفت المرحلة السابقة، وأفسدت الحياة الجامعية أيما إفساد، وحيّدت القطاع الطلابي عن ممارسة حقه في النشاط السياسي داخل الجامعات أو التفاعل مع قضاياه الوطنية، وصبغت الساحات الجامعية بلون واحد، بعد ممارسة البلطجة في كل موسم انتخابي بهدف إبعاد الكتلة الإسلامية عن ساحة المنافسة وإبقاء الميدان حكراً على حركة الشبيبة الفتحاوية. لكن المهم اليوم هو تلك العبرة بالغة الأهمية التي كرّستها خطوة تلك الثلة الشجاعة من طلبة الكتلة الإسلامية في بيرزيت الذين ما زالوا يواصلون اعتصامهم وتمسكهم بمطالبهم المشروعة، وما زالت دائرة التفاعل معهم تتسع يوماً بعد يوم، فالحقوق التي سلبت بالاستقواء والتهديد لن تعود إلا إذا انتزعت انتزاعاً، وحين تعي الضحية أن المسؤولية الأولى مناطة بها، وأن دورها ينبغي ألا يقتصر على المناشدات وانتظار المنح السياسية التي قد تفرزها اتفاقات المصالحة، ذلك أن أي ذراع أمنية غاشمة لن يؤلمها ويوقف تغوّلها سوى أن تمسك بها يد الضحية حين ترفع لواء التحدي ونبذ الخوف، والكفّ عن قبول الاستضعاف أو التسليم به واقعا لا يقبل التبديل. نستذكر هنا ميداناً آخر كان صاحب السبق في رفع لواء رفض الاعتقال السياسي والتنسيق الأمني، وهو دوار ابن رشد في مدينة الخليل، الذي ما زال منذ تسعة أشهر يشهد حراكاً متواصلاً ضد الاعتقال السياسي والاستدعاءات وانتهاك الحريّات، رغم المضايقات والتهديدات التي طالت عدداً من المشاركين في بداية الحراك. لكن انطلاق حملة رفض الاعتقال من داخل الجامعات ينطوي على أهمية كبرى، ليس فقط لأن الجامعات إحدى أبرز القطاعات التي تضررت من سياسة القمع والإقصاء، بل لأنه يشي كذلك بأن كل الترهيب الذي استخدم طوال السنوات الخمس الماضية بدأ يأتي بنتائج معاكسة للرغبة الأمنية، وبأن اشتداد قبضة القمع لن يفرز إلا ثورة عليه وتحدياً له وإن طال الزمن. لواء التحدي والإصرار الذي رفعه طلبة الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت ينبغي ألا يظل خفاقاً في سماء تلك الجامعة وحدها، ولا بد من انتقاله سريعاً إلى جامعات أخرى عانت بدورها الأمرين جراء الاعتقالات الجائرة والاستدعاءات المذلة، وأهمها النجاح في نابلس، والخليل والبولتكنك في الخليل، والتي ما زال عدد من طلبتها معتقلين في سجون الأجهزة الأمنية، وبعضهم أمضى أكثر من عام فيها. قُبيل موسم الانتخابات الطلابية هذا العام يبدو مهمّاً العمل على تحصيل الحقوق الطلابية المسلوبة كافة، وتفعيل جميع آليات الاحتجاج السلمي داخل الجامعات، وصولاً إلى تحصيل تلك الحقوق وأخذ ضمانات بصونها، وإلا فستظل الساحات الجامعية مسرحاً للعبث والفردية والإقصاء، وسيظل الصوت الطلابي الحرّ مغيباً ومضطهدا، ولن تفلح جميع الاتفاقات السياسية في تغيير هذا الواقع، أو العودة بجامعات الضفة الغربية إلى عهودها الذهبية!