لم تع أغلب المنظمات الحقوقية في بلادنا أننا لم نعد في حكم الديكتاتورية حتى تصب جام غضبها في كل مرة وبكل بساطة ويُسر على النظام البوليسي القمعي الذي يخنق الأنفاس ويمنع كل تعبير عن الرأي وتحمّله مسؤولية كل اعتداء ولو نتج عن ممارسات بعض المحتجين أو المخالفين، وما أقلهم وقت العسر، لتنال استحسان المقهورين ومباركة العالم.. لقد كان لذلك الأسلوب أسبابه ومبرراته،، ذلك أن نظام الطاغية كان قد انتصب على رقاب الناس قهرا وزورا وحوّل كل وسائل الاعلام لدعايته الخاصة وحرم الناس وسائر التيارات السياسية والمنظمات من أي وسيلة تعبير أو احتجاج ونشر بين الناس الرعب والخوف وأخرس فيهم كل لسان،، بما ولّد لديهم الشعور بالكبت والقهر،، فكان مقبولا أن يحمل مسؤولية كل انفجار للأوضاع وكل تجاوز للحقوق أو خرق للقانون مهما كان مأتاه.. أما وقد انتقلت البلاد لمرحلة بناء المؤسسات الديمقراطية بعد انتخابات شهد العالم كله بنزاهتها.. وأن تتحول كل وسائل الاعلام والتعبير لخدمة خصوم الحكومة قبل الحكومة. وأن تظل الشوارع والطرق مفتوحة للتجمهر والتظاهر باستثناء طريق واحد وقع تحديده بشروط لدواع أمنية وأسباب اقتصادية واحتراما لحقوق وحريات الآخرين. وإن لا يجد حق تكوين الأحزاب والجمعيات أية موانع أو حدود تحده .. وأن تكون أبواب المجلس التأسيسي والوزارات مفتوحة والآذان فيها صاغية وسبل الحوار مكفولة لكل من له موقف مغاير أو مقترح تعديل أو مشروع.. فإن المطلوب أن تكون طريقة تعاطي المنظمات الحقوقية مع الأوضاع الجديدة مغايرة تماما،، وعليها أن تسرع بتقويم ذاتها قبل أن تطالبه في غيرها.. ولئن كان من العادي أن يقع التغاضي عن الكثير من الضعف والمبالغة والتناقض الوارد في بيانات المنظمات الحقوقية زمن القهر والكبت والخنق، ويجد مبراراته في انعدام المعلومة وسبل التأكد منها وصعوبة الوصول إلى الضحايا وانعقاد ألسنتهم خوفا ورهبة من بطش الطاغية،،، فإن الأمر يكون مغايرا في دولة الحقوق والديمقراطية، حيث تتوفر وسائل التعبير وسبل التقصي والبحث والاتصال، وتنطلق ألسنة الضحايا وأشباه الضحايا وأصدقاء أصدقائهم، وتتيسر سبل الحصول على المعلومة الصحيحة وتوثيقها والتأكد من صحتها ومن درجة خطورتها ومدى تكرارها ومن اتساع مداها،،، لذا، كان من المطلوب أن تتميز بيانات المنظمات الحقوقية بالكثير من الموضوعية والشفافية والدقة والاتزان والحياد.. مشكلتنا في تونس ما بعد الثورة أن أغلب منظمات المجتمع المدني هي مجرد ملحقات لتيارات وأحزاب سياسية، وأن المهمة الأصلية لأغلب المنظمات الحقوقية تتمثل في خدمة الأجندات السياسية لتلك الأحزاب، وأنها لا تدافع عن حقوق الناس إلا شكلا أو احتياطا.. منظماتنا الحقوقية لا زالت تجتر ذاتها وتمارس بنفس الأسلوب الذي ورثته عن عهد بن علي،، ولم تقم بمراجعة أدائها وتقويم برامجها واستراتيجياتها وتطوير طرق عملها وأساليبها بحسب التغيرات الكبرى التي شهدتها بلادنا،، أغلب بيانات هذه المنظمات عامة ومليئة بالأخطاء والمبالغات حيث لا يبذل أصحابها أدنى جهد موضوعي وعلمي للتثبت وتمحيص حقيقة ما ورد فيها، سوى البحث عن مبررات لجملة من الادعاءات من خلال رؤية أحادية مؤدلجة وموجهة،،، وكثيرا ما تكون هذه البيانات لمجاملة الأصدقاء ومساندة الرفاق وتأييد بعض الخيارات دون أن تكون لها أدنى علاقة بالواقع..