في الوقت الذي يشهد فيه عالمنا العربي ربيعا يتسم بالثورة على الدكتاتوريات العربية والحكومات الجبرية التي طال استبدادها فوق رقاب الشعوب. وفي الوقت الذي تصدر فيه الشعوب الإسلاميين لقيادة المشهد السياسي لما خبروا منهم من نزاهة وطيبة ونظافة يد وقوة في الحق. في هذه الأثناء تدخل جماعة الإخوان في اختبار الديمقراطية على مستوى الشعوب ومستويات الحكم في كل دولة، والديمقراطية الداخلية على مستوى صفها التنظيمي الداخلي. أولا : الديمقراطية الخارجية/ وفي الديمقراطية الخارجية والمتصلة بالممارسة الشعبية التي تتعلق بالمدافعة مع الغير، أثبت الإخوان مصداقيتهم وشفافيتهم واحترامهم للغير كما الإرادة الشعبية ووفائهم لها، وحتى قبل أن يبدأ الربيع العربي. ففي تجربة حركة حماس الديمقراطية عام 2006م مثالا رائعا للنزاهة والشفافية والمصداقية الأمر الذي شهد به الخصوم قبل الأصدقاء،الأمر الذي أجبر حماس على احترام إرادة الشعب الأمر الذي أبقاها في الحكم حتى الآن. وفي التجربة التونسية لحزب النهضة مشهدا مشابها لتجربة حماس حيث حازت على ثقة الشعب بمجرد إتاحة الفرصة للشعوب للتعبير عن إرادتها الحرة، وقد أثبت الإخوان في تونس احترامهم للغير رغم قدرتهم على السيطرة على المشهد السياسي بالكامل، حيث آثر حزب النهضة تقاسم كعكة الحكم حتى من العلمانيين واليساريين عبر توزيع الحقائب الثلاث الرئاسة ورئاسة الوزراء ورئاسة الجمعية التأسيسية. وفي التجربة المصرية لجماعة الإخوان المسلمين الأم في بلد الثمانين مليون خير مثال ودليل على مصداقية وعمق التحام الأخوان بالشعب الأمر الذي عبر عن نفسه بالنتائج التي أعطت للإخوان أغلبية في مجلس الشعب والشورى. ثانيا: في الديمقراطية الداخلية/ وقد اتسمت الديمقراطية الداخلية للإخوان في مختلف البلدان والأقطار التي تتواجد فيها الجماعة بالسرية والكتمان بحكم حالة القمع والملاحقة التي كانت تعاني منها من الحكومات القمعية الاستبدادية من مصر حتى تونس. وعليه وفور نجاح الربيع العربي في مصر على سبيل المثال فقد أجرت انتخاباتها الداخلية الأخيرة في أجواء من الانفتاح بغرض تثبيت تجربة صورة الإخوان مع احترام الديمقراطية بل وممارستها داخل صفوفهم. وقد تجلت هذه التجربة في أبرز صورها مع قرار الإخوان تقديم مرشح لرئاسة مصر من عدمه، حيث كان مع القرار النصف زائد واحد، واحترم جميع الإخوان القرار وسيكونون جنودا في تنفيذه، وذلك رغم تعبير أكثر من قيادي في الإخوان وصولا إلى المرشد العام السابق مهدي عاكف، وفي حزب الحرية والعدالة عن عدم رضاهم عن القرار لتخوفهم من وقوع الإخوان في فخ الحكم لإفشال تجربة الإخوان وتشويه صورتهم تماما كما حدث في تجربة حماس التي ما زالت تخوض تجربة الحكم وتعمل على إنجاحها رغم بحر الأزمات المفتعلة في وجهها، إلا أن أولئك أعلنوا رغم عدم رضاهم عن القرار التزامهم به. أما في حالة حركة حماس التي ما زالت تعاني من الاستهداف والملاحقة ففي ديمقراطيتها الداخلية عبر مؤسساتها الشورية الداخلية هناك التباسات تشوبها. ففي الوقت الذي تلتزم فيه الحركة قرارات مؤسساتها الشورية في إقرار اللوائح الداخلية التي تحكم انتخاباتها الداخلية والتي تجري بشكل دوري في أجواء من الشفافية وغياب المنافسة . فان الحركة تبدوا لصفها الداخلي مقصرة كثيرا في تعميم تجربة الحوار الداخلي وثقافة الانتخابات بكل ما يطرأ على لوائحها الداخلية من تعديلات تستلزم إدامة التواصل لتجنب البلبلة واللغط. حيث يرى بعض المراقبين أنه كان يتوجب على جماعة الإخوان في فلسطين والتي اعتمدت كعضو ثابت له صفته الاعتبارية الكاملة في التنظيم الدولي أن تتواصل مع قواعدها الانتخابية الذين يشكلون الجمعية العمومية في وقت مبكر لوضعهم في صورة التعديلات الأخيرة على اللوائح الانتخابية واستمزاج أرائهم إن لم يكن للإقرار فللاستئناس، الأمر الذي كان سيشعر الصف الداخلي بقيمته ودوره ولو معنويا في الجماعة، ويزيل من نفوسهم حضور الأنا والشعور بالدونية ومصطلح الطرطرة الذي بدأ يتردد هنا وهناك. ففيما يقول الشاعر: لا تنهى عن خلقٍ وتأتي بمثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ تقول الشعوب إن على الأحزاب والجماعات التي تقود ربيع الشعوب العربية التي تطالب بالحرية لشعوبها لجهة ضمان التعبير عن إرادتهم الحرة في اختيار ممثليهم وحكامهم، أن تكون ديمقراطية وشورية ونزيهة وشفافة في ذاتها وفي صفوف تنظيمها، فالتنظيمات القوية في ذاتها ستكون بالضرورة قوية في قيادة شعوبها. والحركات والأحزاب التي تعتمد الشورى والديمقراطية في اتخاذ قراراتها التنظيمية ستأخذ بالضرورة رأي وتوجهات شعوبها. والحركات والأحزاب التي تعمقت فيها أساليب اتخاذ القرار التي تحترم رأي الآخر ستكون بالضرورة أقدر على استيعاب كافة أطياف شعبها وتعمل على إشراكهم معها في معركة البناء التي تحتاج قدرات وطاقات الجميع. فالمطلوب إذا من الإخوان أن يكونوا على قدر العشم وعلى قدر الأمل وعلى قدر التحديات التي تواجه الأمة والشعوب. صحفي وباحث سياسي* 5-4-2012م