كعادتها دائما تبحث حكومتنا العتيدة عن تعليق خيباتها على غيرها! لابد من وجود شماعة عند كل مشكلة، تحمّلها مسولية ما يحدث في البلاد من مشاكل واضطرابات، فلو لا " الاستغلال السياسي لبعض الأطراف الذين لا يريدون الخير لبلادهم"* لمّا حدث ما حدث ولما تصاعدت وتيرة الأحداث بهذا الشكل! ولو لا أن "بعض التلفزات الأجنبية بثت الأكاذيب والمغالطات دون تحرّ، واعتمدت التهويل والتحريض والتجني الإعلامي العدائي لتونس"* لما حصل ما حصل! هكذا تحدث "زينسكو" وقد أخرجه تصاعد وتيرة الأحداث عن صمته المعهود فخرج علينا خطيبا ومحلّلا نفسيا زاعما "أنه يقدّر الشعور الذى ينتاب أى عاطل عن العمل وخصوصا عندما يطول بحثه عن الشغل وتكون ظروفه الاجتماعية صعبة وبنيته النفسية هشة مما يودى به الى الحلول اليائسة ليلفت النظر إلى وضعيته"*. الجزيرة ومن ورائها المغرضون سبّبوا القلاقل وهزوا أركان نموذج "زينسكو" وشوهوا صورة المعجزة الإقتصادية الباهرة ل "تونس"، فكان الردّ، أن "سيادته" سيطبق القانون على "المارقين" "بكل حزم ... بكل حزم"* وبدأ التطبيق الفعلي ووصلت التعليمات "لبوليس الكلمة" و "بوليس العصا" و"بوليس الرصاص" وفي تطبيق التعليمات يتنافس المتنافسون من فرق البوليس! ما يعنينا من هذه الفرق الثلاث في هذا النص الموجز هو "بوليس الكلمة" الذي يأبى الله إلا أن يفضحه ويعري كذبه ... حملة صفراء في الجرائد والمواقع والقنوات "الخاصة" والعامة كلها تُحمّل الجزيرة مسؤولية الأحداث وكأنها هي التي تُخرج الناس للشارع وتأمرهم أن يعرّضوا صدورهم للرصاص أو يسكبوا على أجسادهم البنزين ويضرموا فيه النار! لغة خشبية محنطة: "قناة الجزيرة حاقدة على تونس ولا تريد الخير لهذا البلد"! ... "قناة الجزيرة في قمة الإحتراف بالمفهوم الميكانيكي تلعب مع أناس بهاتف محمول يصورون في الشارع"! ... "الإعلام دقّة ماهوش اعتباط"! ... "تطاول واستغلال للحدث بشكل يسيء لبلادنا ومنظماتنا" ... "قصف حقيقي ، إلّي اتعمل حول تونس وحول الحدث التونسي، ... مرادف من حيث المجهود إلي عملتّو الجزيرة مع يوميات قصف غزة"!** ولسنا هنا بصدد الدفاع عن الجزيرة أو غيرها من وسائل الإعلام التى أمطرها النظام التونسي بحملة من الإستهداف والتشويه والقرصنة، وإنما السؤال للذين يزعمون بأن الإعلام "دقة ماهوش اعتباط" هل فتحت بلادكم ساحة الأحداث للإعلام المحترف كي يقوم بدوره في تغطية الأحداث تغطية مهنية مستقلة؟ هل سمحتم للمنظمات الحقوقية الوطنية والدولية بمعاينة الأحداث وإحصاء التجاوزات؟ تسدون كل أبواب المعلومة "المهنية" ثمّ تقولون نحن مستهدفون! بالضبط كما فعل "أنور خوجة" في ألبانيا، أذاق شعبه الولات باسم الشيوعية وأوهمه أنه في خير عميم وأن الناس من حولهم يتربصون بهم غفلة أو سنة من نوم حتى ينقضوا عليهم وينهبوا ثرواتهم وهم جوعى! حدّثونا عن كذب الجزيرة ومبالغاتها ولم نر منهم تكذيبا لأمر بعينه أونفيا لأعداد الضحايا العزل الذين سقطوا في مواجهة "حزم سيادته"! غير أن جبلهم تمخض فولد فأرا اسمه "أن البوعزيزي رحمه الله لم يكن من أصحاب الشهائد" وأن صورة نشرت كانت غير صحيحة! وكأن الأمر سيتغير كثيرا ونحن نعلم أسماء الضحايا ومواقع مصارعهم ونرى صورا تحدث في تونس لا تختلف كثيرا عن صور الغزو الذي تحدث عنه "المسيّس" الكذّاب! أعجب من غباء الاستبداد وأعجب أكثر من أسلوبه في مقاومته غباءه فبدل، أن يفتح الساحة للإعلام الحر ّ والمستقل، يشن حملة على المدونين فيعتقلهم، وعلى مغنّي الرّاب فيلقي بهم في الظلمات لتطاولهم! ... وعلى الهواتف المحمولة فيصادرها أو مسح ما فيها من أفلام! ... يغلق كل موقع فيه نقل للأحداث ويضيق من خدمة الانترنت. كل ذلك حتى لا تصل صور جرائمه للأشخاص والمؤسسات الإعلامية التي ليس لها من بدّ إلا التعامل مع تلك الصور كمصدر أساسي للمعلومة بعد أن أغلقت كل المنافذ. ولكن هيهات، ولّى زمن الغلق والكبت والتعتيم ، و"لاباس علينا، وما عندنا شيء، وما تسمعوش الكذب متاع الفاشلين" وحملات "البندير" والحضرة"!! الصورة فضحتكم! ولن تتوقف! دمرتم الأحزاب السياسية المعارضة، أصبح جلّ الشعب معارضا ويهتف بصوت واحد متناسيا فروقه السياسية، أن ارحلوا! احتكرتم المعلومة عن الشعب ودمرتم الصحافة وكتمتم أنفاسها، فعوّل الشعب على نفسه في نقل المعلومة، ودخلت بلادنا "بفضلكم" زمن المواطن الصحفي الذي يكتب ويصور ويسجل و"يمنتج" ويبث ثم يترك أمر الغربلة للمستهلكين وكل واحد ونوعية غرباله!! بعض الناس أصبحوا شيوخا ومفتين في طرفة عين يُحرّمون الانتحار وكأن هناك من يبيحه والعياذ بالله، ولم يبق إلا أن يلعنوا البوعزيزي ومن فعل فعلته، بدل الترحم عليهم ومواساة أهلهم ولعن الإستبداد الذي قهرهم وحرمهم من الرعاية والتوجيه والتأطير، وحرمهم الراحة النفسية والرضا بما قسم الله لهم دون خنوع، وسبّب هشاشة بناهم النفسية ثم اتهمهم بها! ولأمر يعلمه ربنا جلّ وعلا، فقد أراد لأقوام أن يلتحقوا بقاطرة الاستبداد بعد أن تهرّت وبدأت عجلاتها تترنح، وقد كانوا من قبل يزعمون أنهم في الطرف النقيض، مقاومون بالظفر والناب والساعد! لحكمة يعلمها ربنا انتقل هؤلاء النّفر للصفّ الآخر كذبا وتظاهرا بأنهم اقتنعوا بعد طول تجربة أنهم كانوا على خطأ، وأن "سيادته" الذي كان في أعينهم "شيطانا رجيما" قد أصبح في خريف عمره وعمرهم "رحمانا رحيما" أبا لكل التونسيين! أنفق عليهم عفوه مخلوطا بالشاي والبندق! ... فمنحوه ألسنتهم الحداد يسلقون بها رفاقهم ويسبّون بها ذوي الفضل عليهم، ويغزلون بها الحرير لجلادهم وجلاد شعبهم! ويشاركون في الحملة على الجزيرة وعلى أهلهم دون وعي أو حسن بيان، ولسان حالهم يقول" "هانا امعاكم لا تنسونا"! أرادوا في آخر عمر الاستبداد وأعمارهم أن يكونوا كتلك الطيور الجائعة التى يفتح التمساح لها فمه العملاق فتنظف ما علق بأسنانه من مِزَقِ لحم فرائسه! ولكن "تمساحنا" هذا ليس كذاك التمساح الذي يتعامل بالفطرة التى فطره الله عليها، وإنما نعتقد أنه سيُطْبق عليهم فكّيه عندما يفرغ لهم متهما إياهم بالإندساس أو بأنهم لم يقوموا بواجبهم في تنظيف أسنانه من دماء فرائسه ولحمها كما يجب! لهؤلاء أقول: " قولوا خيرا أو اصمتوا"! و"لزينسكو" الذي أثبتت الأحداث أن ظروفه السياسية صعبة وبنيته النفسية هشة، وأودت به الى الحلول اليائسة لقمع شعبه، أقول: سيجرفك السيل سيل الدماء ** ويأكلك العاصف المشتعل ومزيدا من الحزم، فالله أحزم وأصدق وأعدل! ولن تقتل أحدا قِتلةٌ إلاّ قتلك الله بمثلها يوم القيامة!
* من خطاب بن علي بمناسبة اندلاع الأحداث ** مقتطفات من كلام بسيس وغيره صابر التونسي