إن الفترة القاتمة في عهد المخلوع زين العابدين بن علي والمآسي والمحن التي تعرّض لها الإسلاميون والممارسات القذرة التي ارتكبها أعوان الأمن وتحديدا البوليس السياسي في حق الشعب التونسي على خلفية تقييد الحريات من شأنها أن تجعل كافة التونسيين يعتقدون أن جل رجال الأمن في ذلك العهد مورطون مع رئيسهم في الاستبداد الممنهج والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان. لكن الحقيقة تبدو مغايرة تماما، إذ ليس كل رجالات الأمن معنيين بهذا الخرق والتعدّي على حقوق الإنسان فهنالك من جعله الله متنفسا حقيقيا لمن أراد الصمود أمام خيارات بن علي الظالمة وسبح ضد تياره المخالف لإرادة شعبه، فالشعب لا يزال متمسكا بثبات بالعروبة والإسلام اللذين لا يساوم في شأنهما. ولنا أمثلة كثيرة في هذا الإطار. أذكر أنني أردت استخراج بطاقة تعريف وطنية بأحد مراكز الأمن الكائنة بأحواز العاصمة، وبينما كنت أنتظر دوري كما جرت العادة التي يعرفها جميع التونسيين، شاهدت رجلا يتكلم عبر الهاتف مالئا القاعة صراخا، فظننت منذ الوهلة الأولى أنه من زبانية بن علي وأزلامه الذين خبرتهم في عديد المواقف لكن تبيّن لي بعد ذلك أنه رجل لطيف ويُحسن معاملة المواطنين دون استثناء، فقد جرى بيننا حوار أثبت لي من خلاله أنه ابن للشعب منه وإليه. وفي مناسبة أخرى أردت استخراج جواز سفر لي من نفس المركز الذي كنت أتحدث عنه آنفا. استقبلت باحترام من قبل العون المخصص لهذه الخدمة، تسلّم مني جميع الوثائق المطلوبة في الغرض، ثم أعطاني وصلا. مرت الأيام والأسابيع فذهبت إلى هذا العون المحترم راجيا أن أنال مرادي. فأخبرني أن جوازي لم يحضر بعد. غبت عدّة شهور ثم عدت إلى مركز الأمن فأعاد العون نفس الكلام بكل أدب واحترام. علما وأن الجواز بالنسبة للذين لا يسبحون ضد التيار يمكنهم أن يستخرجوه في ظرف أقل من شهر. مرت أربعة أشهر إن لم أقل أكثر من ذلك فرجعت كالعادة إلى نفس الرجل وقلت له «هل الجواز جاهز» فأعلمني أنه لم يجهز بعد. فخرجت من صمتي الرهيب وقلت له «طالت المدة ولم يجهز جوازي لكأنني يأست منه؟» فقال لي «لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون» فعدت أدراجي وأنا أستغرب هذا الردّ الذي ينمّ عن أخلاق رفيعة من قبل رجل الأمن. بعد ذلك قام هذا الأخير بإرسال الجواز عن طريق أحد الأصدقاء. واستوقفني ذات يوم أحدهم وأنا بصدد الذهاب إلى أحد المساجد وكان ذلك قبل صلاة المغرب. وكنت قد التزمت مكرها قبل ذلك بأن أحلق لحيتي التي قال في شأنها الرسول صلى الله عليه وسلم «حفوا الشوارب واعفوا عن اللحي»، وسألني لماذا لم أستجب لهذا الالتزام. فقلت له «إنني إن فعلت ذلك شعرت بعدم وجود الحرية في هذه البلاد، إذ ما الفرق بين أن تأمرني بحلق اللحية أو تقول لي انزع ثيابك» فكليهما سواء، ضربا من ضروب الاستبداد. اقتنع الرجل بكلامي وقال لي أعطني بطاقة هويتك؟ ففتحت حافظة أوراقي لأسلمه إياها، فلمح إلى جانب بطاقة التعريف الوطنية نسخة لها. فأمرني أن أعطيه النسخة بدلا عن الأصل ثم قال لا تنسى أن تحلق لحيتك ولسان حاله يقول هي اذهب وابتعد عني. لكن زميله أصر على أخذ البطاقة الأصلية فنهره وقال له «أعلم ما أفعل». هؤلاء هم رجالات تونس وأبناؤها البررة استطاعوا أن يسبحوا هم كذلك ضد تيار دكتاتورية بين علي رغم الرقابة المشددة عليهم فهم لم يخنعوا لتعاليمه الجائرة. قرارات اتخذت لضرب الإسلام والمسلمين داخل هذه الربوع التونسية. فيصل البوكاري تونس