إسقاط الحكومة يتم عبر الإنتخابات , ولكن يبدو أن الحداثين المزيفين في بلادنا يدركون جيدا أنهم خارج حسابات الشعب التونسي الذي اكتشف زيف الديمقراطية التي يدّعونها لأنهم مجرد ظاهرة صوتية نفخت فيها وسائل إعلام احترفت الدجل السياسي و المال السياسي الفاسد . إستعلائيون يرفضون مراجعة خطابهم الذي جلب لهم الهزيمة , يطبّلون للشعب عندما يثور على الإستبداد و عندما تجرى الإنتخابات و ينتخب هذا الشعب الإسلاميين يصفونه بالجهل و الغباء , أفلا يدركون أن هذه الشعوب التي أطاحت بالإستبداد ستطيح بأي استبداد جديد. القوى الديمقراطية الحقيقية لا تخجل من الإعتراف بأخطائها بل قد تكون الإنتكاسة أساس انطلاقة جديدة نحو كسب ثقة الشعب و الفوز بالإنتخابات القادمة . القوى السياسية اليائسة تحاول العربدة و تهييج الشارع و تستغل الأوضاع الإجتماعية الصعبة و معاناة العاطلين عن العمل لإرباك الأوضاع و إسقاط الحكومة المنتخبة و كأن لهم البديل السحري لتشغيل 800 ألف عاطل عن العمل . ما عاشته العاصمة أيام 8 و9 أفريل يثبت أنّ بعض نخبنا مازالت غير جاهزة للديمقراطية , فشعارهم هو أن أحكم أو أقلب الطاولة على من يحكم وهو قمة السقوط و التردي الذي بلغه البعض . هذه المجموعات الفوضوية و الهامشية تعيش حالة هستيريا حقيقية منذ 23 أكتوبر و آخر حالات الصّرع هي محاولة إقحام الجيش الوطني في الصراع السياسي لضرب خصومهم, ومن المضحك أنّهم ينادون بدولة مدنية. إنهم ينادون بعودة الإستبداد من جديد و إلغاء إرادة الشعب لأن بعض الطفيليات لا تعيش إلا على الفتن و مآسي الآخرين فالغيرة و الحسد تعميان القلوب و الأبصار. الحرية لا تعني الفوضى بل إن الديمقراطية لا تبنى إلا باحترام القانون و النظام و ما حصل في شارع الحبيب بورقيبة في عيد الشهداء هو محاولة لكسر قرار حكومي و إظهارها كعاجزة عن تنفيذ قراراتها , المسألة لا تتعلق بالإحتفال بعيد الشهداء فكل الأعياد الوطنية صارت مناسبة للتعبئة ضد الحكومة و الدعوة لإسقاطها و حالة التشنج البادية على الوجوه و اللّعاب المتطاير من أفواههم تجعلك تشفق عليهم بل بعضهم يحتاج إلى رعاية طبية كما ذكر الطاهر هميلة . نعيش اليوم في تونس عرسا حقيقيا للديمقراطية و هامشا من الحرية كان في الماضي القريب أقرب إلى الحلم , و البعض يعمل بكل قواه ليفسد هذا العرس لأنه لا يريد الحرية إلا لنفسه أو لمن يتقارب معه في الأفكار أما خصمه السياسي فلا يريد أن يراه إلا في السجن أو تحت المراقبة الإدارية . ما يثير السخرية أن البعض من المتظاهرين و الذين استوطنوا الإذاعات و المنابر التلفزية يبحثون عن كاميرا التلفزة و مصدح الإذاعة لإثبات ثوريّتهم الجديدة , و مع احترامي لأصحاب الرصيد النضالي فإنّ آخرين يبلغ مجموع ثمن ما يلبسه الواحد منهم مع النظارات ما هو كفيل بتشغيل ثلاثة عاطلين عن العمل و لا نظنّ هؤلاء من أشعلوا الثورة في وجه الدكتاتور. هؤلاء لا يعلمون أن التاريخ لا يسير إلى الوراء و موجة النّحيب و العويل التي يمارسونها تجعلنا نخشى عليهم , و رحم الله شهداء الثورة الذين جعلونا ندرك ضيق صدر دعاة الحداثة بالحرية و الديمقراطية . تساؤل بريء : لو كان المتظاهرون سلفيون ووقع التصدي لهم بتلك الحدّة , كيف ستتعامل وسائل إعلامنا مع الحدث؟ الجواب بسيط و جاهز : الدولة قرّرت تطبيق القانون .وعاشت دولة القانون. كاتب و محلل سياسي *