إن تكالب قطعان المستوطنين الصهاينة في مدينة الخليل وإرتكابهم جرائم وإنتهاكات عدوانية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل, الاّ من إيمانه الراسخ بعدالة قضيته وتمسّكه حدّ التضحية بالنفس من أجل الدفاع عن حقوقه التي إغتصبها الكيان الصهيوني العنصري, دليل قاطع على حالة العجز وفقدان الارادة التي تعيشها سلطة حكماء أوسلو بقيادة الحاج محمود عباس, رئيس ما تبقى من السلطة الوطنية الفلسطينية القابعة الى أجل غير مُسمّى في "مقاطعة" رام الله المحتلّة. خصوصا بعد أن أصبح هدفهم الأساسي هو القضاء على حركة "حماس" والتخلّص من حكومتها المنتخبة شرعيا, وعزلها إقليميا ودوليا حتى لو تطلّب الأمرتجويع وإبادة مليون ونصف مليون فلسطيني في غزّة, كما هو حاصل الآن مع الأسف الشديد. وبدل أن يوحّدوا قواهم وجهودهم وتعبئة شعبهم المغلوب على أمره للوقوف كالبنيان المرصوص بوجه العدو الصهيوني المتغطرس, راح الأخوة الأعداء في الضفة الغربية وقطاع غزّة يخوضون حربا كلامية شرسة مستخدمين فيها شتى أنواع الأسلحة اللغوية, بما فيها تلك المحرّمة أخلاقيا, ويتبادلون الاتهامات حول هذا أو ذاك من الأمور. حتى حجاج بيت الله الحرام لم يسلموا من تلك الحرب العبثية المسيئة لتاريخ ونضال الشعب الفلسطيني. فصار لنا حجاج من أتباع السلطة الفلسطينية في رام الله وحجاج من أتباع الحكومة المقالة في غزّة. بينما يقف العدو الصهيوني مدججا بالسلاح, وعلى بضعة أمتار منهم, ضاحكا ساخرا من قادة وزعماء الشعب الفلسطيني الذين سحرهم بريق السلطة, رغم أنهم لا يملكون منها الاّ الاسم. إن ما ترتكبه قطعان المستوطنين في الخليل أو في سواها من المدن الفلسطينية الأخرى, مضافا له جرائم وإنتهاكات القوات الاسرائلية نفسها, ينبغي أن يكون سببا كافيا لأن تضع جميع القوى والتنظيمات الفلسطينية خلافاتها جانبا وأن تلتفّ حول شعبها الذي يعاني الأمرين في ظل أبشع وأطول إحتلال في التاريخ. ولو كان للشعب الفلسطيني من يذود عنه ويحميه من المخاطر والعدوان والتجاوزات في مدينة الخليل أو في سواها لما وصلت جرائم هؤلاء المستوطنين المتوحّشين الى هذا الحد البالغ الخطورة. وقد صدق النابغة الذبياني عندما قال"تعوي الذئابُ على مَن لا كلابَ له - وتتّقي مربضَ المستنفرالحامي". وعليه لم يبق أمام الفلسطيني غيرالمقاومة, التي هي قدره المحتوم, وبكلّ الوسائل والسبل رغم قلّتها وتواضعها. فلا توجد دولة محتلّة, لا قديما ولا حديثا, تحرّرت عن طريق المفاوضات. ولا توجد دولة إستعمارية واحدة تركت بلدا إحتلّته بقوة السلاح الاّ مرغمة على الخروج منه بفضل مقاومة وصمو د أبنائه. وقد أثبتت لنا سنوات"أوسلو" العجاف والجري المحموم خلف سراب الوعود الأمريكية واللقاءات الحميمية المتعدّدة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس وزراء الكيان الصهيوني إيهود أولمرت, أن وضع المواطن الفلسطيني من جميع النواحي يسير من سيء الى أسوء وفي تدهورمتسارع. ومع ذلك يستمر فقهاء وعباقرة رام الله من قبيلة أوسلو وأخواتها في بيع الأوهام والاحلام الصبيانية على شعب أغلقت في وجهه جميع الأبواب الاّ أبواب السماء. فمتى يدرك هؤلاء عبثية ولا جدوى التوسّل والتغزّل من أجل إستجداء سلام خادع من عدو مغتصِب لا يرى في الفلسطينيين, صغارا وكبارا نساء ورجالا, الاّ أعداءا يتمنى القضاء عليهم اليوم قبل الغد. ومن المؤلم حقا هو إن الدول الغربية, التي تتباهى وتتبجّح بديمقراطيتها ودفاعها عن الآنسان وحقوقه, تتعامل مع الفلسطيني وكأنه إنسان من الدرجة العاشرة. وتقيم الدنيا ولا تقعدها إذا جُرح أو خدش مواطن إسرائيلي حتى وإن عن طريق الخطأ. بل إن الغرب الذي يدّعي التحضّر والتقدم لا يجد غرابة ولا إحراجا في وجود 400 مستوطن صهيوني متطرّف دخلاء على مدينة الخليل, تحميهم قوة إسرائيلية مؤلفة من3 آلاف عسكري, حوّلوا حياة 180 ألف فلسطيني مدني الى ما هو أسوء من الجحيم. والمثير للدهشة هو إن دول الغرب بدون إستثناء تقريبا ما زالت تعتبرالكيان الصهيوني "واحة الديمقراطية" في الشرق. فإذا كانت الديمقراطية هي إحتلال أراض الغير بالقوة وحصار وتجويع ملايين البشر وتقطيع أوصال مدنهم وبلداتهم بالحواجزالكونكريتية ونقاط التفتيش العسكرية وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة العادية فالنقرأ السلام على الديمقراطية وعلى حقوق الانسان. وإذا لم تخنّي الذاكرة فقد قال كارل ماركس" إن أمّة تستعبد أمة أخرى لا تستحقّ الحرية".